مداهمة ترمب.. هل يليق الحدث بأميركا؟


منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه ترشحه لخوض معركة الرئاسة الأميركية، وحتى كتابة هذه السطور، أضحى دونالد ترمب، مثار جدل بالنسبة لعموم الأميركيين، وهذا ما تقطع به الأيام الأخيرة، وبخاصة بعد حديث مداهمة قصره الفخم في ولاية فلوريدا.

على أن الصدق يقتضي منا القول، أن ترمب ليس أول رئيس يصطحب معه إلى منزله، وبعيدا عن أرشيف الدولة الآلاف من الوثائق المهمة، فهناك حديث عن قيام سلفه باراك أوباما بالأمر نفسه، وبعدة ملايين من الوثائق.

هل في الأمر محاولة ما لقطع الطريق على ترمب للعودة مرة أخرى إلى البيت الأبيض في 2024؟

تبدو كافة السيناريوهات مفتوحة، والإحتمالات واردة، لا سيما أن المداهمة جاءت بعد أيام قليلة من تلميحاته التي يفهم منها نيته خوض غمار إنتخابات الرئاسة القادمة.

ولعله مرة أخرى ليس سرا أن هناك دولة عميقة ما في الداخل الأميركي، تبغي إنزواء ترمب، ورحيله بعيدا إلى وادي النسيان، فقد جاء الرجل من خارج المؤسسة السياسية الحزبية الأميركية، إذ لم يكن يوما ما عضوا فاعلا في الحزب الجمهوري، ولم يشغل منصبا، حتى كعمدة لأصغر بلدية أميركية، ومع ذلك أستطاع إختراق الجميع والصعود إلى أعلى عليين، هناك حيث البيت الأبيض.

عدة أسئلة تبقى مطروحة في ظل حديث المداهمة، وعما قريب ستتضح للجميع الإجابات الشافية الوافية عنها، وفي المقدمة منها :" هل تجئ هذه المداهمة لتثير الكثير من الغبار على التناغم المجتمعي الأميركي، وبصورة سلبية بأكثر مما هو حادث الآن؟

غالب الظن أن ذلك كذلك، وليس أدل على صحة الأمر من تجمع المئات من أنصار ترمب أمام قصره، مع رفع لافتات تؤشر إلى عمق الخلاف الذي يكاد يشق صفوف الأميركيين، وبعضهم البعض.

وإلى أبعد من ذلك، جاءت الغارة بهدف الكشف عن وثائق مهمة، لا يزال الحديث من حولها غامضا، لتؤجج صراعا أهليا داخليا بين ملايين الجمهوريين، والذين لا يزالون يعتقدون في أن ترمب ضحية لعملية تزوير جرت في إنتخابات العام 2020، وأن بايدن هو السارق ولا يستحق هذه الفرصة، وبين صفوف الديمقراطيين.

هذا اليقين المجتمعي لدى أكثر من سبعين مليون أميركي، يدفع ناحية صراع عميق، يخاف العقلاء في الداخل الأميركي من أكلافه.

ومن جهة ثانية بدت المداهمة وكأنها تعرض الأمن الداخلي الأميركي لمخاطر جمة، على صعيد التيارات اليمينية الغاضبة من ناحية، والرموز السياسية الجمهورية الثائرة في مواجهة مكتب التحقيقات الإتحادي من جانب أخر.

في أعقاب المداهمة، وصف سياسيون محافظون المكتب نفسه بأنه، فاسد ومسيس، وتبع ذلك تهديدات عنيفة ضد رجالاته، وكذا ضد وزارة العدل، على وسائل التواصل الإجتماعي، وفي مجموعات دردشة للمحافظين...ماذا يعني ذلك؟

بإختصار غير مخل، تحول المشهد إلى صراع يتجاوز ترمب كفرد، إلى سجال غاضب بين جماعات من الشعب الأميركي، وبين مؤسسات الدولة، الأمر الخطير الذي كان قد ألمح إليه المؤرخ الأميركي الشهير، هوارد زين، في رؤيته للتاريخ الشعبي الأميركي، وذلك عندما نبه إلى المخاطر التي تخيم على سماوات البلاد من جراء الصراع الذي يمكن أن ينفلش ذات مرة بين حراس النظام الأميركي وسجناءه، بين أقل من عشرة بالمائة يتحكمون بمسارات التاريخ والحياة الأميركية، وبين تسعين في المائة لا يمتلكون سوى قوت يومهم.

مهما يكن من أمر، ستظل تبعات المداهم قائمة، وتفتح الباب على سؤال مهم وحيوي، بل ومصيري :" هل ستمثل نهاية آمال وأحلام الرئيس ترمب في الوصول إلى سدة الرئاسة مرة أخرى، أم أنها قبلة الحياة التي ستدفعه للعودة ثانية، بمعنى هل جاءت المداهم كنعمة أم كنقمة لترمب؟
يمضي الجواب في إتجاهين، الأول قانوني نخبوي، والثاني أهلي شعبوي.

من الناحية الأولى تبدو حلقة المداهمة ضمن مسلسل مطاردة ترمب جنائيا، من جراء عدة قضايا وليس قضية واحدة، وإن كان أكثرها خطورة، دوره في أحداث السادس من يناير عام 2020، ومحاولة تغيير نتيجة الإنتخابات بالقوة، عبر إقتحام الكونغرس.

في هذا السياق إذا تم إتهام ترمب وأدين بإخفاء أو إتلاف السجلات الحكومية بموجب هذا القانون، فيبدو أنه سيتم منعه من الترشح في الإنتخابات الرئاسية القادمة.

غير أن إثبات إدانة ترمب، أمر يتطلب إقناع القاضي بأدلة لا يرقى إليها الشك، أدلة تثبت وجود نية لدى ترمب لإرتكاب جريمة فيدرالية، يمكن من خلالها إدانته بشكل رسمي.

لكن على الجانب الأهلي والشعبوي، فإن المضي قدما في إتهام ترمب، سوف يغير الكثير من مواقف الجمهوريين المترديين في دعمه، ذلك أنهم سينظروا إلى الأمر بوصفه إقتصاص من الرئيس السابق، وقطع الطريق عليه لولاية رئاسية قادمة، الأمر الذي سيفيد ترمب في كل الأحوال.
هل أخطا الديمقراطيون في سعيهم للتضيق على ترمب، وتفتيش قصره في بادرة هي الأولى من نوعها تجاه أي رئيس أميركي سابق؟

قد يكون الأمر كذلك بالفعل، إذ بات ترمب في أعين النخبة السياسية والأكثرية الشعبوية من الجمهورين، والذين كانوا يتفادونه، بل ويتجنبونه، ضحية محاولة بشعة من إدارة ديمقراطية تهدف إلى تسييس منظومة العدالة.

وفي كل الأحوال، لا يبدو ترمب الخاسر الأكبر، بل الحياة السياسية الأميركية بشكل عام، وهذا ما عبر عنه، رون دي سانتيس، أقرب منافسي ترمب للترشح عن الحزب الجمهوري عام 2024 بقوله :" المداهمة غير المسبوقة ضد الرئيس السابق تفوح منها رائحة " الجمهوريات المتخلفة "، وتعد تصعيدا أخر في سياق تسليح الوكالات الفيدرالية ضد معارضي النظام السياسي، فما وصف جمهوريون أخرون المداهمة ب" تصرفات دول العالم الثالث "، والأجراء الذي لا يليق بأميركا.

إلى أين ستمضي القصة؟

تبدو الأحداث مرشحة للتصاعد، والضبابية سيدة الموقف الأميركي الداخلي إلى حين إشعار أخر.

تاريخ الخبر: 2022-08-17 06:17:24
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:27
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:26
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:22
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

استمرار "الحرمان" من وصل الإيداع يشعل غضب حماة المال العام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:06
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية