ماذا بين البروتستانت والكاثوليك؟
ماذا بين البروتستانت والكاثوليك؟
هل ثمة انفصال؟ إذا كان الجواب بالإيجاب استنادا إلي ما هو حادث في الوضع القائم فما السبب؟ الجواب عند اللاهوتي المعاصر بول تليخ. والذي يدفعني إلي انتقاء هذا اللاهوتي مردود إلي أنه مشهور بأنه ابن التراث الكنسي منذ عصر النهضة حتي الآن ولا ينافسه أحد في هذا الذي أدي إلي شهرته. فكرته المحورية أن ذلك التراث يكمن فهمه في سياق التأويل.
والتأويل عنده عبارة عن اتحاد مبدع بين الذي يمارس التأويل والنص الذي يخضع للتأويل وبين الاثنين طرف ثالث يتجاوز الطرفين الآخرين. ومغزي هذه العبارة أن ليس ثمة وقائع إنما ثمة تأويلات. ومن هنا يشتبك المؤول مع الواقعة إلي الحد الذي فيه يتجاوز فيه المؤول الواقعة وبالتالي لا يبقي سوي التطلع إلي ما ليس قائما, أي إلي المستقبل. ويتم هذا التطلع بفضل السمة الإبداعية للتأويل والكامنة في انتزاع المستقبل من الماضي. ومن هنا تكون مشاركة اللاهوتي في تجاوز التراث, وبالتالي يكون من الصعب تحديد هوية اللاهوتي. وأظن أن هذه الصعوبة ذاتها هي التي تسهم في إشاعة الروح المسكونية التي يلزم أن تتسم بها الكنيسة أيا كان اسمها. وفي هذا المعني يمكن الاستناد إلي كتاب كان قد أصدره أسقف وولوش جون روبنسون في مارس من عام 1962 عنوانه لنكن أمناء لله ويقع في 141 صفحة من القطع الصغير. وقد صدرت منه تسع طبعات في ذلك العام منها أربع طبعات في شهر مارس بيع منها 350000 نسخة. وقبل صدوره بأسبوع نشر روبنسون مقالا في جريدة أوبزيرفر تحت عنوان أن صورتنا عن الله يلزم أن تزول. أما الكتاب كله فيدور علي التدليل علي ضرورة إزالة مفهوم الله المفارق أو الله الذي هو فوق أو الله الذي هو هناك لأن مثل هذا الإله لا وجود له. وقد أيده اللاهوتي توماس التيزر في قوله أن المفهوم التقليدي عن الله من حيث هو مستقل عن العالم المخلوق ليس إلا أسلوبا مؤقتا من أساليب التفكير, وإسقاطا للاغتراب الذي يعاني منه الإنسان مع ذاته. وقد جاء الأوان للتحرر منه لأننا في حاجة إلي ايمان جديد ينبع من تصورنا أنه في حركة دائمة, وأن هذا الإيمان الجديد ينفي المفهوم الكلاسيكي عن الله.
والجدير بالتنويه بعد ذلك بأن كتاب أسقف وولوش قد صدر أثناء انعقاد المؤتمر الثاني للفاتيكان. ومن هنا كان تأثيره علي مساره وهو الأمر الذي دفعه إلي إصدار كتابا آخر عنوانه الإصلاح الديني الجديد؟ فكرته المحورية تدور حول إعلان ذلك الأسقف أن الإصلاح الديني الذي كان قد بدأه لوثر قد توقف. وكانت مهمة مؤتمر الفاتيكان انعاش ذلك الإصلاح واستكماله استنادا إلي المبدأ البروتستانتي الذي يعترض علي أي تمطلق تقوم به الكنيسة الكاثوليكية. إلا أن المفارقة هنا والتي استلزمت وضع علامة استفهام في نهاية عنوان ذلك الكتاب مردودة إلي أن القضايا ذاتها التي أدت إلي انفصال الكنيستين في القرن السابع عشر هي ذاتها التي أسهمت في عودتهما إلي بعضهما البعض. كما أنها مردودة إلي أن مساهمة البروتستانت لم تكن إرادية إلا أنها أدت دورا في تلك العودة بأسلوب عملي يتجاوز ما كان قائما علي هيئة عقيدة مطلقة. وفي صياغة أخري يمكن القول إن المبدأ البروتستانتي يعني في المقام الأول سوء التعامل بالسلطة إلي الحد الذي تنتهي عنده أن تكون هي ذاتها مطلقة. ومعني ذلك أن ما يمكن اعتباره سيئا بالصدفة هو سئ في الأساس, وبذلك يمكن القول إن لماحية الأسقف روبنسون تكمن في إعادة صياغة تاريخ المعتقد المطلق الذي يتلخص في الفاعلية المقدسة للطقوس والتي أفضت إلي قسمة المؤمنين إلي رجال دين وإلي جماهير الشعب. ومن هنا يلزم النقد لإزالة هذه القسمة وذلك بمنع ما هو نسبي من التحول إلي ما هو مطلق.
وعندما نقرأ الانجيل بدقة نلمح هذه التفرقة. في الأصحاح الثالث عشر من إنجيل متي يبدأ السيد المسيح كلامه بأمثال وبدون مثل لم يكن يكلمهم.
والأصحاح الرابع من إنجيل مرقس جاء فيه: وبأمثال كثيرة كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا. وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما علي انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء إذ كان يقول لهم من غير أمثال.