مينا عادل: أسعى لتغيير النظرة النمطية للأقباط.. وأتخفى خلف شخصية الطفل (حوار)

-أسعى لتغيير النظرة النمطية للأقباط.. وعشت في مجتمع فيه الأقباط أقوياء
-يجب على مجتمعنا أن يعاني ويتصارع فكريًا وثقافيًا ويتمخض صراعه عن رؤية جديدة

-شخصية بطرس في "بيت المساكين" تمثلني في مرحلة ما مررت بها أثناء تكويني الثقافي
-أحاول اكتشاف حدود ذاتي عبر الكتابة
-الراوي الطفل يجعلني أكثر جرأة، هو قناع أتخفى ورائه لأفجر فكرة قد تغضب البعض لو خرجت من راوي كبير.

مينا عادل جيد، كاتب وروائي مصري من مواليد عام 1990، تنوعت أعماله الأدبية، ولاقت استحسان كثير من القراء خلال فترة قصيرة، بجانب حصول كتابه "كنت طفلًا قبطيًا في المنيا" على جائزة الكتاب الأول في العلوم الإنسانية من معرض القاهرة الدولي للكتاب للعام 2021.

يتحدث مينا لـ"الدستور" عن تجربته الثقافية والفنية، وعن عمله الروائي القادم والمنتظر صدوره قريبًا، وعن الكتب التي أثرت فيه. والكُتاب المفضلين لديه، وعن الأسئلة التي يحاول طرحها في أعماله الإبداعية.

في أعمال مينا نرى أن الإنسان القبطي أو المسيحي مختلف عن النظرة النمطية أو السائدة.. تعليقك؟

يمكن لأن في أعمالي التي تناولت فيها حياة الأقباط أسعى في الأساس لتغيير تلك النظرة النمطية، سواء أن الأقباط كلهم صفات سلبية، أو أن الأقباط كلهم إيجابيات؛ أنا أقدم الأقباط على واقعهم، فيهم الإيجابي والسلبي، غير أنك تجد في أعمالي الاختلافات التي بين الأقباط أنفسهم، الغني، الفقير، المستنير والمؤمن إيمان أعمى، الفاسد والصالح.

مشروعي.. ثلاثيتي عن الأقباط تهدف في الأساس إلى إنارة الغرفة المظلمة، وكسر طاقة في السور الذي حول الأقباط، والذي يعزلهم عن الاندماج في مجتمعهم، لأن في تقديري الإشاعات السلبية والإيجابية هي نتيجة حتمية للتعتيم والانغلاق، كما أنني لا أقدم الأقباط مقهورين، بل هم في أعمالي أقوياء جدًا، أبطال جدًا، أنا لا أدعي ذلك الواقع، أنا عشت في مجتمع فيه الأقباط أقوياء فعلًا. يمكن أن يكون هذا هو الجديد عندي.

هل يرى مينا أن هناك جهل عند الكثيرين بالدين المسيحي؟

في الحقيقة أريد أن أوضح نقطة هامة، أنا لا أكتب عن الدين المسيحي، أنا أكتب عن جماعة ثقافية تدين بالمسيحية، بما إني أعرفها جيدًا، ولدي مهارة الكتابة؛ فبالتأكيد ستشكل معرفتي موضوعات كتاباتي الأولى.


في روايتك "بيت المساكين" كان هناك ثمة شخصية كارهة أو رافضة للعادات والتقاليد،أو ما نطلق عليه ثوابت، وهو شخصية بطرس، إلى أي مدى ينظر مينا إلى فكرة العادات والتقاليد؟، وهل العادات والتقاليد مجتمعية بشكل عام.. أم مرتبطة بدين من الأديان؟!

بطرس في بيت المساكين هو علماني إلى شبه متطرف، كما أنه متعصب لقومتيه المصرية القديمة (الفرعونية)، يريد أن يأخذ من طبقات ثقافته المتعددة الأصل الفرعوني العظيم فقط، هو أيضًا شبه متطرف لمصريته القديمة متجاهلًا المكون القبطي والإسلامي والعربي في ثقافته الموجودين سواء شاء أم أبى وجودهم، هو يريد أن ينسلخ من مكونات لا يمكن للقبطي بشكل خاص أو المصري بشكل عام تجاهلها فيه. 


إنها حقيقة ثقافية وتاريخية، هو يمثلني في مرحلة ما مررت بها أثناء تكويني الثقافي، التطرف لقوميتي المصرية القديمة، وإملاء مبادئ العلمانية والليبرالية على الناس من برج عاجي، عظيم، كلها أفكار رائعة، ولكن تطوير المجتمعات لا يأتي عبر ترديد كتب فكرية ابنة عصر النهضة أو التنوير في أوروبا، وتطبيقها نصًا، هي نجحت في قارة أخرى في زمن آخر مع شعب آخر، يجب على مجتمعنا أن يعاني ويتصارع فكريًا وثقافيًا ويتمخض صراعه عن رؤية جديدة، تناسب مجتمع يختلف عن أوروبا ويبتعد عنها فكريًا، ما بطرس إلا مثقف كسول متغطرس، يحتقر مجتمعه وينعته بالتخلف لأنه لا يشبه كتبه الأوروبية.

أعود لنقطة أن بطرس يمثلني في مرحلة ما، هل ما زلت أعتنق نفس الافكار؟ لا، لأني تصالحت مع هويتي أنا مينا.. مزيج فريد من رقائق حضارة متعددة، مصرية قديمة، قبطية، إسلامية، وأتحدث العربية وأكتب بها وأعبر بها عن نفسي. هذه حقيقة كالشمس، ومن ينكرها مازال لم يتأمل وضعه في الوجود.

بين ما يبدو من واقعية ومحاكاة لقضايا معاصرة في أعمالك إلا أننا نستطيع أن نرى جانب كبير من الخيال.. كيف يستطيع مينا محاكاة الواقع عن طريق الخيال؟

هذه هي العملية الإبداعية ببساطة، واقع أعرفه جيدًا، أعتبره مسرح بديكور جاهز مناسب لأسئلتي ولما أريد طرحه، هناك من يقرأ "بيت المساكين" على أساس أنها رواية تعرفك على مجتمع قبطي، أو على أساس إنها مجرد أول رواية عن مولد قبطي.. عظيم طبعًا، ولكن ذلك الإطار الأنثروبولوجي، ما هو إلا مسرحًا مجهزًا لسؤالي الأساسي في رواية بيت المساكين، من أنا؟
ليس بالضرورة عندما ينقل الواقع حرفيًا فيعبر عما أريد قوله، هنا يأتي دور الخيال ليحرر شخصيات وأحداث الواقع من مكانها وزمانها وأسماءها بل وحقيقة أمرها، ويلعب بها لعبته الماكرة، يرتبها كسلم يصل به إلى ما يريد قوله وكأنها وجدت هكذا في مكان ما دون تدخل منه، هذا هو العمل الروائي الجيد.


دائمًا ما يكون هناك سؤال حاضر وبقوة في أعمالك وهو سؤال الإيمان الذي يأخذ طابع السؤال الوجودي.. تعليقك؟

أظن أنه ليس الإيمان، ولكنه سؤال وجودي، من أنا، ماذا أفعل هنا، ولماذا هنا بالتحديد، هو سؤالي طوال الاعمال السابقة كلها، أنا لا اكتب من أجل أي هدف سوى متعة فهم نفسي وتفكيكها على الورق واكتشاف حدود ذاتي عبر الكتابة، عندما تكون نتيجة تفكيكي لذاتي تصلح للنشر، أنشرها، وأحيانًا لا أنشرها أكتفي فقط بمتعة كتابتها، يكفيني من الكتابة لذة ملامسة أعماقي.

هناك أيضًا محاولة لطرح فكرة الإيمان عند الفراعنة، وعلاقتهم بالإله، فنرى أحد أبطال روايتك يقول إنهم معذورون لأنهم لا يعرفون الله والله لم يعلن عن نفسه لهم، فأخذوا هم يبحثون عنه في كل مصادر الحياة.

هذه حقيقة أكبر مني، أنا جعلت أحد شخصياتي يقولها، أما لماذا قيلت، هذا الموقف من ضمن موقف كبير يثير سؤال شائك وخطير، نحن مسلمون وأقباط، نؤمن بقصة موسى، وعقاب الله للمصريين وشق البحر والضربات العشر، نحتفي بها وكأننا في خندق اليهود، ولكن من الذين ذلوا وخسروا وعطشوا ومرضوا؟ إنهم أجدادنا، هذا لا يتعارض مع كلامي عن رقائق الحضارة، ولكني أرغب من خلاله أن أوضح حجم التعقيد في الشخصية المصرية. إذا جاز تعبير "شخصية مصرية موحدة"، أو كما قال ميلان كونديرا في كتابه الفذ "فن الرواية " الرواية تقول للقارئ إن الأشياء أشد تعقيدًا مما تتصور، وهذه هي الحقيقة الابدية للرواية.

في روايتك الأخيرة وفي كتابك "كنت طفلًا قبطيًا في المنيا" هناك دائمًا حضور طاغي لنظرة الطفل.. كأن كل ما يراه الإنسان في طفولته هو الأساس الذي يبنى عليه ما يحدث بعد ذلك في حياة هذا الإنسان، كيف ينظر مينا إلى فكرة الطفولة ولماذا يحاول باستمرار طرحها في أعماله؟

الراوي الطفل يجعلني أكثر جرأة، لا أحد يغضب من الأطفال، الأسئلة الوجودية شديدة الصراحة والتلقائية عند الأطفال، ومع ذلك نضحك لهم، هو قناع أتخفى ورائه لأفجر فكرة قد تغضب البعض لو خرجت من راوي كبير.

كما أنها تكنيكا صعبًا للغاية، يجب أن تكون مقنعًا أن من يروي طفل، إقناع بدون الانصهار في السذاجة، هي سذاجة ماكرة، ولا أنكر أنها تكنيك محبب لقلب القارئ، يجعل القارئ يتعاطف مع النص، ويحبه، بل وأحيانًا يكون مشاركًا بشعور من المسؤولية تجاه القصة، ولكن إذا نفذ بشكل سيء سيكون نقطة ضعف كبيرة في النص من حسن الحظ أنني أصنعها بشكل جيد.

هل دور الطفل في أعمالك قادم من خلفية دينية؟

ربما أنت أول من يلفت نظري لهذه النقطة، قد يكون ما كان يقص علينا في مدارس الأحد في الكنيسة من تبسيط لقصص الكتاب المقدس، وسيّر القديسين، وتمثيلنا للمسرحيات المقتبسة من الكتاب المقدس أو تاريخ الكنيسة المصرية، كان له تأثيرًا غير مباشرًا عليا، أعدك إنني سأحاول أن أتتبع منبع ذلك في نفسي وسأقدم إجابة صادقة في حوار قادم.

ماذا تعني الكتابة بالنسبة لمينا عادل؟

أتذكر الآن حين كنت طفلًا، في ابتدائي، وجدت ثمة علاقة بين كلمتي (حمام) مرحاض و(حمام) طائر، لهم نفس الحروف ولكن المعاني مختلفة تمامًا وذهبت بهما في ورقة صغيرة للأستاذة المسؤولة عن الإذاعة المدرسية لأخبرها عن اكتشافي، وألمح برغبتي في إذاعته على الأخريين.

أنا مشغول بترتيب الكلمات بجوار بعضها ودهشتي عندما أجد علاقة بين الكلمات وبعضها منذ بدأ عقلي يعمل. الكتابة تعني كل شيء في حياتي، يحضرني الآن قول ماركيز في كتابه العظيم "عشت لأروي" الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما ما يتذكره ليرويه.

منذ فترة قصيرة أعلنت الدار المصرية اللبنانية عن طرح عمل جديد لمينا.. هل يمكن إضافة تفاصيل؟

العمل القادم نقلة حادة في أعمالي على صعيد الفكرة والموضوع واللغة، أنتقل فيه من أسئلة هوية طائفة، لهوية عقل، تعمقت من خلاله إلى نقطة أعمق في ذاتي، ثم بعد أن انتهيت منه لاحظت أنه موضوع إنساني يتجاوز الهم الذاتي السابق، بل حتى يتجاوز الهم الوطني، يبدو أن الفنان كلما تعمق في ذاته أصبح موضوعه الفني أكثر إنسانية، قد يكون العمل خرج من رحم تجربة كورونا، واختباري للعزلة والوحدة في البيت بشكل حاد لمدة تجاوزت العامين، بعد أن كنت أقضي أغلب يومي أتسكع على المقاهي وسط الضجيج.. لا أعلم.

من هو الكاتب العربي المفضل لمينا؟.. ومن هو الكاتب الأجنبي المفضل؟!

في مصر نجيب محفوظ وإبراهيم أصلان، في الأدب العالمي ماركيز وكفكا، وفي العمل الجديد أرسلت تحية خاصة لكافكا عن طريق أني أطلقت اسم ما على شخصية في الرواية يشبه اسم بطل كفكا الدائم (ك).

ما هو العمل الذي قرأته مؤخرًا وترشحه للقراء؟!

أرشح أفضل كتاب قرأته هذا العام هو رواية "طريق التبغ" للأمريكي إرسكين كالدويل، رواية فذة كادت أن تجعلني أضع قلمي جانبًا وأيأس في كتابة شيء يضاهي كل هذه العبقرية، وبالفعل تسببت الرواية في حبسة كتابة لعدة أيام، ولكن سرعان ما تراجعت وتغلبت على حبستي، ولا أعلم أن كان تراجعي سيكون نبأ سار أم نبا سيء على مسامع القراء.

تاريخ الخبر: 2022-07-30 18:21:33
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية