خلافة كينياتا.. قصة الانتخابات الكينية

شهدت واحدة من أهم الدول في شرق إفريقيا استحقاقًا انتخابيًا مثيرًا للجدل، كعادة المواسم الانتخابية التي تشهدها أغلب الدول الإفريقية. ورغم أهمية متابعة العملية الانتخابية في أي نظام سياسي – رغم كونها مسألة شديدة الخصوصية، إلا أن السياق الانتخابي وما يعجّ به من قضايا تنافسية انتخابية، وما يسفر عنه من نتائج، يعد أمرًا جوهريًا في استشراف السياسة الخارجية ومنهجية الرئيس الجديد في التعاطي مع القضايا الحاسمة.

تأسيسًا على ذلك، لا يمكن إنكار أهمية الانتخابات الكينية ليس للكينيين فقط، بل لمنطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا بأسرها. وبالفعل حمل السياق الانتخابي مؤشرات على اتجاهات العلاقات الكينية المستقبلية. وقد أعرب كل مرشح عن رؤيته لمستقبل علاقاته الإقليمية والدولية. فكان أبرز مرشحين في تلك الجولة الانتخابية، "وليام روتو" وهو نائب الرئيس السابق "أوهورو كينياتا" والمعارض الكيني البارز "رايلا أودينجا". 

وقد شهدت المعارك الانتخابية بينهما تجليات حالة السياسة الكينية على الأصعدة الداخلية والخارجية، ولعل البعد الإثني والعرقي دائما ما يقع في قلب العملية السياسية الإفريقية، بطريقة تجعله محورًا للتحليل والتنبؤ بمعطيات ومآلات المشهد. وفي هذه الانتخابات تحديدًا، كان عنصر الإثارة والجدل حول ما إذا كانت "العرقية" ما زالت فعّالة في تحليل المشهد السياسي في كينيا أم تجاوزت البلاد تلك الانتماءات الضيقة، لصالح الأيديولوجيا. 

في جوهر المشهد، كانت العرقية حاضرة ومستمرة في قلب العملية السياسية، رغم تجاوز الخطاب السياسي الحديث عن العرقية، كمناورة محسوبة. فبالنظر إلى تاريخ الانتخابات الكينية منذ الاستقلال، نجد السلطة السياسية تتمحور حول عرقية "الكيكويو" التي ينتمي إليها كينياتا، وعرقية الكالينجن التي ينتمي إليها نائبه "وليام روتو"، بينما ظلت عرقية " لو "التي ينتمي إليها "أودينجا" على هامش المشهد، رغم كونها من كبرى عرقيات البلاد.

وظلت التحالفات المتغيرة على طول التاريخ الانتخابي للبلاد قائمة بين الكيكويو والكالينجن، مما حرم "أودينجا "من الوصول إلى كرسي الحكم في كينيا رغم محاولاته على مدار خمس دورات انتخابية؛ بما دفعه يأسه السياسي للجوء للعنف الانتخابي في انتخابات عام 2007، مما جعل الخوف من العنف الانتخابي متغيرًا حاكمًا للمشهد الانتخابي للبلاد. 

وقد انقلب الرئيس كينياتا على نائبه حينما انحاز في "اتفاق المصالحة" إلى معارضه " أودينجا" عام 2018، ووعده بالوقوف إلى جانبه في الانتخابات الجارية؛ بما دفع "روتو" المنتمي للكالينجن للبحث عن متغير جديد يحكم المشهد بديلًا عن التحالف القائم على العرق، بعد خوفه فقدان دعم الكيكويو له. 

والدهاء السياسي لروتو ساعده على القفز على قواعد اللعبة، بل والقفز على إرثه السياسي والاتهامات التي تلاحقه على خلفية سنوات كونه نائب للرئيس أوهورو كينياتا؛ فراح للعب على وتر المظالم الاجتماعية والقضايا الطبقية، باعتباره من أبناء الطبقات الكادحة وعمله صغيرًا في بيع الدجاج وارتدائه الحذاء لأول مرة حينما كان بعمر الخامسة عشر، ذلك في مواجهة المنعمين في أحضان السلطة من أبناء الطبقات المسيطرة؛ فكينياتا هو نجل الرئيس الأول ليكينا في بعد الاستقلال "جومو كينيتا" ورايلا أودينجا هو نجل "جاراموجي أودينجا" نائب الرئيس " جومو كينياتا".

اللعب على هذه المفارقة، زاد من حظوظ روتو رغم تبني أودينجا سياسية يسارية أقرب للطبقات الاجتماعية ووعوده الانتخابية بالانحياز الطبقات الأكثر فقرًا، وانتقاده لسياسة الدين الكينية والاقتراض من الصين التي تبناها "كينياتا"، ناهيك عن الضغوط الاقتصادية التي تعانيها البلاد على خلفية الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تجتاح العالم. 

قفز "روتو "على هذا الإرث الاقتصادي والحمل الثقل، واكتسب تعاطفًا اجتماعيًا تجاوز الانتماءات القبلية، حيث قدم نفسه نصيرًا للطبقات الواقعة في أسفل الهرم الاجتماعي، كما وعد بتوفير التعويضات والرعاية الصحية الشاملة وإعادة توزيع الأراضي، بما ينتفي معه الامتياز الذي حاول "أودينجا" اكتسابه من الانحياز للطبقة الاجتماعية. 

وكانت علاقة الصين حاضرة بشده في المعارك الانتخابية، فبينما انتقد أودينجا سياسة كينياتا في الميل تجاه الصين، وعد روتو باستعادة التوازن مع كافة الأطراف الدولية وإعادة النظر في سياسة الاستدانة. ولم يتوقف الأمر عند حد الصين، فكينيا دولة شديدة الأهمية في شرق إفريقيا، حيث ترتبط حركة التجارة في شرق إفريقيا بدولة محورية واقعة على المنافذ البحرية. 

وبالنظر إلى علاقات الرئيس الكيني الجديد في إقليميه المحيط، فالرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" يعد من داعميه الإقليميين، لكن على الجانب الآخر، فإن علاقة "روتو" بالكونغو الديمقراطية قد تشهد بعض الفتور على خلفية تصريحات سابقة له أثناء حملته الانتخابية، وهو ما يضع تحدي جديد على الرئيس الجديد لكينيا، لاستكمال جهود الدبلوماسية والوساطة بين أوغندا والكونغو الديمقراطية، على خلفية التوترات بينهما جراء التوترات التي يشهدها شرق الكونغو واتهام أوغندا بعدم حركة "23 مارس" المتمردة.

هذا إلى جانب التحديات الإقليمية الأوسع التي تشهدها المنطقة، والتي حتمًا تقتضي من كينيا لعب دور إقليمي بها، سواء الصراع في إثيوبيا أو نشاط الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة، فضلًا عن إدارة علاقاته الإقليمية بتوازن، ناهيك عن تحدياته الداخلية من تحديات الجفاف والأمن الغذائي وصولًا إلى التحديات الاقتصادية. 

يترقب الكثير ومن بينهم مصر ما ستؤول إليه تحركات الرئيس الكيني الجديد، في ظل الحرص المصري على تعزيز وتعميق التعاون مع واحدة من أهم دول المنطقة. 

  • باحثة فى الشئون الإفريقية – المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
تاريخ الخبر: 2022-09-02 15:21:26
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

الرئيس الروسي يزور الصين يومي 16 و17 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:24:49
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:24:06
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

صباح الخير يا مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:22:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 58%

ما هو الدافع؟

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:22:02
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 69%

وزير الري يتابع موقف منظومة الشكاوى بالوزارة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 09:21:45
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية