إرث اللغــة


أعود اليوم معكم للتنديد بهذا الضعف الكبير لدى أبنائنا على مستوى اللغة العربية وآثاره التاريخية على حضارتنا وثقافتنا، وأندّد أكبر بتلك الآراء «الشعبوية حدّ السطحية» التي تحاول أن تتهم المهتمين باللغة من كونهم حرّاس الوهم، وأن ما ينشدونه عائق للفهم، وهو رأي بحسب اعتقادي أقصر من ظلّه بكثير، فاللغة هويّة وحضارة وتاريخ لن يكون المستقبل إلا من خلاله..

والحقيقة أن الأمر لدي يتجاوز المنافحة عن اللغة التي تربّت عليها روحي أكثر من أربعة عقود، إلى الخلوص إلى أن اللغة ذاتها هي منجزنا الحضاري والثقافي الوحيد كأمّة، وبالتالي لا يبرر هذا التغرّب الذي تعيشه اللغة اليوم عزوفنا عنها أو تسفيهها أو حتى التشكيك في أهمية التواصي بها واستدراك انهيارها فينا.

نحن أمة.. تراثنا لغة.. وتاريخنا لغة.. بل حتى ديننا لغة.. فالقرآن «معجز بنظمه لا بأحكامه» كما يقول عبدالقاهر الجرجاني، ففي الوقت الذي استطاعت فيه الأمم الأخرى توثيق موروثها بالتماثيل المنتشرة في كل الثقافات، كان وجودها فينا محرّماً!، وبالتالي اكتفينا بمروياتنا الكلامية، حيث تخلّق موروثنا كله داخل رحم اللغة وتولّد منها، وباتت اللغة ملازمة للثقافة، حتى على المستوى الشعبي.. لا تكتمل صورة المثقف لدينا إذا قصر في لغته، بل إن مراحل كثيرة من مراحل تاريخنا الحضاري اكتفت باللغة والأدب كصورة نمطية للمثقف فينا.. واليوم إما أن نستدرك لغتنا المهدرة نتيجة وحشتها وتغرّبها في هذا العصر، وتطفّل الغريبين عنها عليها أو على الأقل نستثمر مخزونها التاريخي على مستوى المكان، فنمنح عين الجواء في منطقة القصيم مثلا هويّة ثقافية تعود بها إلى أسطورة عنترة، ونفعل في مناطقنا الأثرية الأخرى ما يحيل المكان للزمان واللغة للتجسيد.

في المقابل لاشك أنني واحد من غيري كثيرين ندرك هشاشة اللغة مع تعاقب الأزمان واختلال موازين قيمتها وحضورها من عصر لعصر نتيجة حضارة أمتها، وبالتالي أعلم أن هذا العصر ليس كسابقه من عصور الحضارة العربية، نتيجة انصرافنا عن العربية الفصحى كلغة.. حتى بدت أحياناً لغة ثانوية عند أبنائنا، إلا أن هذا الاستسلام يجب أن يواكبه فعل وثائقي مخلص.. يستخلص من هذه اللغة موروثاً غير قابل للسفه أو التشكيك، فالحديث عن ليلى العامرية اليوم على سبيل المثال يختلف جوهريًّا عن الحديث عن «جولييت» على الرغم من تشابه الحكايتين بينهما، والسبب يعود إلى تشخيص الحكاية، فشرفة جولييت مزار للسياح، والصور الملتقطة لها ومعها باتت غاية تشدّ إليها الرحال، في ذات الوقت الذي تفتح فيه بلادنا اليوم ذراعيها للعالم، وهي بلاد مكتنزة جداً بموروث عظيم، وما علينا إلا أن نخلّصه من ضعف اللغة بتجسيده من جهة ونعيد للغة حضورها وحيويتها من خلاله.

نقلاً عن "العربية"

تاريخ الخبر: 2022-09-10 12:17:55
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 93%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. مؤتمر “الاستقلال” يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 06:08:34
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 76%

طقس الأحد.. ثلوج وأمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 06:08:32
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 75%

أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-28 06:23:39
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 69%

سعر الدولار اليوم الأحد 28-4-2024 مقابل الجنيه في البنوك - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 06:20:46
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية