بدلاً من البكاء على مهنية الـ CNN


بدلاً من البكاء على مهنية الـ CNN
رشا عوض
القاسم المشترك بين دعاة التغيير في السودان بكل أشكالهم (جذري، تدريجي، هبوط ناعم، هبوط خشن، سلمي، بالسلاح،) هو عدم امتلاك أهم الأدوات فاعلية في أي مشروع تغيير في زماننا هذا أي الإعلام!
حتى الآن لا يمتلك السودانيون فضائية مستقلة بالمستوى المهني والتقني الذي ينافس القنوات الفضائية التي يشاهدها المتلقي السوداني ويستقي منها الأخبار والمعلومات والتحليلات التي تخص شأنه المحلي، بشرط أن تكون الأجندة الرئيسة لهذه الفضائية المستقلة هي خدمة مشروع تحرير السودان من قبضة الاستبداد والفساد وزراعة الوعي الديمقراطي وتوليد وتحفيز الاستنارة الذاتية في الشعب السوداني وبناء اللحمة الوطنية المستهدفة بالتمزيق، لماذا لا نمتلك مؤسسة إعلامية بهذه الأجندة والمواصفات؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغلنا! إذ لا يستقيم عقلاً أن نملأ الدنيا سؤالاً وجواباً ليس فقط عن التغيير وإنما عن التغيير الجذري! هكذا معرفاً بألف ولام التعريف ونحن لا نمتلك منصة إعلامية محترفة تبرز أصواتنا الحقيقية للعالم! وتكون هي المصدر الرئيس لاخبارنا!.
ولكننا بدلاً من الانشغال بذلك مشغولين بتوجيه المحاضرات المهنية والأخلاقية لـ(سي ان ان)! وللغرابة والمفارقة فإن الموضوع الذي كان محور حفلة الشواء للسي ان ان في مواقع التواصل الاجتماعي هو تحقيق نعمة الباقر الذي فضح جزءاً مما يجري في قطاع الذهب بواسطة العسكر المدعومين من فاغنر!.
أنا لا أود هنا الدخول في التقييم المهني للتحقيق، ولا الجدل حول ارتباط السي ان ان بالأجندة السياسية للإدارة الأمريكية، بل سأنظر إليه من الزاوية التي تخصني كمواطنة سودانية مسيسة ذات موقف صارم ضد انقلاب البرهان، حميدتي،، التحقيق ربط السلطة الانقلابية الكاتمة على أنفاس الوطن بروسيا التي بينها وبين أمريكا والغرب هذه الأيام ما صنع الحداد، سوء العلاقة بين الانقلابيين وأمريكا والدول الغربية مؤشر إيجابي يجب أن تستثمره الحركة السياسية السودانية الناضجة لصالح معركتها المباشرة مع الانقلاب العسكري، مع التركيز على أن يقظة وكفاءة الجبهة الداخلية هي مفتاح النجاح في تحرير الوطن وبناء ديمقراطيته،، ولكن من شروط هذا النجاح التعامل الذكي مع الخارج، التعامل الذي يستهدي ببوصلة المصلحة الوطنية العليا ويعرف ما يجب قوله وفعله في ظرف الزمان والمكان والحال المعين،
المتورطون في الدفاع المبطن عن روسيا عبر الاستخفاف بالسي ان ان، والانحراف بأجندة النقاش الداخلي عن الحقائق التي كشفها التحقيق والمؤشر السياسي المهم في الموضوع برمته وهو ربط السلطة الانقلابية بالأجندة الروسية مما يؤكد استمرار الضغوط الأمريكية ضد الانقلاب، هؤلاء المتورطون إما من مؤيدي الانقلاب أو المتواطئين معه وليس على هؤلاء حرج!
وإما أن يكونوا من دعاة الإصلاح الكوني الذين يريدون إقحام هذه الأجندة النبيلة بلا شك، في أجندة الحراك السياسي اليومي لدولة هشة مهدّدة في وجودها ويصارع شعبها من أجل الحصول على أبسط ضروريات البقاء على قيد الحياة، هؤلاء الدعاة المخلصون الطيبون لن يفيدوا هدف إصلاح الكون في شيء، لأنهم ببساطة لا يستطيعون إلى ذلك سبيلا، ولكنهم سيخربون بل ينسفون هدف إصلاح أوطانهم، بل إنهم سيخدمون دون قصد أجندة الطواغيت الصغار في أوطانهم ويسدلون على هؤلاء الطواغيت السفاحين الفاسدين أثواب البراءة الناصعة البياض، التي تصد عن محاربتهم! فهؤلاء يقولون بلسان حالهم: معركتنا ليست مع من يسرقون مواردنا ويهربونها ولا مع الدولة المتورطة بشكل مباشر في تمكين الانقلاب العسكري في بلادنا، بل معركتنا الرئيسية هي كشف الثغرات المهنية في تحقيق السي ان ان ومن ثم كشف الثغرات في السياسة الأمريكية منذ إبحار كريستوفر كلومبوس عبر الأطلنطي حتى هذه اللحظة! وإثارة الغبار الكثيف حول حقيقة أن الضغط الدولي الوحيد المساند للشعب السوداني ضد الانقلاب صادر عن أمريكا والدول الغربية، وأن الدعم السافر والوقح للانقلاب الحالي صادر عن روسيا وعن دول في محيطنا الإقليمي لولا الضغط الأمريكي والغربي كانت شكّلت بنفسها حكومة اراجوزات مدنيين وسلمتها جاهزة للانقلابيين.
كل هذا لا يعني الاتكاء الكسول على أمريكا والغرب، ولا يعني السذاجة أو الرومانسية السياسية التي تفترض أن ما يحرك السياسة الأمريكية والغربية هو ثوابت أخلاقية منزوعة المصالح ومعزولة عن معطيات الواقع وحساباته المتغيرة بطبيعتها، بل المطلوب هو التعاطي العقلاني مع المحيط الدولي والإقليمي انطلاقاً من منظور المصلحة المباشرة للشعب السوداني، وفي هذه اللحظة التاريخية أكبر مصلحة للشعب السوداني هي هزيمة الانقلاب العسكري وفتح طريق التحول الديمقراطي، ولذلك تصنيف الحلفاء والأعداء يجب أن يكون على أساس المواقف العملية الملموسة لأي دولة من الانقلاب، فلا يستقيم عقلا في هذا الظرف الدفاع الصريح أو المبطن عن روسيا! وتوجيه خطاب عدائي لأمريكا والدول الاوروبية الغربية! هذا يستعصي تفسيره إلّا بمنطق الايدولوجيات العروبية أو الماركسية أو الإسلاموية التي تقوم عقيدتها على الكفر المطلق بأمريكا والغرب أياً كانت الظروف والملابسات!.
أتمنى أن نتجاوز كسودانيين الدروشة الايدولوجية في موضوع علاقاتنا الخارجية، بنفس القدر علينا أن نتجاوز الرهان على الداعمين الأجانب بشكل مطلق، وأن ندرك أن ما نفعله نحن في سياستنا الداخلية وفي اصطفافنا السياسي العقلاني والمؤهل لحماية بلادنا والنهوض بها هو مربط الفرس، وهو العامل الحاسم في استفادتنا من دعم الحلفاء الذي يمكن ببساطة أن نفقده في رمال السياسة المتحركة.

تاريخ الخبر: 2022-08-04 18:22:51
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:52
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية