من يكتب التاريخ؟.. مؤرخون وكتاب يجيبون عن السؤال الصعب

 "عندي حلم لإعادة كتابة التاريخ".. هكذا قالت صانعة المحتوى ريهام عياد في لقائها مع الإعلامية منى الشاذلي، الأمر طبيعي والحلم مشروع ولكن ثمة أسئلة مشروعة وواضحة؛ علينا أن نقف عندها كثيرا، ومنها: من هم المنوط بهم كتابة التاريخ أو استعادته، هل ما تفعله عياد عبر ما تقدمه من محتوى يعد بمثابة استعادة للتاريخ؟ هل لوسائط التواصل الاجتماعي دور في استعادة التاريخ وإلى مدى نثق في مصداقيتها؟ هل تلعب دور سلبي بتمرير أكاذيب وافتراءات.. كل هذا في  التقرير التالي: 

قال المؤرخ والأكاديمي جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس وأمين عام الجمعية المصرية للدراسات التاريخية لـ"الدستور": “يوسفني القول بأن لتاريخ أصبح مهنة لا مهنة له، وأن الميديا يسرت وسهلت لعدد لاينتمون لعلم التاريخ بصلة ولم يدرسوا مناهج البحث التاريخي، ولم يتمكنوا من مهارات الكتابة التاريخية وأدواتها، فقد أتاحت لهم صفة المؤرخ أو الباحث في علم التاريخ وهناك فرق كبير بين الباحث والمؤرخ والتاريخ نفسه.. فالتاريخ هو السيل المتدفق من الأحداث عبر الزمن من وقائع السياسية وثقافية واجتماعية، والأحداث والمتعلقة بالعلاقات الدولية، أما المؤرخ فهو الذي سجل الأحداث والوقائع لحظة وقوعها دون تفسير لها، على سبيل المثال الجبرتي”. 

 

وتابع شقرة: “أما الباحث في علم التاريخ وهو المؤهل لقراءة التاريخ قراءة علمية، فهو لم يشهد الوقائع والأحداث، وإنما قام وفقا لمنهج بحث علمي بجمع المادة العلمية من مصادرها الأصلية، وثائق ومخطوطات وبرديات ومحاضر اجتماعات ما كتب في الدوريات المعاصرة ثم ينكل الباحث الذي تدرب عليها في  الجامعة على نقض هذه المادة العلمية بعد تفيكها، وبعدما يطمئن على سلامة مصادره وبعدما يستبعد الغث والمزيف منه؛ يقوم بإعادة تركيبها، يبث الروح فيها ويعيد الحياة للذين ماتوا ليحاول أن يجيب عن سؤال جوهري لماذ وقعت الأحداث بالشكل الذي وقعت به؟، بمعنى أنه يبحث عن العلة السبببية وهذا علم ليس مجرد حكي، وقصص تحكى وتروى من الذين يقصون علينا القصص، وهم أدباء أو هواه  عشقوا التاريخ من حكايات وطرائف وعجائب وهذا علم آخر قد يستفيد منه الباحث في علم التاريخ”.

 

ولفت “شقرة” إلى أن “عندما يحاول الباحث في علم التاريخ يجيب عن سؤال حول السببية أو  العلة فهو يستخدم هنا بعد اطمئنانه للمصادر، منهج البحث التاريخي إلى جانب  مهاراته ونظريات التفسير التاريخي، وهذا لايتوفر لهؤلاء لبسام ولا الدحيح ولا ريهام عياد ولا غيرهم ممن يدعون اأنهم يقرأون التاريخ أو يعيدون قراءاته، وهؤلاء يتسببون  بقصدا أو غير قصد في تزييف التاريخ وتشويه ذامرة الأمة والإساءة لرموزها وتحريف وتشويه السياق العام للحركة التاريخية فهم لا يفهمون أصلا كيف صنعت الأحداث التاريخية، وانا اندهش واتعجب للذين يتجرأون ويلقبون أنفسهم بالمؤرخين”.

 

ويبدوا أنها “أصبحت سبوبة” يرتزقون من وراءه، هؤلاء يرتكبون جريمة كبرى تعادل جريمة من يدعى أنه طبيب؛ بل ربما تكون جريمتهم أكبر وأعظم فمنتحل صفة الطبيب لو قتل امتشاف امرة مئه مريض ، فهؤلاء يقتلون اجيال واجيال بتزيف ذاكرة الأمة.

هند جعفر : مايقدم هو أقرب للأفلام البوليسية يفتقد للمصداقية 

وقال الكاتبة والقاصة هند جعفر لـ"الدستور": “دعني أقول لك أننا جميعا نشارك في صناعة التاريخ بشكل غير مباشر عن طريق تفضيل مصدر على آخر وتغليب رواية على أخرى، ليس شرطا أن التاريخ يكتبه المنتصر كما سمعنا مرارا فكم من روايات تاريخية وصلتنا عن أقليات مهزومة لمجرد أن هناك من تصدى لنقلها”.

 

وتابعت جعفر: “على من يتصدى لكتابة أو صناعة التاريخ أن يتبع قاعدة بسيطة قالها الرازي يوما (إذا حدثت ففتش) أي قم بعمل بحث وفتش تفتيشا دقيقا عما ستتحدث عنه، ولكن ما يحدث الآن على منصات التواصل الاجتماعي أبعد ما يكون عن التأريخ.. تطالع يوميا عشرات الفيديوهات والبوستات تتناول حوادث تاريخية على طريقة حكايا المصاطب بلا سند، وإن تكرم علينا أحدهم بذكر المصادر تجده قد اعتمد على مصادر صفراء لا تختلف كثيرا عن صحف الإثارة والنميمة”.

 

ولفتت جعفر إلى “أنهم مضطرون للاعتماد على هذه النوعية من المصادر لأن هذا ما سيحقق الربح المادي والريتش بلغة أهل الشبكة العنكبوتية.. وإذا قابلته روايتان أحدهما تقليدية وهي الأقرب للحقيقة والأخرى مثيرة ولكنها الأضعف تاريخيا سيميل نحو الثانية لأن الربح سيأتي من وراءها.. ولذا ستجد البرامج التاريخية أصبحت أقرب للأفلام البوليسية يلزمها دوما حبكة مثيرة وإلا فلم سيتصدى أحدهم لتقديمها؟!”.

 

واختمت جعفر: "حين نقوم بتحقيق نص تراثي نبحث عن عدة نسخ مكتوبة لنفس النص ونقارن بينها ونعتمد على نسخة أُم يُشترط فيها أن تكون بخط المؤلف أو أحد تلامذته المقربين أو قرأها أحدهم على عالم ثقة إلى آخره من شروط لا مجال هنا لذكرها، ولدينا علم الرجال نبحث فيه عن سيرة الرواة والمحدثين ومن تؤخذ روايته، ومن يُترَك... تخيل أن تعامل الأحداث التاريخية بهذه الطريقة سوف تخرج بقراءة هي الأقرب للحقيقة.

 

طاهر عبد الرحمن: ماتقدمه وسائط التواصل الاجتماعي هو تسطيح التاريخ 

من جانبه قال الكاتب الصحفي طاهر عبدالرحمن: "بكل تأكيد ما تدعيه ريهام عياد لا يمت بصلة إلى ما تسميه "إعادة كتابة التاريخ"، لأن ذلك يتطلب شروطا محددة، من أهمها قطعا هو ظهور وثائق جديدة في الموضوع محل الدراسة، أو - على أقل تقدير - رؤية جديدة ومغايرة".

 

وأضاف صاحب كتاب حكايات من الأرشيف: “ماذا تفعل ريهام عياد؟.. إنها تقوم بجمع مادة غير موثقة، صحيح قد تكون  مكتوبة في كتب، لكن ليس كل ما هو مكتوب - مهما كان اسم كاتبه - مهما أو لا يمكن مراجعته. ألف باء كتابة في التاريخ هو الشك دائما، ومقارنة الوقائع ونقدها”.

 

وتابع: "أكثر من ذلك فهى تقوم بجمع مادتها أو أغلبها، مما هو متداول هنا وهناك، ثم تقوم بـ"رصها" دون سياق محدد أو واضح وهذه ليست إعادة كتابة تاريخ؛ بل مجرد البحث عما هو مثير. كمثال: في حلقتها عن محمد حسنين هيكل قالت بثقة غريبة أنه "جاسوس"، وهذا ما كتبه البعض قديما وأن زعيم الاتحاد السوفيتي خروتشوف واجهه بذلك، فهل قامت بتدقيق الواقعة؟ أبد، مع أنه بقليل من البحث ستكتشف أنه اتهام لا يمكن تصديقه على الإطلاق، ولكنها أصدرت حكمها بشكل يقيني لا يجرؤ أن يتفوه به أرنولد توينبي ذاته".

 

وتسأل عبدالرحمن: "هل هذه إعادة كتابة تاريخ؟.. هى إعادة طبعا، ولكن تكرار كما يفعل الببغاء لأن الكتابة في التاريخ حق لكل إنسان، لكن بشرط امتلاك الأدوات اللازمة لذلك، أولاها وأهمهما القدرة على البحث والوصول للمصادر الأصلية وليس عن طريق النقل و"العنعنة"، وهو بالتأكيد ليس حكرا على المتخصصين، فصلاح عيسى - مع حفظ الألقاب - لم يكن متخصصا في كتابة التاريخ، ولكنه قدم كتبا فائقة الأهمية في التاريخ السياسي والاجتماعي، معتمدا على وثائق أتيحت له أو عثر عليها، وقام بدراستها دراسة مستفيضة، ومقارنتها بأكثر من مصدر وتحليلها، وهو جهد شاق، وهذه هى "إعادة كتابة التاريخ".

 

وأشار عبدالرحمن إلى أن “الصحافة تعتبر مادة تاريخية خام، تقدم الحدث كخبر وبقدر المستطاع والمتاح تحاول التحقيق من خلفياته وأسبابه، وهذا كله يساعد الباحث على تكوين رؤية حول الحدث التاريخي، ودراسة جوانبه من كل الزوايا، هذا إلى جانب المصادر الأخرى، الشهادات الشخصية والوثائق”.

 

واختتم عبد الرحمن: "بشكل كبير ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي فيما يمكن تسميته بـ"تسطيح التاريخ"، حيث أصبح الاهتمام الأكبر بالمثير والغريب، وهذا ما يجذب الكثير من المتابعين، بغض النظر عن الدقة والموضوعية، وللأسف نحن أمام أجيال لا تحتمل القراءة أو البحث، على الرغم من السهولة الشديدة في الوصول إلى المعلومة".

تاريخ الخبر: 2022-09-20 03:22:00
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:24:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:24
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية