يراهن الاتحاد الأوروبي على قدرته على الصمود شتاءً، بعد قطع روسيا الغاز والنفط عن دوله، لذلك يبحث عن حلول سريعة لمواجهة نقص الطاقة، وتداعياته مع قرب حلول الشتاء.

إذ أصبح في حكم المؤكد أن الاتحاد الأوروبي متوجه نحو التصعيد مع روسيا، ولو قطعت عن أعضائه كل مصادر الطاقة، بما فيها الغاز والنفط والفحم.

لكن ليس أمام الأوروبيين كثير من الوقت لتعويض 150 مليار متر مكعب من الغاز الروسي خلال الشتاء المقبل، ناهيك بأن درجات الحرارة بدأت الانخفاض مع بداية الخريف.

فالكميات الفائضة والمتوفرة من الغاز في السوق العالمية لا تكفي جميعها لتغطية 40 بالمئة من حصة روسيا من الواردات الأوروبية، لذلك فأوروبا مضطرة إلى إيجاد حلول مبتكرة.

وتتجه دول أوروبية نحو خطط تقشفية قاسية أثارت رفضاً لدى فئات من المواطنين وحتى من بعض المصانع، لأن من شأنها خفض الإنتاج، وإحالة العمال إلى البطالة، وإدخال القارة العجوز في حالة ركود.

لذلك فأمام الاتحاد الأوروبي عدة خيارات لمواجهة شتاء بلا غاز روسي، وتخفيف حدة أزمة الطاقة، ليس فقط على المدى القصير، بل أيضاً على المديين المتوسط والطويل.

الغاز الأمريكي والجزائري

على الرغم من صعوبة التعويل على الغاز الأمريكي والجزائري وحتى القطري لتغطية حصة الغاز الروسي، من حيث الكمية أو السعر، فإن من شأن زيادة الإمدادات من دول الإنتاج الأخرى تخفيف حدة الأزمة.

فالولايات المتحدة، التي أصبحت أكبر مصدّر للغاز المسال في العالم، وجّهَت 71 بالمئة من صادراتها من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2022، مقارنة بنحو 30 بالمئة في 2021، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

ويمكن للصادرات الأمريكية أن تغطي من 70 إلى 80 بالمئة من الغاز الروسي المصدَّر إلى أوروبا، وفق صادرات يناير/كانون الثاني الماضي.

إذ إن "أكثر من 50 بالمئة من الطاقة التي تستوردها أوروبا يأتي من الولايات المتحدة"، وفق خوسيه فرنانديز، وكيل وزارة الخارجية الأمريكي.

غير أن أكبر عيب في الغاز الأمريكي أنه أغلى من الغاز الروسي بنسبة 50-70 بالمئة، نظراً إلى تكاليف استخراج الغاز الصخري مقارنة بالغاز الطبيعي، وعمليات التسييل وإعادة "التغويز"، وتكاليف النقل عبر السفن.

الإشكال الآخر الذي لا يمكن للغاز الأمريكي أن يعوض معه نظيره الروسي، عدم امتلاك دول أوروبية بنية تحتية لاستقبال الغاز المسال، بخاصة التي كانت تعتمد على الغاز الروسي بصفة شبه كاملة، والواقع أغلبها شرق أوروبا، أو تلك الداخلية التي لا تملك مواني لاستقبال سفن الغاز.

وتمثل الجزائر أحد الخيارات المثالية لتعويض الغاز الروسي جزئياً، بأسعار تنافسية، بالنظر إلى امتلاكها أنبوبَي غاز نحو أوروبا، غير أن الكميات الإضافية التي تضخها نحو أوروبا محدودة.

اتفقت الجزائر على زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا بـ9 مليارات متر مكعب ما بين 2023 و2024، و4 مليارات متر مكعب نهاية العام الجاري.

مع العلم أن صادرتها في 2021 بلغت 21 مليار متر مكعب، إضافة إلى 9 مليارات متر مكعب إلى إسبانيا ومليار متر مكعب إلى البرتغال، وكميات أقلّ إلى سلوفينيا.

أما الغاز المسال، فتصدّر الجزائر 20 بالمئة منه إلى فرنسا، التي تتفاوض من أجل زيادة الإمدادات 50 بالمئة.

وتراهن الجزائر على زيادة إنتاجها من خلال استثمار نحو 40 مليار دولار في قطاع المحروقات، وجذب استثمارات أجنبية على غرار استثمار شركات أوروبية وأمريكية بالشراكة مع سوناطراك الجزائرية.

قطر أيضاً ضمن الدول التي يعوّل عليها الاتحاد الأوروبي لزيادة صادراتها من الغاز المسال إليه، رغم أن أغلب إنتاجها يذهب إلى دول آسيوية ضمن عقود طويلة الأجل.

زيادة طاقة التخزين مع التقشف

أحد الخيارات العاجلة التي لجأ إليها الاتحاد الأوروبي ملء خزاناته من الغاز لمستويات تفوق 80 في المئة، وهو ما تَحقَّق مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، مما أدى إلى تراجع طفيف في أسعار الغاز.

وتراهن الدول الأوروبية على الوصول إلى 90 في المئة كنسبة تخزين للغاز في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بما يمكنها من الصمود طيلة فصل الشتاء بلا حاجة إلى الغاز الروسي، رغم أن فواتير الكهرباء والغاز ستظلّ مرتفعة.

إلا أن نسبة تخزين الغاز متفاوتة بين دول شرق القارة وغربها، فإذا كانت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا تجاوزت 80 في المئة، فإن دولاً أخرى مثل المجر والنمسا ولاتفيا لم تبلغ بعدُ الهدف الذي وضعه الاتحاد الأوروبي.

ويسعى الاتحاد الأوروبي لعلاج هذا التفاوت عبر التضامن بين دوله، مثلما تعامل مع جائحة كورونا، وأيضاً من خلال فرض ضرائب على الأرباح الإضافية لشركات الطاقة.

ويسعى الاتحاد الأوروبي لتسقيف سعر الغاز الروسي، بل ينادي بعض الأصوات بتسقيف سعر الغاز من بقية الدول المصدرة، وهو ما ترفضه النرويج والولايات المتحدة والجزائر، مما قد يشعل أزمة جديدة بين الطرفين، وهو مستعبد في هذه الفترة.

وأحد خيارات مواجهة الشتاء خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 بالمئة في دول الاتحاد الأوروبي، ودخلت هذه الخطة حيز التنفيذ في 6 سبتمبر.

فحم وأخشاب ونووي وطاقة متجددة

بالنظر إلى الظروف الاستثنائية، فإن عديداً من الدول الأوروبية بدأ يتخلى عن تشدده تجاه الطاقات الملوّثة للبيئة مثل الفحم، وفيهم من عاد لاقتناء أفران الخشب للتدفئة في الشتاء بعد ارتفاع أسعار الغاز إلى نحو 210 بالمئة.

كما أصبح إحراق القمامة للتدفئة أحد خيارات البولنديين لمواجهة شتاء بلا غاز روسي.

وبعد أن كانت أوروبا تسعى لتقليص استخدام الفحم، عادت لتستثمر في مولدات الكهرباء التي تشتغل بالفحم، لارتفاع أسعار الغاز.

الوضع مأساوي فعلاً وجدّي، فتوفير الغاز لا يعني القدرة على اقتنائه بأي ثمن، لذلك تمثّل العودة البدائية لقطع الأشجار وتخزين الأخشاب استعداداً لإشعال مواقد التدفئة، أحد الحلول العاجلة لأزمة الغاز.

ويتصاعد النقاش بشأن استخدام الطاقة النووية بديلاً من الطاقة الأحفورية (فحم ونفط وغاز)، في ألمانيا والسويد وفرنسا، وإن بدأت ترجح الكفة لصالح المؤيدين لها.

وأرجأت ألمانيا إغلاق محطتين نوويتين، وقررت تمديد عملهما حتى أبريل/نيسان المقبل، فيما ستغلق المحطة الثالثة كما كان مقرراً لها نهاية العام الجاري، بعد وقف ضخّ الغاز الروسي.

وتشكّل الطاقة المتجددة أحد البدائل السريعة، لكنها ما زالت محدودة لتعويض الغاز الروسي.

وتمثّل زيادة إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية والطاقة الحيوية، الأنواع الرئيسية للطاقة المتجددة، التي تسعى أوروبا لمضاعفة إنتاجها.

لكن الطاقة الكهرومائية واجهت تحدياً كبيراً هذا الصيف بعد أن شهدت أوروبا جفافاً نادراً قلّص منسوب مياه الأنهار والسدود التي تُستخدم في إنتاج الكهرباء وتبريد محطات الطاقة النووية.

كل هذه الموارد والحلول يمكنها توفير الحد الأدنى من احتياجات أوروبا من الطاقة لتعويض الغاز الروسي، إلا أن التحدي الأكبر هو تضاعف أسعار الكهرباء بما يفوق تحمُّل الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

بل يهدّد مصانع وشركات بالإغلاق، بما سيؤدي إلى ركود اقتصادي بالاتحاد الأوروبي سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي.

AA