دور الأغنياء في تحريك الاقتصادات


تشير بيانات توزيع الدخل والثروة العالمية إلى تركز الثروة في نسبة محدودة من سكان المعمورة. وكلما ارتفعنا في سلم الدخل والثروة العالمي تضخم الثراء وانتفخت جيوب الأغنياء. ويوجد شبه توافق عالمي على تسمية الأغنياء بالمليونيرات، أي أن عليك أن تملك مليون دولار على الأقل لتصبح ضمن قائمة الأغنياء. والغنى أمر محبب إلى النفوس ومرغوب، وتسعى الأغلبية الساحقة من البشر إلى الحصول على الثروة والدخول في عضوية نادي الأغنياء الافتراضي العالمي.

ورد في أحد التقارير المتخصصة بعض التقديرات عن الأغنياء والتمايز في حجم الثروة بينهم. ووجد في العالم حسب هذه التقديرات ما يزيد قليلا على 62 مليون غني أو مليونير في 2021، مثلوا ما يقارب 1 في المائة من إجمالي عدد البالغين في مختلف أصقاع الأرض. ووصلت تقديرات إجمالي ثروات الأغنياء إلى 174 تريليون دولار العام الماضي، أو نحو ضعف الناتج المحلي العالمي. شكل ما يمكن تسميته صغار الأغنياء معظم شريحة أهل الثراء في العالم. وزاد عدد من تراوح ثرواتهم بين مليون وعشرة ملايين دولار على 60 مليون شخص، وأعتقد أن هناك عددا كبيرا من هؤلاء في منطقة الخليج وفي الدول مرتفعة الدخل بشكل عام، نظرا إلى ارتفاع قيم الأصول العقارية والمالية فيها. فاق هذه الشريحة في الثراء من ملكوا ثروات ما بين عشرة ملايين و100 مليون دولار، حيث بلغ عددهم نحو 1.8 مليون شخص. طبعا يتطلب الصعود في سلم الغنى جهدا أكبر وحظا أوفر، ومن المرجح أن معظم ملاك الأعمال في هذه الشريحة.

يتناقص عدد الأغنياء مع صعود سلم الثراء العالمي حيث لم يتجاوز ملاك الثروات التي تراوح ما بين 100 مليون ومليار دولار 74 ألف شخص. أما الأغنى منهم والمالكون لثروات ما بين مليار وعشرة مليارات دولار فقارب 2600 شخص. بعد ذلك وأغنى من هؤلاء أتت شريحة فاحشي الثراء التي تراوح ملكية الفرد منهم ما بين عشرة مليارات دولار وقد تصل إلى 100 مليار دولار، وبلغ عددهم 159 شخصا في 2021. وفي قمة هرم الثروة العالمي تربع على عروش الثراء تسعة أشخاص تجاوزت ثرواتهم 100 مليار دولار، وهؤلاء معروفون ومشهورون عالميا، سبعة منهم في الولايات المتحدة معظمهم في قطاع التقنية.

طبعا يتركز معظم الأغنياء خصوصا الأعلى ثراء في الدول الأعلى دخلا والاقتصادات الكبرى والمتقدمة. وتحتضن الولايات المتحدة والصين نسبة كبيرة من الأغنياء وفاحشي الثراء. ويحتاج الشخص للدخول في نادي الأغنياء إلى إمكانات وقدرات معينة في ذاته، لكن لا بد أن يتممها الحظ والمكان والزمان الذي يعيش ويتربى فيه. وتوفر البيئة المحيطة في البلدان الكبرى اقتصاديا (والعائلات الغنية) مناخا أفضل لصنع الثروة، حيث توجد الأسواق الاستهلاكية الضخمة، كما تتوافر الموارد، والبيئة القانونية المناسبة، والخدمات المساندة المالية، والتقنية وكذلك الخبرات والأيدي العاملة الماهرة. ولو عاش كثير من أصحاب الثروات الطائلة في الغرب أو الصين أو اليابان في معظم الدول النامية لما وصلوا إلى هذا الثراء.

يسهم كثير من الأغنياء - بالطرق المشروعة - من خلال أنشطتهم الدؤوبة عن الثروة في تحريك الاقتصادات وبث روح المبادرة وتشغيل الأيدي العاملة ومن ثم دفع عجلة النمو الاقتصادي. كما ينفق كثير من الأغنياء أموالا طائلة على أعمال الخير والبحث العلمي والمبادرات والمشاريع الاقتصادية والتنموية. في المقابل يتسبب الثراء بالطرق غير المشروعة والممارسات الممقوتة في عرقلة التنمية ورفع التشنجات الاجتماعية والسياسية. ويمكن القول إن هناك تكاملا بين البلدان وتصرفات أغنيائها، حيث يحفز الثراء بالطرق المشروعة نمو البلدان وتقدمها، بينما يتسبب الثراء غير المشروع في آثار سلبية وربما كارثية على التنمية والبلدان، وقد يفضي إلى دمار الدول والاقتصادات.

توفر الثروة دخولا لملاكها ترتفع مقاديرها وتتضخم أحجامها مع حسن إدارتها. من جانب آخر يعود جزء كبير من تفاوت الدخول العالمية إلى تفاوت الثروات. وتسعى الدول بالطبع إلى الحد من تأثير الثروة في عدالة توزيع الدخول من خلال الأنظمة الضريبية. تتصاعد معدلات الضريبة مع حجم الثروة أو دخلها، وتتفاوت تقديرات الضرائب المحصلة من الأغنياء ولكن يعتقد كثيرون أنها أقل مما يجب. ويوجه كثير من الانتقادات للأنظمة الضريبية وتتهم بالتحيز نحو الأغنياء. كما يتهم كثير من الأغنياء خصوصا الأكثر ثراء بتحاشيهم دفع الضرائب. وترد روايات عن أغنياء لا يدفعون ضرائب بالمرة أو يدفعون ضرائب ضئيلة مقارنة بثرواتهم.

تسهم صياغة الأنظمة الضريبية ونوعية الضرائب وفاعلية تطبيقها وفساد ممارساتها في الإفلات الضريبي. ويجتهد كثير من الأغنياء في إخفاء ثرواتهم، وذلك لخفض أعبائهم الضريبية وتجنب المساءلات القانونية، كما يمارسون ضغوطا على صناع القرار والتشريعات لخفض مدفوعاتهم الضريبية من خلال التشريعات المتحيزة، وهذا الأمر متوقع لأنه يخدم مصلحتهم. وما لم تكن هناك فاعلية وعدل في تشريع وتفعيل الأنظمة الضريبية فإن هذه الممارسات ستقود مع مرور الوقت إلى زيادة ثراء الأغنياء وفقدان الحكومات كثيرا من الموارد، التي كان من الممكن استخدامها لتحسين الخدمات الحكومية ودعم محدودي الدخل. وتشير بيانات الدول المتقدمة إلى تراجع حصص الحكومات في إجمالي الثروات الوطنية وارتفاع حصص القطاع الخاص خلال العقود القليلة الماضية.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".

تاريخ الخبر: 2022-09-04 09:18:32
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية