في أوج الحرب الأوكرانية، وتحديداً في الثامن من يوليو/تموز الماضي، أعلنت البحرية الروسية تسلمها غواصة "بيلغورود كاي-329" النووية، والملقبة بـ"غواصة يوم القيامة"، وذلك رغم الاعتقاد السائد لدى الغرب أن روسيا كانت تخبّئها للسيطرة على القطب الشمالي.

ومع تصاعد حدة التوترات بين روسيا والغرب بشأن الأزمة الأوكرانية، وتلويح سيّد الكرملين باستخدام السلاح النووي إذا اقتضت الحاجة، رصدت أجهزة الاستخبارات الغربية اختفاء الغواصة الروسية الأضخم في العالم من قاعدتها في القطب المتجمد الشمالي، وحذّر الناتو وقتها من أن الغواصة قد تكون في طريقها لاختبار أسلحة مدمّرة قادرة على إحداث "تسونامي نووي" وتدمير ومحو مدن بأكملها خلال دقائق.

وقبل أيام، رُصدت "غواصة يوم القيامة" الروسية وهي ترسو في ميناء في سيفيرودفينسك بالقرب من القطب الشمالي الروسي على بُعد 270 ميل من حدود حلف شمال الأطلسي، فيما يُنظر إليه على أنه "أحدث تحذير" من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرب، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "ذا صن" البريطانية الاثنين.

وبشكل مخالف لأعراف وزارة الدفاع الأمريكية التي لا تُعلن أماكن وجود غواصاتها النووية، أعلنت القيادة الأمريكية الوسطى إن الغواصة النووية الأمريكية "يو أس أس وست فيرجينيا" المحمّلة صواريخ باليستية موجودة في المياه الدولية في بحر العرب، وقد زارتها قائد القيادة الجنرال مايكل-إيريك كوريلا الخميس.

اقرأ أيضاً:

الغواصات النووية

أبرز ما يُميّز الغواصات النووية عن تلك التقليدية، هي عملها بالطاقة النووية التي يزوّدها به مفاعل نووي داخلي، والذي بدوره يمنح الغواصة العديد من المزايا التي لا تملكها الغواصات العاملة بالديزل. والغواصات النووية قادرة على البقاء لمدد طويلة في رحلات بعيدة من دون الحاجة للتزود بالوقود، فالوقود النووي هو كمية صغيرة بمقارنتها بكميات هائلة من زيت الديزل، مما يضطرها للرسوّ بين الحين والآخر لتعبئة الديزل.

وبشكل أساسي، تعمل الغواصات النووية في عُرض البحار والمحيطات بعيداً عن الشاطئ، وتستطيع الغوص إلى عمق يبلغ مئات الأمتار تحت سطح البحر. كما تستطيع الحركة بسرعة فائقة في عرض المحيطات، غير أنّها لا تتمتع بنفس الخصائص المذكورة عند سيرها في مياه ضحلة بقرب السواحل.

ولسنوات طويلة يصل إلى حدّ عمرها الذي يبلغ نحو 25 سنة، إذ لا تحتاج إلى إعادة التزوّد بالوقود طوال تلك السنوات. وبطبيعة الحال مدة بقائها تحت سطح البحر محددة بعامل الإنسان الذي يحتاج إلى غذاء، فلا بدّ بين حين وآخر من الرسوّ وتلقّي تموين الغذاء للبحّارة من أحد الموانئ.

من الدول التي تملك غواصات نووية؟

هناك 6 دول حول العالم فقط تمتلك وتشغل غواصات نووية، وهي: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وجمهورية الصين الشعبية والهند. وبموجب الاتفاقية الأمنية الموقعة في سبتمبر/أيلول 2021، ستزوّد أمريكا وبريطانيا أستراليا بالتكنولوجيا اللازمة لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، وذلك بعدما ألغت كانبيرا طلبية بقيمة 66 مليار دولار لشراء غواصات تعمل بالديزل من فرنسا، الأمر الذي أثار غضب باريس واصفةً الخطوة بأنها "طعنة بالظهر".

أول من امتلك الغواصات النووية كانت الولايات المتحدة عندما أنتجت غواصة "يو إس إس نوتيلوس" في عام 1954، والتي كانت أول غواصة تصل إلى القطب الشمالي عام 1958، ومن خلالها اكتُشف ممر بحري شمالي غربي. وبموجب اتفاقية اتفاقية الدفاع المشترك التي أبرمت في عام 1958 بين واشنطن ولندن، نقلت الولايات المتحدة تكنولوجيا صناعة الغواصات النووية إلى المملكة المتحدة.

في عام 1957، أطلق الاتحاد السوفيتي أول غواصة تعمل بالطاقة النووية "لينينسكي كومسومول كاي-3". فيما استهلت الصين أولى تجاربها مع الغواصات النووية عام 1987، وكان لدى الهند أول غواصة لها عام 2012.

ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، يوجد اليوم في العالم أكثر من 150 غواصة نووية، تمتلك الولايات المتحدة 68 غواصة نووية، يليها في الترتيب روسيا بـ29 غواصة، ثم الصين بقوة 12 غواصة، وبريطانيا 11 غواصات وفرنسا 8 غواصات، وأخيراً الهند بغواصة نووية واحدة.

أهميتها الاستراتيجية

بحسب معهد "IISS"، تمتلك 42 دولة على الأقل 485 غواصة عسكرية، معظمها تعمل بالديزل والكهرباء. في حين تُعتبر كوريا الشمالية صاحبة أكبر أسطول غواصات حول العالم، مع 71 غواصة غير نووية.

وبينما تتطلب محركات الغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء الهواء والوقود للعمل، مما يعني أنها بحاجة إلى الظهور مرة أخرى بشكل متكرر، مما يسهّل اكتشافها، تستطيع الغواصات العاملة بالطاقة النووية البقاء متخفية لسنوات تحت الماء، مقيدة بشكل فعال فقط باحتياجات أطقمها من الغذاء والماء، مما يحدّ من اكتشافهم.

وإلى جانب قدرتها على البقاء لفترات طويلة تحت الماء وتمكّنها من قطع المحيطات بسرعة وسهولة، يساعد الحجم الكبير للغواصات النووية على تجهيزها بمخزونات كبيرة من الطوربيدات والصواريخ ذات الأحجام الكبيرة، فضلاً عن تزويدها بغواصات مُسيّرة مصممة لتنفيذ مهام استخباراتية وحربية.

تجدر الإشارة إلى أن الغواصات النووية والتقليدية قادرة على حمل رؤوس نووية. لكن الغواصات النووية ليست جميعها قادرة على إطلاق صواريخ باليستية. فمن بين الـ68 غواصة نووية في حوزة الأسطول الأمريكي، 14 منها عبارة عن غواصات استراتيجية تعمل بالطاقة النووية للصواريخ الباليستية (SSBNs). وكذلك الحال بالنسبة لروسيا، فـ11 غواصة فقط من بين 29 غواصة نووية قادرة على إطلاق صواريخ بالستية بعيدة المدى.

TRT عربي