محمد الباز يكتب: ترويض الأزمة.. قراءة خاصة فى قرارات الرئيس

حارب الإرهاب واقتحم كل الملفات التى كانت معطلة فى الوقت ذاته فتوازت معركة البقاء مع معركة البناء

الدولة تغيرت والرئيس يتطلع إلى المستقبل رغم أن هناك من يحاول جرنا إلى الوراء

الوزراء حين يناقشون أى ملف أو قضية يجدون الرئيس يقف على التفاصيل بشكل كامل وهو يقرأ ويبحث ولا يستمع فقط

قدر الرئيس السيسى أنه جاء بعد ثورتين وهو ما جعل الطموحات تفوق الإمكانات والمتاح

شعاره منذ توليه المسئولية «كل ما أملكه هو العمل.. وكل ما أريده هو العمل»

فى معاجم اللغة الفقه هو العلم بالشىء والفهم له والفطنة فيه وإدراك دقائق أموره، وفى الواقع الفقه هو القدرة على حل المشكلات التى تعترض طريقك، ليس بالقواعد التى تختزنها الكتب وإنما بما يناسبها ويتناسب معها ويضعها فى سياقها. 

عندما نتأمل التجربة المصرية الحديثة، التى بدأت عندما استدعى المصريون وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسى ليقوم بمهمة الرئيس، سنجد أن ما يحدث فعليًا لا يفارق معنى الفقه، لا فى معاجم اللغة ولا فى الواقع. 

لن أشهد وحدى بما أعرفه. 

ولن أركن إلى شهادات عدد كبير من الوزراء، أجمعوا على أنهم لا يناقشون أى ملف أو قضية إلا وجدوا الرئيس يقف على تفاصيلها بشكل كامل، بل لا ينكر بعضهم أن هناك ملفات كانت موجودة فى وزاراتهم منذ سنوات، وكان للرئيس فضل فتحها من جديد واستدعاء المسئولين عنها للعمل فيها. 

فى أحد الاجتماعات التى حضرها الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والقائم بأعمال وزير الصحة، سأله الرئيس فجأة عن ملف الجامعات الأهلية، ولماذا تأخرنا فى إنشائها كل هذا الوقت؟ 

كان الدكتور خالد عبدالغفار يعمل على ملف الجامعات الأهلية بالفعل، وينتظر الفرصة ليعرضه على الرئيس، لكنه وجد أن الرئيس يسبقه ويطلب الملف، ويوجه بتوفير كل الإمكانات لتنفيذه دون إبطاء. 

سأترككم أمام الصورة التى تتكرر أمامنا فى كل لقاء عام يحضره الرئيس، ويتحدث فيه، يناقش ويسأل ويفسر ويستفسر ويضع الأرقام فى مكانها الصحيح ويستعين بالإحصائيات كلما تطلب الأمر بشكل دقيق، يستعيد صورة تعرض عليه ليعلق عليها، يتوقف عند رقم يشعر بأنه يحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء عليه. 

كل ذلك يشى بأن الرئيس لا يستمع فقط لما يقدمه المسئولون إليه من معلومات، بل يقرأ ويبحث ويتقصى ويستقصى ويتابع، حتى تصبح الصورة كاملة أمامه. 

ولا تزال كلمات الرئيس التى تؤكد فقهه وعلمه وإدراكه بما عليه الدولة المصرية حاضرة. 

فى يناير ٢٠١٨ قال الرئيس: أنا بقالى خمسين سنة بتعلم وبعلم نفسى يعنى إيه دولة. 

«عِلم الدولة» إذا جاز التعبير هو الذى جعل الرئيس عبدالفتاح السيسى يقف على دقائق الأمور وتفاصيلها، لا يكتفى أبدًا بالعموميات والكليات.. بل تجده يناقش ويقرر وينفذ منطلقًا من أرضية فهمه الدقيق للشخصية المصرية، التى لا يمكن أن تفرط فى أمن بلدها واستقراره، بل ويمكنها أن تتحمل الكثير من أجل أن يبقى الوطن قائمًا مرتفع الهامة، مصلوب القامة. 

قبل أيام من قرار تحرير سعر الصرف فى العام ٢٠١٦ كان الرئيس يُجرى حوارًا مع رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاث الأهرام والأخبار والجمهورية، وألمح أثناء الحديث أنه سيُقدِم على قرار اقتصادى مهم. 

يومها توقف الكاتب الصحفى الراحل ياسر رزق أمام ما ألمح إليه الرئيس. 

قال لى ياسر: بعد أن انتهى الحوار توجهت إلى الرئيس، قلت له: يا فندم أخشى أن يكون القرار الذى تلمح إليه هو تحرير سعر الصرف، وأنا أرى أن الوقت غير مناسب، لأن الناس فى مصر لن تتحمل تبعات هذا القرار. 

نظر الرئيس إلى ياسر، وقال له: أنت لا تعرف شيئًا عن الشعب المصرى... أنا عشت مع الناس وتعاملت معهم، وأثق فيهم أكثر من ثقتكم فيهم، وأعرف أنهم عند الضرورة سيقدمون كل ما يملكون لبلدهم.

يمكنك أن تعتبر فهم الرئيس السيسى لمشاكل وأزمات مصر، التى عرفها جيدًا وحلم بتغيير وجه الحياة فيها مبكرًا، فقهًا نظريًا من الذى تتحدث عنه المعاجم اللغوية، لكن التجربة أثبتت أنه وعندما تولى المسئولية أصبحنا أمام فقه واقع، يقتحم المشكلات كما هى، ويتعامل معها بما يناسبها. 

قدر الرئيس عبدالفتاح السيسى أن التحديات كانت- ولا تزال- كثيرة. 

وقدره أنه جاء والعالم يعيش أكثر فتراته حيرة وقلقًا وتوترًا. 

وقدره أنه جاء بعد ثورتين قام بهما المصريون، وهو ما جعل التطلعات تفوق الإمكانات... والطموحات تسبق المتاحات... والرغبة تتجاوز القدرة. 

لكنه ورغم كل ذلك قرر أن يتصدى ويتحدى... رافعًا شعارًا واحدًا ترجم به مهمته بدقة، وهى مهمة «المؤتمن» على مصير دولة كبيرة بحجم مصر، وشعب عظيم بمكان ومكانة الشعب المصرى، كان الشعار هو «كل ما أملكه هو العمل... وكل ما أريده هو العمل». 

كان القرار الأهم فى مسيرة الدولة المصرية الجديدة هو أن تتجاور معركة البناء مع معركة البقاء. 

كيان الدولة مهدد بقوى إرهاب تعرف ما تريده، وكان يمكن أن يعلن الرئيس أنه سيتفرغ لمعركته مع الإرهاب، وساعتها ما كان لأحد أن يعترض، وهل يمكن أن يسأل أحد عن لقمة عيش وحياته نفسها مهددة؟، لكن الرئيس لم يركن إلى ذلك... مضى فى محاربته للإرهاب، وقرر أن يبدأ فى اقتحام كل الملفات التى كانت معطلة... والتفاعل مع المشكلات المزمنة... فقد كانت الدولة فعليًا تحتاج إلى البناء من جديد. 

كان يمكن أن تمضى بنا وبه المسيرة إلى ما خطط له بدقة، لولا أن اعترضت الطريق عقبات وعثرات جعلته يضع ما تم إنجازه فى خدمة ما يجب أن يتم إنقاذه. 

لحقت أزمة الحرب الروسية الأوكرانية بأزمة جائحة كورونا... فتضاعفت التبعات، وابتلعت الآثار- التى لم تكن فى حساب أحد- الكثير مما كان يمكننا البناء به وعليه. 

ما لا يدركه كثيرون أن الإجراءات التى اتخذتها الدولة المصرية من اليوم الأول للرئيس عبدالفتاح السيسى فى السلطة هى إجراءات «حماية»، والتعبير يتسق مع المهمة الأساسية التى جاء من أجلها الرئيس وهى «الحماية» بمعناها الشامل. 

الحماية الأولى كانت من الإرهاب وتبعاته على الأمن القومى المصرى... وقام الجيش المصرى، تعاونه الشرطة المصرية، بحصار الإرهابيين وذيولهم. 

والحماية الثانية كانت من انهيار الدولة اقتصاديًا، وكان برنامج الإصلاح الاقتصادى رغم قسوته حلًا حاسمًا فى وقته. 

والحماية الثالثة كانت عندما أطلت علينا جائحة كورونا، وأعتقد أن التجربة المصرية تستحق أن تدون، لأننا ونحن فى أزمات متلاحقة استطعنا أن نواجه ونصمد. 

والحماية الرابعة كانت عندما وجدنا أنفسنا ونحن نحاول التعافى من آثار كورونا تحاصرنا تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، فتجعلنا أمام تحديات تتجدد كل يوم. 

يدرك الرئيس أن الجميع يدخلون فى دائرة التأثر بتبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة، لم ينج أحد، الشكوى أصبحت اللغة التى تسمعها ممن يملكون وممن لا يملكون، لكن الدولة تعرف ما الذى يجب أن تفعله جيدًا. 

توقفت مرتين عند قرارات الرئيس فيما يخص الأزمة الاقتصادية التى تعمل عليها الدولة من بدايتها. 

المرة الأولى عندما دفع بحزمة قرارات فى ٢٦ يوليو ٢٠٢٢. 

تذكرون هذه القرارات جيدًا: 

أولًا: زيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامجى «تكافل وكرامة» بضم مليون أسرة إضافية للبرنامج، ليصبح حجم المستفيدين من المواطنين أكثر من ٢٠ مليون مواطن على مستوى الجمهورية.

ثانيًا: صرف مساعدات استثنائية لعدد ٩ ملايين أسرة لمدة ٦ أشهر مقبلة، بتكلفة إجمالية نحو مليار جنيه شهريًا للأسر الأكثر احتياجًا، ومن أصحاب المعاشات الذين يحصلون على معاش شهرى أقل من ٢٥٠٠ جنيه، وأيضًا من العاملين بالجهاز الإدارى للدولة الذين يحصلون على راتب أقل من ٢٧٠٠ جنيه شهريًا.

ثالثًا: تعزيز الأمن الغذائى للأسر الفقيرة والأمهات والأطفال، من خلال التوسع فى طرح كراتين السلع الغذائية المدعمة بنصف التكلفة، وبواقع عدد ٢ مليون كرتونة شهريًا، بحيث يتم توزيعها من خلال منافذ القوات المسلحة.

رابعًا: قيام وزارة الأوقاف بالشراكة مع وزارة التضامن الاجتماعى بتوزيع لحوم الأضاحى على مدار العام.

خامسًا: قيام وزارة المالية بتوفير الموارد المالية اللازمة فى هذا الصدد، والبالغ إجماليها نحو ١١ مليار جنيه.

المرة الثانية كانت أمس الأول، ٤ أغسطس ٢٠٢٢، وكانت قرارات الرئيس على النحو التالى: 

أولًا: دعم مصاريف الدراسة الخاصة بالطلاب المتقدمين للالتحاق بالجامعات الأهلية الحكومية بتحمل الدولة نسبة من تلك المصاريف، مع الاستمرار فى تقديم المنح المجانية للمتفوقين. 

ثانيًا: دعم إضافى لمبادرة إنهاء قوائم انتظار حالات الجراحات الحرجة بمقدار ٦٠٠ مليون جنيه. 

ثالثًا: بلورة حزم تحفيزية للأطباء وتطوير منظومة مالية من شأنها الارتقاء بدخل الطبيب وتحسين بيئة العمل الخاصة بهم، لاسيما فى التخصصات الطبية النادرة. 

رابعًا: منح امتيازات خاصة للأطباء العاملين فى المحافظات النائية، وكذلك تعديل منظومة تكليف الأطباء بالكامل. 

خامسًا: ضمان استدامة التدفقات المالية الخاصة بمنظومة التأمين الصحى الشامل كعامل أساسى لنجاحها، بالإضافة إلى كفاءة مقدمى الخدمة الصحية. 

سادسًا: زيادة عدد الباحثين العلميين المؤهلين، لتعزيز الكوادر العاملة فى المراكز والمعاهد التعليمية التابعة لوزارة التعليم العالى، مع انتقائهم بشكل مهنى على أعلى مستوى لتعظيم القدرة البحثية فى الدولة. 

قد ترى فى هذه القرارات محاولة لترويض الأزمة التى تعتصر الجميع، ولا تواجهها مصر فقط، بل يواجهها العالم كله، وهى رؤية صحيحة على أى حال، فلا يمكن أن يتم ترك الأزمة دون ترويض ومحاولة للسيطرة عليها. 

لكن الفارق الذى لا بد أن نضع أيدينا عليه، هو أن هذه القرارات لا تقدم حلًا مؤقتًا لأزمة هى فى النهاية طارئة مهما استمرت وامتدت وتمددت، فلا بد أن يأتى يوم وتنتهى، وتصبح فى حياتنا ذكرى، صحيح أنها ستكون ذكرى مؤلمة، لكنها فى النهاية ستظل ذكرى. 

نحن أمام فكرة مختلفة تمامًا، يتم من خلالها التعامل مع الأزمة، فالحلول تضع فى حسابها المستقبل، وأعتقد أن الاهتمام بوضعية الأطباء والعاملين فى المجال الصحى والباحثين يشير إلى أن الحل والعقد عند الإنسان، الذى أعلنت الدولة أنها تستهدف بناءه فى الأساس، فدون المواطن القادر على العمل صحيًا وبدنيًا فلا يمكن أن يتحقق أى شىء. 

كان يمكن أن يتوقف الأمر على تقديم دعم مادى سرعان ما يتبدد ويتبخر ويتلاشى تمامًا، لكن الرئيس يفكر للمستقبل، وهو ما يظهر لنا مرة ثالثة فى قراره بزيادة الدعم المخصص للتحالف الوطنى للعمل الأهلى مليار جنيه إضافية، بحيث يصبح الدعم الذى حصل عليه التحالف من الدولة منذ ظهوره فى مارس ٢٠٢٢ هو ١٠ مليارات جنيه. 

توقف الرئيس عند عمل التحالف ووضع أمامه فكرة محددة، وهى تطوير عمل الجهود الخيرية والتنموية لتتخطى نطاق المساعدات العينية المباشرة إلى النشاط التشغيلى، وليكون جزءًا أساسيًا من جهود التحالف، وذلك بهدف توفير فرص العمل وزيادة الإنتاج وتحقيق مردود اقتصادى ملموس للمواطنين فى نطاق نشاط عمل المؤسسات الخيرية. 

ليس المهم فى فقه الدولة الآن أن تدعم مواطنيها وتساعدهم وتعينهم على الحياة فقط. 

بل أصبح من أولوياتها أن تضعهم على الطريق الصحيح، تمنحهم القدرة على اكتشاف أنفسهم من جديد، تدلهم على فرص العمل التى تغير وجه حياتهم. 

فالحكمة أن نعرف كيف نتعامل مع الحياة ونتجاوز تحدياتها التى تفرضها علينا... لا أن نستسلم وننتظر من يسعفنا. 

لكل أزمة وجوه قبيحة كثيرة.

لكن الوجه الحسن الذى اكتشفته فى الأزمة الطاحنة التى نمر بها هى أن الدولة تغيرت. 

وأن رئيس الدولة يتطلع إلى المستقبل رغم أن هناك من يحاول جرنا إلى الوراء. 

وأن الشعب يعرف جيدًا أهمية أن يحافظ على بلد يتربص به كثيرون. 

وأعتقد أن هذا يكفينا جدًا، لأنه يمنحنا الثقة فى أننا يمكن أن نتجاوز ما لا يمكن لغيرنا أن يتجاوزه.

تاريخ الخبر: 2022-08-05 21:21:06
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

اعتقال العشرات في معهد "شيكاغو" للفنون مع استمرار المظاهرات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:22:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

الاحتلال يستهدف منازل في رفح الفلسطينية.. وتحليق للطيران فو

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:22:25
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

قوات الاحتلال تهدم منزلًا في دير الغصون بالضفة الغربية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:22:21
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

أمطار رعدية على هذه المناطق.. اليوم - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:23:47
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

كراهية وخطاب – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 09:23:04
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية