"أوروبا حديقة وأغلب باقي العالم أدغال.. ويمكن للأدغال أن تغزو الحديقة" تصريحات لمسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خلال افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية الجديدة في مدينة بروغ البلجيكية، تسببت في حالة من الغضب والاستهجان حول العالم وأثارت تساؤلات عن العقلية الغربية "الاستعلائية" التي تتبنى هذه الأفكار.

أثارت تصريحات بوريل عاصفة من الانتقادات وردود الفعل الغاضبة على المستويين الرسمي والشعبي.

عربياً استنكرت وزارة الخارجية الإماراتية تصريحات بوريل، واصفة إياها في بيان رسمي بأنها تصريحات "عنصرية ومخيبة للآمال"

واستدعت الخارجية الإماراتية القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إيميل بولسن وطلبت تقديم تفسير مكتوب لتصريحات بوريل. واعتبرت الخارجية الإماراتية أن تعليقات بوريل "مخيبة للآمال، وتأتي في وقت تدرك فيه جميع الأطراف أهمية احترام الأديان والثقافات والمجموعات العرقية الأخرى، فضلاً عن قيم مثل التعددية والتعايش والتسامح".

فيما اعتبر وزير الدولة القطري حمد بن عبدالعزيز الكواري تصريحات بوريل "عنصرية وفلساً حضارياً وقيمياً"

وقال الكواري في تغريدة على حسابه بتويتر " "تصريح جوزيف بوريل، يعبر عن عنصرية واختلال توازن، وفلس حضاري وقيمي"، معتبراً أن "الغرب يفتقد القيادات القادرة على القرارات الشجاعة التي تتعامل مع القدرات الذاتية، وواقع الغرب بعد نهاية الاستغلال الاستعماري لعالم الجنوب إلى أين؟ وإلى أين يقود العالم؟".

من جانبه قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن تصريحات بوريل نابعة من ذهنية استعمارية مرفوضة.

وكتب كنعاني على تويتر يقول "استخدام تشبيه الحديقة والأدغال نابع من ذهنية استعمارية مرفوضة جملة وتفصيلاً، تعطي الغرب الحق في العدوان والاحتلال، لكن تلك الحقبة قد ولت، والعالم متعدد الأقطاب بات على الأبواب".

وبالرغم من أن بوريل قدم تبريرات لتصريحاته قائلاً إنها اقتُطعت من سياقها وإنه طالما عارض جميع أشكال العنصرية والازدراء، إلا أنها لم تكن المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا التشبيه، إذ استخدم عبارات مشابهة في مؤتمر استضافته النمسا حول مواجهة الأزمات بالاتحاد الأوروبي، ما يشير إلى أن التصريحات لم تكن عفوية، بل تعبر عن نهج فكري "استعلائي".

ولا تزال مشاهد الممارسات العنصرية التي تعرض لها المواطنون العرب والأفارقة والهنود وغيرهم من العالقين على حدود أوكرانيا مع الدول المجاورة في أثناء محاولتهم مغادرة البلاد هرباً من الحرب، عالقة في الأذهان. كما أن التصريحات التي أطلقها سياسيون وشخصيات أوروبية آنذاك تشير إلى استمرار نظرة الغرب الاستعلائية تجاه العالم، بالرغم من حديثهم المتكرر عن قيم الإنسانية والمساواة ونبذ العنصرية والتمييز.

عنصرية إعلامية ورياضية

لم تكن الحال مختلفة كثيراً في كثير من التغطيات الإعلامية للحرب على أوكرانيا وقضية اللاجئين الأوكرانيين، فقد كشفت هذه التغطيات أيضاً جانباً من العنصرية الغربية والفكر الذي يرى الأوروبيين أفضل من غيرهم من الأعراق.

"أعتذر.. لكن ما يحدث يثير المشاعر، لأني أشاهد أشخاصاً أوروبيين بعيون زرقاء وشعر أشقر.. أطفالاً يقتلون بصواريخ بوتين كل يوم" هكذا عبر مراسل BBC عن مشاعره وأسفه لما يحدث في أوكرانيا مشيراً، بدون قصد، إلى أن ما يحزنه هو تعرض أناس "أوروبيين" لهذه لمأساة، وكأن القتل والقصف وموت الأطفال لا يكون مؤسفاً إلا عندما يكون الضحايا من "أصحاب الملامح الأوروبية".

وتمتد العقلية "الاستعلائية" إلى الرياضة، إذ تعد أبرز الأمثلة على تلك الممارسات العنصرية والتمييز الذي يتعرض له لاعبو كرة القدم من ذوي الأصول الإفريقية والعربية في المنتخبات الأوروبية.

في سبتمبر/أيلول 2020 كشف لاعب المنتخب الفرنسي السابق باتريس إيفرا عن الممارسات العنصرية التي كان يتعرض لها هو وزملاؤه من ذوي الأصول الإفريقية، سواء من بعض المشجعين أو من إدارة المنتخب والتي وصلت إلى حد تشبيههم بالقردة، واستبعادهم من التقاط الصور مع رئيس الجمهورية حال زيارته للمنتخب.

ولم يسلم كريم بنزيما لاعب المنتخب الفرنسي وفريق ريال مدريد من الممارسات العنصرية، بسبب أصوله الجزائرية وانتمائه إلى الدين الإسلامي.

وفي 2016 أعلن بنزيما في مقابلة أجراها مع صحيفة "ماركا" الإسبانية أن ضغوطات عنصرية من قبل جانب من الشعب الفرنسي مورست ضد مدرب المنتخب ديديه ديشامب، كانت وراء استبعاده من تشكيلة المنتخب المشاركة في بطولة يورو 2016.

وفي 2018 أعلن مسعود أوزيل لاعب المنتخب الألماني من أصول تركية اعتزاله اللعب مع المنتخب بسبب ما يتعرض له من ممارسات عنصرية من قبل اتحاد الكرة وإدارة المنتخب.

وقال أوزيل في تغريدة على تويتر "في نظر غريندل (رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم) وأنصاره، فأنا ألماني عندما نفوز، لكنني مهاجر عندما نخسر".

حدائق الحيوان البشرية

بالعودة إلى تصريح بوريل حول الغابة والأدغال فإنه يذكرنا بتصريحات سابقة لرؤساء أمريكيين سابقين بعضهم وصف فيها الأفارقة بأنهم قردة وبعضهم قال إن الرجل الأبيض "خُلق ليحكم الرجل الأسود لأن الأخير أقل ذكاء ولا يمكنه حكم نفسه".

ويرى خبراء أن هذه التصريحات هي تعبير عن النظرة الاستعلائية للغرب والفكر الغربي المستمر منذ قرون، الذي يرى الأوروبيين أفضل من غيرهم من الأجناس، وعرقاً أكثر تطوراً في سلسلة التطور البشري، والذي أباح لهم "اصطياد" الأفارقة من بلادهم وإرسالهم للعمل عبيداً في أوروبا وأمريكا.

بل دفعتهم لوضع أناس من أعراق مختلفة معظمهم من إفريقيا في أقفاص تُعرض في حدائق في أوروبا، فيما عرف باسم حدائق الحيوان البشرية أو المعارض العرقية التي ظلت موجودة في الغرب حتى نهايات القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين.

TRT عربي