خصخصة التعليم.. الجزء الظاهر من جبل الجليد «3»
محمد إبراهيم علي
– تناولنا في الحلقتين السابقتين الأثر المدمر الذي وقع على التعليم جراء رفع الدولة يدها عن الصرف عليه وجعلته عبئاً على كاهل المواطن المنهك بالمشاكل والضغوط.
– في نفس الاتجاه وتعليقاً على اللقاء الذي بثته قناة النيل الأزرق مع الوزير الانقلابي ثلاثي الأبعاد وزمرته، وقد أرسل هذا اللقاء الذي نعتبره سياسة الدولة في المرحلة القادمة، أرسل إشارات خطيرة وسالبة يجب مناهضتها والوقوف ضدها بقوة وسوف نعرض هذه الإشارات بصورة موجزة آملين أن تلقى النقاش والفضح من المجتمع وقواه الحية.
* أولاً
لم يكن الوزير- الانقلابي ثلاثي الأبعاد- أميناً حيث ذكر أن ما يدفعه المواطن هو رسوم امتحانات الشهادة الثانوية ورسوم استخراج الشهادة، وللعجب جاءت رسوم استخراج الشهادة مساوية لرسوم الامتحانات خمسون جنيهاً لكلٍ ولم يتطرّق لما دفعه المواطن البسيط منذ بداية العام حتى جلوس الطالب للامتحان وهي بالطبع مبالغ مهولة حيث لم تدفع الدولة هذا العام مليماً واحداً للمدارس، وحسب آخر دراسة أجريت لمساهمة المواطن وحسب استمارة وزعت لأولياء الأمور كانت النتيجة كالآتي:-
▪ الطالب الذي يسكن جوار المدرسة ولا يركب المواصلات ولا يدرس حصص خاصة يدفع حوالي 200 دولاراً في السنة الدراسية من غير رسوم الامتحانات والجبايات الأخرى.
▪ الطالب الذي يسكن بعيداً عن المدرسة ويركب المواصلات ويدرس حصصاً خاصة تدفع أسرته حوالي 1000 دولار خلاف رسوم الامتحانات والجبايات الأخرى.
* ثانياً
– حسب آخر دراسة أجريت في العام 2021م كانت التكلفة التي يجب أن تدفعها الدولة للتعليم مقابل الطالب الواحد كالآتي:-
✓ طالب المرحلة الثانوية 1152 دولاراً
✓ تلميذ الأساس 1022 دولاراً
وحسب إفادة الوزير- إن صدق- أن الدولة تتحمل تكلفة الكتاب فقط.
– عليه فإن المواطن المنهك مبشر بتحمل مبالغ إضافية كبيرة جداً للمبالغ التي كان يدفعها!! وحسب واقع الحال فإن الظروف الاقتصادية للمواطن لا تمكنه من القيام بهذا الدور فلذا نحن مبشرون بالآتي:
1- التعليم سوف يصير متاحاً للأثرياء فقط
2- عجلة الدراسة ستتوقف في كثير من مدارس الفقراء
3- زيادة الفاقد التربوي وضياع مستقبل تلاميذ كانوا أملاً للبلاد ووقوداً للمستقبل
4- توسع دائرة الفقر والجريمة وانتشار الظواهر السالبة مثل السرقة والنهب وتجارة المخدرات والدعارة وأقلها عمالة الأطفال
* ثالثاً
– تحدث مدير تعليم الأساس بولاية الخرطوم عن الدور المجتمعي واعتبره مكملاً للدور الحكومي وتجاهل كلام الوزير الذي حصر دور الدولة في الكتاب المدرسي.
ومن خلال هذا القول نؤكد أن كلامه إشارة واضحة وصريحة لإدارات التعليم بالمحليات وإدارة المدارس، وضوءاً أخضر لمحاصرة المواطن وارهاقه بالأتاوات والرسوم التي سوف تحدد حسب رغبة وهوى هؤلاء!!!.
وقد بدأت سياسة المحاصرة ببدعة امتحانات الملاحق لشهادة الأساس حيث تقرر أن يدفع التلميذ المكلوم سبعة آلاف جنيه زادت وارتفعت وتفاوتت من محلية لأخرى.
* رابعاً
– ورد على لسان شخص سمي خبيراً تربوياً كلام يسير في نفس اتجاه الخصخصة وتسليع التعليم إذ ورد على لسانه أن المدارس الحكومية بها مساحات كبيرة غير مستغلة وهناك مدارس خاصة مؤجرة منازل فيرى بيع هذه المساحات للتعليم الخاص والاستفادة من الأموال في تمويل التعليم، ويذكرني هذا القول بطرفة الراعي الذى باع ثوبه معتقداً انتهاء الشتاء وذهاب البرد فعاد الشتاء واشتد البرد وواجه الراعي مصيره المحتوم، ونوضح للخبير الجليل أن علماء التربية عندما حدّدوا للمدارس هذه المساحات كان في ذهنهم الآتي:
1- المدرسة تحتاج لمساحات لممارسة النشاط الرياضي والثقافي
2- يحتاج الطلاب للتدريب على التنمية الريفية من خلال الزراعة وتربية الدواجن والأنشطة المشابهة
3- المدرسة متنفس للمجتمع المجاور لإقامة الاحتفالات وعقد الاجتماع وهذا يؤكد الدور الريادي للمدرسة
4- المجتمعات في زيادة ونمو والحوجة للتعليم متجدّدة ومستمرّة فهذه المساحات الخالية ملك للأجيال القادمة
– عليه أقول بكل وضوح إن لقاء الوزير التلفزيوني رسم معالم السياسة التعليمية للنظام الانقلابي الذي أكمل تسليع التعليم الذي كان منهجاً رسمته حكومة المؤتمر الوطني فأصبح لزاماً مواجهة ذلك بكل قوة لأن الحصول على التعليم المجاني المنصف حق كفلته كل المواثيق الدولية.
يتبع…
* المدير العام السابق لوزارة التربية والتعليم- ولاية الخرطوم
خصخصة التعليم.. الجزء الظاهر من جبل الجليد «2»
