القديسة العذراء مريم…صاحبة أعجب قصة في تاريخ البشرية


أمنا القديسة العذراء مريم قصتها عجيبة: بل أعجب قصة في تاريخ البشرية، قصة تجسد الرب الإله منها فـ «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ.» (1تي3: 16). قصة التقينا فيها بثلاثة: الرب يسوع المسيح «القدوس»، وجبرائيل «الملاَك المُقَدَّسٍ.» (أع 10: 22). والعذراء القِدِّيسة فبجهادها في الفضيلة، أخذت نعمة وصارت أم جميـع القديسـين، فاختارها الله لتكون أُمًّا له.
وجِبْرَائِيلُ أي جبروت الله وقوته، الملاك «الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ»، الذي بشر العذراء: «الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.»(لوقا1: 35) بِشَارة تناسب لقبِه كالملاك المُبَشِّر بِقوه الله: عاقرٌ تلد، وعذراءٌ تحبل وتلد، إنسانة تلد إلهًا.

ذهب جِبْرَائِيلُ لا إلى أحد ملوك وأمراء هذا الزمان؟ ولا أحد الفلاسفة والعلماء؟ أو أثرياء هذا الدهر؟، بل إلى فتاةٍ بسيطة، عذراءٌ قديسةٌ، نالت أعظمَ شرفٍ فصارت والدةَ الإله، وفيها رأينا العظمةَ الحقيقية النابعة من داخلها، لا مِن المال والجمال، ولا من سمو العقل وعُلوِ النفس، إنما من قداسة الروح والفكر، مع طهارة الجسد والضمير، حتى قال الكتاب «كُلُّ مجد ابنة الملك من داخل.» (مز45: 13).

هذه العذراء المملوءة حِكْمة: التي نَذَرَت دوام بتوليتها، بَشِّرها جبرائيل الملاك بأنها ستحبل وتلد. كما بَشِّر زكريا الكاهن بالميلاد المعجزي ليوحنا المعمدان، وانْبَهر كُلٌ منهما؛ فَالخَبَرَان أعجب من الخيال، وكانت إجابةُ العذراء أكثرَ حِكمة من إجابة الكاهن الوقور. إذ قَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلاَكِ كَيْفَ أَعْلَمُ هذَا؟ أما العذراء فقَالَتْ كَيْفَ يَكُونُ هذَا؟ والمُتَأمِّل المُدَقق يرى فَرْقًا كبيرًا: والمُتَوَقَّعً أنْ تَكُونَ كَلِماتُ الكاهن أكثر حكمة وخِبرة، أَمَّا كلمات فتـاة الناصرة فتكونُ ساذِجًة مِثْلَها، ولَكِنِ العجيب أنَّ تَجَلَّتِ العذراء بِحِكْمَةٍ أكثر من الشيوخ، لتنطبق عليها مَقُولةَ جَدِّهَا داود: «أكثر من الشيوخ فطنت لأني حفظت وصاياك.» (مز119: 100). لم يكن لزكريا الكاهن الذي قرأ قصة جَدِّه الأكبر إبراهيم مع سارة الذين أنجبا بعد العُقم والشيخوخة عُذْرًا، فالقصة تتكرر معه، أَمَّا وِلادَةُ الرب القدوس فأعجبُ. فلم يُسمَعْ منذ البدء أن عذراءً حبلت وولدت.

والفارق بين إجابتي العذراء والكاهن تظهر بسيطٌة، ولكن فرق كبيرٌ بين قَلْب العذراء الخاضع المُسْتَفْسِر، وقَلْبِ الكاهن الشَّاكِّ غَير الواثِق، فزكريا الكاهن يقول: «كَيْفَ أَعْلـَـمُ هذَا؟.» كيف أعلم أن كلامك صحيح؟! ولذلك سَمِعَ الصَوْتَ المَهِيب :«هَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا وَلاَ تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ إلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ هَذَا لأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلاَمِي الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ.» (لوقا1: 19،20).

أما قول العذراء «كَيْفَ يَكُونُ هذَا؟.» فقد صَدِّقت كلمات الملاك، خاضَعة، لكنها تسأل عن الطريقة، فهل ستحتفظ ببتوليتها أَمْ قد جاء لِيَأْمُرَها بشيء آخَر؟ لذلك وضِّح الملاك لها الطريقة، وكشِف عَمَلَ الله: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.» (لوقا1: 35) واستمر الملاك يتكلم بخُشوع مع سيدة الأرضيين والسمائيين يَحْكِي لها مُهِمَّتَهُ التي أعطاها له الله، وقصة أليصابات العاقر الحُبْلَى، مُقَدِّمًـا تقريرًا عن إرساليتِه الإلهية، وكأنه يُكَرِّرُ قول الله: «هَلْ أُخْفِي عَنْ إبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ.» (تك18: 17).

والعذراء أيضًا ْمُمْتَلِئَة نعمة: «قَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُمْتَلِئَة ُنِعْمَةً»(لوقا1: 28)، وهي الترجمة الأكثر دقة للأصل اليوناني “χαῖρε, κεχαριτωμένη”. وليس المُنْعَم عليها إظهارًا لروحانيتها فبجهادٍ طويل امتلأت نعمة، وفاقت البشرية كلها. ولُقبت المُبَارَكَةٌ فِي النِّسَاءِ(لوقا1: 28)، وهي الكلمات التي قالها بروح النُّبُوَّة سليمان الحكيم: «بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلًا أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا.» (أمثال31: 29).

«امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ» (رُؤْيَا 12: 1)
عجيبة وعظيمة أمنا العذراء، فأن تلد وهى عذراء آية عظيمة لم ولن تحدث مرة أخرى، وأن تلد وتبقى عذراء دائمة البتولية آيةُ أعظم قال عنها حزقيال النبي «هذا الباب يكون مغلقاً لا يُفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً» (حزقيال 44: 2)، فمِن هذا الباب دخل رب المجد إلى عالمنا وظل مغلقاً إلى الأبد، ثم أن العذراء الإنسانة تلد الله المتأنس خالقها آية أعظم وأعظم، فقد قال لها جبرائيل رئيس الملائكة «القدوس المولود منك يدعى ابن الله » ( لو 1: 35 ) حقاً صدقت اليصابات القديسة البارة حينما امتلأت من الروح القدس وسبحت قائلة: «فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ» (لوقا43:1)، هل يوجد في الكون كله معجزه مثل هذه، إنها معجزة المعجزات فليس هناك أية أعظم من أن تصير العذراء أماً لله دائمة البتولية.

ثُم عجيب أنها «آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ» فقد وَلدت العذراء الإله المتأنس على الأرض لا في السماء فلماذا قيل «آيَةٌ .. فِي السَّمَاءِ»؟!، لأنها السماء الثانية والعرش الإلهي، اتخذها الله مسكنًا له وسكن في أحشائها فصارت سماءً ثانية، والعذراء حملت شمس البر في أحشائها، إنها صارت كذلك بجهادها وطهارتها وقداستها فاختارها الله وملأها نعمة وصارت أُمًا له، و كانت الكنيسة تحت قيادة روح الله حينما رسمت أيقونة العذراء والدة الإله في طقسها القبطي حاملة المسيح ترتدى ثيابًا أزرقًا سماويًا مزخرفًا بالنجوم الذهبية لُتذكرنا أنها السماء الثانية عرش الله.
إنها آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاء لأنها ارتفعت فوق الشاروبيم وصارت سماوية في حياتها وصفاتها وطباعها، وصارت آيَةٌ فِي السَّمَاء بظهورها المتكرر في السماء.

والعذراء «امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ»: ليس بمعنى أنها متزوجة، فكلمة امرأة تشير إلى طريقة الخلقة كما قال آدم: «هذه ُتدعى امرأة لأنها من إمرءٍ أُخذت» (تكوين23:2) وبهذا المعنى قال الرب يسوع في حبٍ وتوقير: «مالي ولكِ يا امرأة » (يوحنا 4:2). وهكذا النبوة: «نسل المرأة يسحق رأس الحية». والعذراء متسربله بالشمس: لأنها حملت شمس البر والشفاء في أجنحتها (ملاخي2:4). دون أن تحده، كانت كالمصباح الذى يحمل النور داخله دون أن يحده فإشعاعات النور تملآ الحجرة كلها، كان في أحشائها وإشعاعات اللاهوت اللانهائية تملآ الكون كله بلا حدود.

«والقمر تحت رجليها» (رُؤْيَا 1:12): حملت العذراء أم النور كل مصادر النور، فالله في سفر التكوين عمل النورين العظيمين الأكبر لحكم النهار والأصغر لحكم الليل (تك16:1) الشمس والقمر، و العذراء تَسَرْبِلَت بِالشَّمْسِ أي بالمسيح النور الأعظم والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثنى عشر كوكبًا لذلك فقد أنارت العذراء الكون كله حينما حملت السيد المسيح وانتهت مملكة الظلمة وبدأت مملكة النور، وبها جاء النور الحقيقي إلى العالم « ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت » (لو79:1). و«وعلى رأسها أكليل من أثنى عشر كوكباً» (رُؤْيَا 1:12) فهذا هو مجد العروس الفرَّحِة بعريسها السماوي رب المجد وهذه هي فضائلها الاثني عشر. فالعذراء تكللت بمجد والدة الإله ومجد البتولية ومجد الشفاعة الأولى ومجد الفضائل الفائقة الكاملة.
«وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِد» (رؤيا1:12): فقد رأى مار يوحنا العذراء الحُبلى بالتدبير الإلهي: «فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضعٌ في المنزل» (لوقا7:2)، وما أصعب هذه الكلمات، تخيل أُمنا العذراء حُبْلَى مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِد، تبحث عن مكانِ ولا تجد، فقد أغلقت بيت لحم القرية المسكينة أبوابها في وجه العذراء المتسربلة بالشمس، أُم النور حاملة النور، وظلت «تًصُرخ» حتى انفتح أمامها مذودًا للخراف فدخلت وولدت ابنا زكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد (رؤيا5:12). هل رأينا مثل هذا الموقف؟! نعم دخلت العذراء طريق الألم منذ البشارة «فيوسف رجُلها.. أراد تخليتها سراً» (متى19:1) وبيت لحم أغُلقت أبوابها ثُم هيرودس مزمع أن يطلب الصبى ليهلكه (متى13:2) حتى قيل أنه «رجُل أوجاع ومختبر الحزن» (أشعياء3:53) واستمر متجهاً نحو الصليب الذى تنبأ عنه القديس سمعان الكاهن والشيخ قائلاً للعذراء «وأنتِ أيضاَ يجوز في نفسكِ سيف» (لوقا35:2).

وفي عُـرْسُ قَــانَـــا الْجَلِيلِ، المُعْجِزَة الأولى للسيد المسيح، وَكَانَتْ أُمُّنا العذراء هُنـــَاكَ(يوحنا2: 1). رقيقةٌ ولَمَّاحَةٌ. فأحَسَّتْ بِمُشكِلة أن فَرَغَتِ الْخَمْر، وقبل أن يطلبوا. تَدَخَّلَتْ كَشَفِيعَةٍ بين الناس والرب.
فَهِمَت دَوْرَها من اللحظات الأولى، وبدأت عمَلَها تطلب احتياجاتنا من الرب، وكانت شفاعتها مقبولة.
«قَالَتْ: لَهُ لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ»،: تَظهَرُ أُمُّنَا العذراء دَائِمًا، حكيمةً في قِلَّةِ كَلِماتِها ودِقَّةِ مَعانِيهَا. لم تَطلُبْ منه عملًا مُعيَّنًا. قَدِّمَتِ المُشكلِة كما هي، وباختصارٍ شديد: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». وتَركَتْ لِه أن يتدخل أو لا. أن يَحِلَّ المُشكلة بالطريقة التي يختارها. كثيرين مِنَّا نُصَلِّي من أجل مُشكلة، ونرسِم حَلًّا مُعيَّنًا، ونَطلُبُ من الرب أن ينفذه، أما العذراء، فَتُعَلِّمُنا بِحِكْمَتِها، كيف تَكُونُ الصلاة؟.

وأذ قال الرب: «لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ.» لَمْ تَأْتِ سَاعَة المُعْجِزَات بَعْدُ، إلا أن الرب أكرمَ العذراء، واستجاب لها، وعمَل المُعْجِزَة. ولذلك: «قَالَتْ لِلْخُدَّامِ: مَهْمـَا قـَالَ لَكُـمْ فَافْعَلُـوهُ.» (يو2: 5)، فهي معلمة الطاعة. بركة أمنا القديسة العذراء مريم، تكون معنا جميعًا آمين.

تاريخ الخبر: 2022-08-23 09:21:44
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:26:00
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:54
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

بطولة ألمانيا.. بايرن يؤكد غياب غيريرو عن موقعة ريال للاصابة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:55
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

السجن 7 أشهر لخليجي في قضية مقتل شابة في "قصارة" بمراكش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-05 15:25:47
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية