اندلعت مواجهات مسلَّحة جديدة، بين الجيش القرغيزي وجاره الطاجيكي، راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى إضافة إلى آلاف من النازحين. وحدث ذلك إثر تجدد الخلافات الحدودية بين البلدين، الواقعين في وسط آسيا، قبل أن يجري إقرار هدنة وصفت إعلامياً بـ"الهشة".

وليست هذه المرة الأولى التي تتسبب فيها الخلافات الحدودية باقتتال بين البلدين، فيما تعود جذور هذه الخلافات إلى الفترة السوفيتية، والتي قسمت البلدين بشكل لا يرضي السكان المحليين للمنطقة، وجعل من الصعب إعادة التوافق حول ترسيمها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلالهما عنه.

مواجهات دامية

على هامش قمة شانغهاي للتعاون، التي جرت أشغالها بسمرقند الأوزبكية، كان قد التقى الرئيسان القرغيزي صدر جباروف ونظيره الطاجيكي إمام علي رحمن، و"توافقا على إعطاء توجيهات للأجهزة ذات الصلة بوقف إطلاق النار وسحب القوات والعتاد من خط المواجهة" وفق بيان للرئاسة القرغيزية.

لكن هذه الهدنة المعلنة لم تدم طويلاً، بعد أن تجدد إطلاق النار في مواقع من الشريط الحدودي بين البلدين، صباح يوم الجمعة، في منطقتي أوش وباتكين في جنوب قرغيزستان.

وتبادلت كل من طاجيكستان وقرغيزستان التهم بينهما بانتهاك الهدنة المعلنة سابقاً. وقال حرس الحدود القرغيزي في بيان إن جيش طاجيكستان فتح النار أربع مرات صباح السبت، مستهدفاً بقذائف الهاون مواقع عسكرية حدودية في قرغيزستان. ومن جانبه، أكد الجيش الطاجيكي، عبر وكالة الأنباء المحلية "خوفار"، بأن القوات القرغيزية استهدفت موقعين طاجيكيين.

وحسب وكالة الأناضول، أعلنت وزارة الصحة القرغيزية مقتل 24 جندياً وجرح 122، إضافة إلى 136 ألف من المدنيين الذين نزحوا من مناطق الاشتباكات. كما أكدت وزارة الداخلية في طاجيكستان صباح السبت مقتل مدنيين في البلاد خلال انتهاك الهدنة، بدون أن تذكر عددهم.

ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن رئيس لجنة الأمن القومي في قرغيزستان كامشيبيك تاشييف، قوله بأن الخسائر العسكرية كانت كبيرة، وأن "الوضع صعب ولا يمكن لأحد أن يعطي أي ضمانات فيما يتعلق بما سيحدث غداً". وأعلنت الحكومة القرغيزية حالة الطوارئ بمنطقة باتكين الحدودية، ذلك لضمان أمن المواطنين والعمل على إجلاء السكان ومنع وقوع خسائر بشرية، وتعبئة القوات المعنية، وفق ما ورد في بيان وزارة الطوارئ.

هذا وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، السبت، إنه يتابع "ببالغ القلق" تصاعد العنف بين قرغيزستان وطاجيكستان، داعياً إياهما إلى الحوار من أجل وقفٍ دائم لإطلاق النار بين البلدين. وجدد غوتيريش "تأكيده استعداد الأمم المتحدة للمساعدة لإيجاد حل دائم للنزاعات الحدودية، بحال طلب الطرفان ذلك".

وأعربت وزارة الخارجية التركية، الجمعة، عن أملها في حل المشاكل بين قرغيزستان وطاجيكستان عبر الحوار. قائلة في بيان حيال التطورات الأخيرة: "نأمل في إنهاء التوتر بين البلدين الصديقين والشقيقين بشكل سريع دون تصعيد، وحل المشكلات سلمياً عبر الحوار".

خلافات حدودية متوارثة

ليست هذه المرة الأولى التي تنشب فيها اشتباكات بين الجيشين الطاجيكي والقرغيزي، على الشريط الحدودي بين البلدين. وعودة إلى شهر أبريل/نيسان، اندلعت اشتباكات مماثلة، أودت بحياة 31 قرغيزي و10 طاجيكيين، إضافة إلى عشرات الجرحى.

وتعود أسباب اشتباكات العام الماضي، حسب الرواية القرغيزية، إلى امتعاض السكان في ولاية باتكين من قيام حرس الحدود الطاجيكي بتشديد الحراسة على نقطة توزيع المياه على نهر غلونفوي الذي تعتبره قرغيزستان ضمن سيادتها. وحسب الرواية الطاجيكية، فإن إطلاق النار أتى عقب تحريض والي إقليم باتكين المواطنين على اقتحام الأراضي الطاجيكية.

هذا وتشترك قرغيزستان وطاجيكستان في شريط حدودي يبلغ طوله 971 كيلومتراً، 471 كيلومتراً منه غير مرسمة، وهو مشكل وُرث عن الحقبة السوفياتية، التي تأرجحت خلالها الحدود بين الجمهوريتين الواقعتين وقتها تحت حكم موسكو. وينعكس هذا حالياً في عدم اتفاق بيشكيك ودونشانبي على أي من الخرائط السوفيتية التي سيجري اعتمادها لترسيم الحدود، ما يمد عمر الخلاف بينهما.

وحسب غلوزانا كارماييفا، الزميلة في معهد السياسات الأوروبية ببرلين، فإن قرغيزيي المناطق الجنوبية الغربية من البلاد كانوا تاريخياً يعتمدون على الترحال ورعي قطعانهم الكبيرة، عكس السكان الطاجيك. ومع دخول البلدين في الاتحاد السوفيتي، عمدت موسكو على فرض استقرار سكان البلدين، والعمل في تربية المواشي بشكل مشترك، غير أن غالبية المراعي كانت على الجانب القرغيزي وموارد المياه على الجانب الطاجيكي، ما كان السبب في الخلاف الحدودي بينهما بعد انهيار الاتحاد.

هذا وفشلت حكومتا البلدين في حل الخلاف إلى اليوم، وإيجاد آلية سلمية لتشارك المراعي والمياه في المنطقة. كما انضافت إلى ذلك مشاكل التهريب، التي تزيد من تعقيد القضية.

TRT عربي