فقت عليهن جميعا
فقت عليهن جميعا
فى زمن العهد القديم لم تكن فكرة الخدمة الروحية كتلك التى نحياها اليوم فقد كان كل شيء منظماً و قاصراً على سبط بعينه، فقد كان سبط لاوى هو المسؤول عن الخدمة الروحية فى الهيكل سواء لتقديم الذبائح أو فرق التسبيح. بالإضافة إلى من يختاره الرب للنبوة أو للقضاء أو للملك، خدمات كثيرة يوزعها الله بنفسه. و لكن لأجيال كثيرة ظلت هناك خدمة شاغرة على مر العصور، خدمة فريدة لا يمكن أن تكون إلا من إنسانة واحدة، انها الخدمة التى قامت من أجلها كل خدمات و طقوس و نبوات العهد القديم “تجسد الكلمة” أى ظهور الله لنا فى جسم بشريتنا متأنساً بيننا “الله بعد ما كلم الأباء بالأنبياء قديماً كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى إبنه”(عب١:١). لقد كان بطن العذراء القديسة الطاهرة مريم هو الطريق الممهد و المختار للأسد الخارج من سبط يهوذا.
كل ما قدم فى العهد القديم من خدمات، من اعمال كهنوت و تسبيح و نبوات و قيادات من القضاة أو الملوك لم تكن إلا تمهيداً لأعظم و أجَّل خدمة عرفتها البشرية و التى اختصت بها دون سائر العالم كله أم المخلص والدة الإله مريم. و لنا أن نتذكر أنه عند اتمام هذه الخدمة الجليلة كانت العذراء وقتئذ فتاة مغمورة لا يدريها و لا يعرف عنها أحد شيئاً، يتيمة الأبوين ضمها شيخ مسن يوسف البار كخطيبة يرعاها بعد أن تجاوز عمرها الحد المسموح به للبقاء فى الهيكل. حقاً هذه التى نرنم لها فى ثيؤطوكية الأربعاء: الآب اطلع من السماء فلم يجد من يشبهك أرسل وحيده أتى و تجسد منك.
لو طُلِب من ملك أن يكرم واحدة فقط من كل ألوف رعاياه نكون قد صعَّبْنا عليه السؤال جداً. أما هذه فقد وقع عليها الاختيار الإلهى لا بين كل ألوف نساء إسرائيل بل بين كل ألوف ألوف و ربوات ربوات على مدى تاريخ اسرائيل و هذا ما أقره الحكيم فى نبؤته “بنات كثيرات عملن فضلاً أما انت ففقت عليهن جميعا” (ام٢٩:٣١).
