عثمان ميرغني
خطورة ما يجري في إقليم النيل الأزرق أنه جمع بين بارود خطاب الكراهية وسوء الأجندة السياسية مع فوضى هياكل الدولة السودانية.
والمعلوم للجميع أن إقليم النيل الأزرق يتمتع بالحكم الذاتي وفق اتفاق السلام الموقع في عاصمة جنوب السودان جوبا في 3 أكتوبر 2020م، ومع تقديرنا للاتفاق وحرمة المساس به طالما هو عهد واجب التنفيذ إلا أن ما أبرز الخطايا في الاتفاق هو استحداث مستويات حكم لا تنسجم مع بقية مكوِّنات الدولة السودانية.
في دارفور صنعت الاتفاق إقليماً في وجود الولايات بشكلها ومراسيمها وتفويضها القديم، فأصبحت حكومة الإقليم مجرَّد جسم غريب في سياق التراتبية الهيكلية من المركز إلى أدنى مستوى في الأحياء، ولا يزال إقليم دارفور لا يتمتع بقانون أو سلطات دستورية، بل مجرَّد وجود افتراضي أشبه بالترضيات التي تستهدف إرواء ظمأ السلطة أكثر من خدمة المواطن وتمتين إدارة الوطن.
الوضع ذاته في إقليم النيل الأزرق، فهو أقرب إلى منحة مهداة إلى أحد أطراف عملية السلام بمناسبة قبوله التوقيع على الاتفاق دون حساب لمصالح المواطن المتصلة بهذه الترتيبات أو حتى أثرها مستقبلاً على سلامة جسم الدولة السودانية.
وقد بدأ حصاد هذا الوضع المختل مبكِّراً، ففي دارفور ارتفعت وتيرة المعارك القبلية بأكثر مما كانت عليه قبل توقيع اتفاق السلام، ولم تكن حكومة الإقليم قادرة على ممارسة أية سلطة لفض النزاعات لكونها منزوعة السلطات ووجودها افتراضي لا يمس الأمر الواقع مهما وقعت الواقعة.
لكن خلافاً لما يحدث في دارفور، فإن ما يرى في النيل الأزرق قد يخرج تماماً عن السيطرة ويمتد حريقه إلى ولايات أخرى بما فيها المركز، فهو إقليم متاخم لحدود مع دول أخرى، بما يساعد على توسيع ميدان المعركة، خاصة مع توفر النوايا لاستثمار هذا الموقع الجغرافي الفريد.
والأخطر من كل هذا الأجندة التي تأتي من تلقاء المركز، وتحاول استثمار القتال الأهلي لحصد مزيد من المكاسب السياسية، فالمعلوم لدى الكل وعلى رأسهم الحكومة أن المعادلات القبلية في إقليم النيل الأزرق باتت في صلب اللعبة السياسية التي تدار من المركز، ويدفع المواطن المغلوب على أمره ثمن ذلك من ماله وعرضه، بل ودمائه التي تسال بلا وجيع.
من الحكمة تدبُّر أمر ما يجري في النيل الأزرق، فالحرب التي تدور هناك تحرِّكها أصابع هنا.
