شيخة المحامين .. مفيدة عبد الرحمن ..أول امرأة ترج أركان المحاكم


· استحقت عن جدارة لقب “الأم العاملة المثالية”

· الزوج .. السر وراء نجاحها

· عشرة من البيض في منديل أو عدد من التفاح ..هكذا كانت أتعابها

بجِد وكفاح ومثابرة استطاعت مفيدة عبد الرحمن مزاولة مهنة لم يكن يشغلها سوى الرجال، فكانت أول امرأة مصرية تعمل بالمحاماة ومرافعاتها ترج أركان المحاكم، لتثبت بجدارة قدرة المرأة المصرية على شغل أية مهنة مهما كانت صعوبتها، لم تكتفِ بذلك بل خاضت العمل العام والسياسي وأصبحت نائبة في البرلمان، واستمرت عضويتها مدة 17 عامًا على التوالي، استطاعت حل المعادلة الصعبة التي تعجز الكثير من النساء حلها وهو التوازن بين عملها كمحامية ونائبة وبين مسؤولياتها كزوجة وأم لديها تسعة من الأبناء، والسر وراء هذا هو دعم زوجها الدائم لها فنحن مثلما نقول وراء كل رجل عظيم امرأة أيضًا وراء كل امرأة عظيمة رجل …

ولدت مفيدة عبد الرحمن في يناير عام 1914 بمنطقة الدرب الأحمر، نشأت وسط أسرة مترابطة، والدها عبد الرحمن محمد كان خطاطًا موهوبًا فكتب المصحف الشريف بيده 19 مرة.

في مقتبل حياتها كانت تحلم بدراسة الطب غير أن الأقدار كانت تخبئ لها شئ آخر، فقد تزوجت قبل أن تكمل العشرين من عمرها من الكاتب محمد عبد اللطيف الذي عكف على تفسير القرآن الكريم وله العديد من الكتب والأبحاث، وأنجبت منه تسعة أبناء، وقد شجعها على استكمال تعليمها الجامعي والالتحاق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) عام 1935 .

حصلت مفيدة عبد الرحمن على ليسانس الحقوق عام 1939 وبعد تخرجها كانت أول من مارس مهنة المحاماة وفتح مكتب خاص بها، وأول من قيد في جدول المحامين أمام النقض في مايو 1952.

خوض غمار مهنة المحاماة

ولم تقف طموحات مفيدة عبد الرحمن عند الحصول على شهادة الحقوق، بل قررت وبتشجيع من زوجها أيضًا أن تخوض غمار مهنة المحاماة التي كانت حكرًا على الرجال آنذاك ولم يمنعها الزواج ولا الأبناء من الإقدام على هذه التجربة التي كانت أقرب للمغامرة الاجتماعية والمهنية في ذلك الزمان.

وتروى مفيدة عبد الرحمن في أحد أحاديثها قائلة : “بدايتي كانت في نوفمبر عام 1939 وكانت المرأة آنذاك التي تعمل تعد على أصابع اليد بخلاف مجال التمريض، فكانت مهمتي صعبة للغاية فكيف لسيدة مثلي أن تقنع رجل أو سيدة صاحبة حق أن تثق أن لدي القدرة على الدفاع عن هذا الحق والحصول عليه، ولكن بالكفاح والمثابرة وحسن آداء العمل جعلني أهل ثقة، وكنت لا أنتظر مقابل عملي في بداية مشواري المهني فكانت أتعابي وقتها عشرة من البيض في منديل رجالي كبير أو وقة تفاح وكُنت سعيدة جدًا..”

وكانت أول قضية تولت مفيدة عبد الرحمن الدفاع والترافع فيها قضية قتل غير متعمد، وقد استطاعت الفوز بها وتمت تبرئة موكلها لتنال بعدها شهرة كبيرة في الأوساط القضائية والاجتماعية وكانت تتولى الدفاع في بعض القضايا وهي حامل في شهرها الأخير.

اختيرت للدفاع عن درية شفيق في المحكمة، وكانت درية شفيق قد تمكنت في فبراير عام 1951 من جمع 1500 امرأة من مجموعتين نسائيتين رائدتين في مصر هم بنت النيل والاتحاد النسائي المصري لتنظيم مسيرة من الذين قاطعوا البرلمان لمدة أربع ساعات بعد أن تجمعوا هناك للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، وعندما بدأت القضية أمام المحكمة، وأرجأ القاضي الجلسة إلى أجل غير مسمى.

وفي الخمسينيات، عملت محامية دفاع في محاكمات سياسية مشهورة تتعلق بمجموعة متهمة بالتآمر على الدولة .

شغلت مفيدة عبد الرحمن رئاسة الاتحاد الدولي للمحاميات والقانونيات بالقاهرة. كما شغلت عضوية مجلس نقابة المحامين وعبر مسيرتها المهنية الحافلة، قامت بتدريب عشرات المحاميات الشباب، وقد ظلت تعمل بمهنة المحاماة حتى بلغت الثمانين من عمرها لتتقاعد بعدها حتى رحيلها عام 2002 .

انطلاقها إلى عالم السياسة

لكن طموحاتها لم تتوقف عند تحقيق حلم المحاماة والنجاح فيه فقط، فقد قررت أن تخوض مغامرة أخرى، وهي اقتحام الحياة العامة والبرلمانية وانتخبت عام 1962 بمجلس الأمة عن دائرة الظاهر والأزبكية بالقاهرة وكانت وقتها أم لتسعة أبناء.

كانت نائبة ناشطة لمدة 17 عامًا على التوالي حتى لقبت بشيخة المحامين، شاركت في أعمال لجان تعديل القوانين وأيضًا لجنة الأحوال الشخصية في الستينات، كانت عضو في مجلس إدارة بنك الجمهورية ومجلس الاتحادات الجامعية والاتحاد الوطني ومجلس هيئة البريد.

العمل العام

كانت لها جولات عديدة في أوروبا مثل إنجلترا والسويد والنرويج بدعوة من هيئة الأمم المتحدة لدراسة، نظم الأسرة والطفولة وتطبيقها في مصر، وساهمت في إنشاء العديد من مكاتب توجيه ومساعدة الأسرة التي عنيت بالتصدي للمشاكل الأسرية، فضلًا عن إقامة عدد من بيوت الطالبات التي آوت مئات المغتربات من خارج القاهرة، شغلت رئاسة جمعية نساء الإسلام منذ 1960.

السر وراء نجاحها

خلال لقاءاتها الصحفية والإذاعية العديدة كانت مفيدة عبد الرحمن كثيرًا ما تعبر عن امتنانها وتقديرها لزوجها الذي كان مصدر الدعم والتشجيع الذي دفعها للدراسة، ثم العمل، وكان السبب الأول في نجاحها والتوفيق بين مهامها المتعددة في الحياة..

وقد روت مفيدة عبد الرحمن في أحد أحاديثها عن دور زوجها في تشجيعها على الالتحاق بكلية الحقوق أنها فوجئت بعد تقديم أوراقها برفض عميد الكلية قبولها بعد علمه أنها زوجة وأم حيث أصر على مقابلة زوجها للحصول على موافقة كتابية منه ليظهر زوجها مساندًا وداعما لها، وقد نجح في إقناع العميد الذي استغرب من إصرار زوجها على دخولها الكلية لتصبح مفيدة عبد الرحمن أول أم وزوجة تدخل الجامعة.

تقول عنه أيضًا: “كان له فضل كبير جدًا في تشجيعي على دخول الجامعة واستكمال تعليمي، عندما بدأت في مزاولة مهنة المحاماة كان يضع عملي رقم واحد ويتغاضى عن بعض حقوقه، لذا كنت له الزوجة المحبة التي كنت أسعد بتحضير ملابسه بل حذائه وهذا أبسط شىء أقدمه لزوج كان يسعده أن زوجته تتقدم وتكون أفضل وأفضل ..”

لكنها في نفس الوقت لا تنسى أسرتها التي تربت ونشأت فيها فتقول :”نجاحي يرجع لأسلوب التنشئة فقد نشأت وسط أسرة مترابطة محبة وسط خمسة أخوات الجميع يحترم بعضه البعض الكبير والصغير، كان الوالدين أكبر عون لي تعلمت منهم أن يتخذ الإنسان الطريق الصادق، أيضًا حب الناس وحب الفقير والمحتاج، بل واحترامه فكنت أنادي الدادة يا خالتي أم نفيسة ..”.

حياتها الأسرية

ورغم الحياة العملية الشقة التي اختارتها لنفسها استطاعت مفيدة عبد الرحمن أن تحقق هذا التوازن الصعب بين واجباتها كزوجة وأم وبين التزاماتها وعملها كمحامية وبرلمانية ومنخرطة في الشأن العام، لذا استحقت عن جدارة لقب “الأم العاملة المثالية” .

كانت زوجة سعيدة جدًا وأشهر محامية في مصر وقصة زواجها دام 48 عامًا تقريبًا إلى أن توفى زوجها، كانت حياتها الزوجية قائمة على الاحترام المتبادل والتضحية المتبادلة .

فتروي قائلة : “كنا نعيش أسرة متكاملة مترابطة وكان أسلوبي في تربية أبنائي غاية البساطة يكفي أن يعلم طفلي أنني متضايقة من تصرف صدر منه فهذا كفيل أن يجعله يكف عنه”..

أشهر أقوالها

· المحامي لابد أن يقتنع بصدق موقفه فلا يستطيع أن يدافع ويقنع القضاة بدون صدق موقفه وهذا هو السمو في مهنة المحاماة.

· على المحامي أن يصعد السلم خطوة خطوة ولا يتعجل الشهرة والمال

· محبة الناس أغلى شيء ممكن أن يصل إليه الإنسان ولا يستطيع أن يصل إليه بماله ولكن بحسن المعاملة.

· إذا كانت الزوجة ناجحة يعاونها زوجها على ذلك النجاح والعمل الجاد هي بدورها لابد أن تقدم له كل أسباب الراحة حتى ينجح هو الآخر في عمله مثلها .

تاريخ الخبر: 2022-07-27 09:21:42
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية