هي الأعنف بعد 8 شتنبر: قضية جامع المعتصم التي هزت «البيجيدي» من ألفها إلى يائها


محمد كريم بوخصاص

الثلاثاء 25 أكتوبر، وبينما خرجت من إحدى فيلات إقامة رئيس الحكومة صورة لقائه بممثلي أحزاب المعارضة، لم يذهب تركيز كثيرين إلى طبيعة هذا اللقاء الأول من نوعه ومضمون النقاش الذي ساده، واتجه فضولهم إلى معرفة سبب غياب عبد الإله ابن كيران الذي أوفد نيابة عنه نائبه الأول جامع المعتصم، في وقت مثل أحزاب الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية زعماؤها.

لم يدم هذا الفضول طويلا بعدما تبين أن ابن كيران اعتذر لأخنوش عن حضوره لعدم رغبته في لقاء كبير الاتحاديين إدريس لشكر وجها لوجه ومجالسته تحت سقف واحد، لكن قنبلة مدوية ستنفجر ساعات بعد ذلك، لا يُعرف مفجرها، تتعلق بمبعوث ابن كيران للقاء، والذي ظهر أنه يضع على رأسه قبعتين لا يضعهما رجل واحد في الآن ذاته له عقل وقلب سليم، أولاهما قبعة المسؤول الثاني بحزبٍ في المعارضة والثانية قبعة «مكلف بمهمة» في ديوان رئيس الحكومة !!

ولأن المهمات المزدوجة التي يضطلع بها رجلٌ واحد تتسم غالبا بالسرية التامة، فإن أعضاء بديوان رئيس الحكومة تفاجؤوا بأن المعتصم زميلهم منذ أكثر من عام دون أن يعلموا بذلك، ونفس الأمر بالنسبة لأعضاء بالأمانة العامة للعدالة والتنمية الذين لم يكونوا على علم بأن قائدهم الثاني يؤدي «مهمات» لمن قالوا عن نتيجة فوزه بالانتخابات إنها «غير مفهومة وغير منطقية». وحده ابن كيران ودائرته المقربة جدا كانوا يعرفون سِرَّ هذه المهمة العجيبة التي تنطوي على ازدواجية غير مألوفة وعصية على الفهم.

هذه الوضعية المعقدة ستتحول سريعا إلى كرة ثلج تتدحرج بعد أن ارتسمت في ذهن كثيرين صورة كاريكاتورية عن المعتصم الذي يجمع ما لا يجتمع، والذي يُسهِم في الصباح في صياغة قرارات رئيس الحكومة بالمشور السعيد ويعارضها في المساء من حي الليمون حين يرتدي جلباب نائبٍ لصديقه ابن كيران الذي لا يعترف بمسار 8 شتنبر وقال يوما إن «أخنوش ليس لديه «الغاباريه» ديال رئيس الحكومة»!!

فكيف انفجرت هذه القنبلة في بيت العدالة والتنمية المهترئ أصلا؟ وما هو نطاق ارتداداتها؟

المعتصم كما هو !

يعتبر جامع المعتصم شخصية محورية داخل العدالة والتنمية وإن كان لم يكتسب شهرة واسعة كغيره من قيادات الحزب، ويعود ذلك أساسا إلى حرصه على التواري إلى الخلف و»صمته» عن الكلام في غير موضِعِهِ، لكن هذا الرجل السوسي المنحدر من تزنيت سيجد نفسه في قلب حدثين فارقين في مسار الحزب، أولهما حين قضى شهرا في الاعتقال سنة 2011 في ملف يتعلق بـ»اختلالات» في تدبيره لجماعة سلا، صاحبه لغط كبير أخرج حزبه للاحتجاج في الشارع وتزامن مع حراك عشرين فبراير، قبل أن ينعم بالحرية قبل انتهاء التحقيق التفصيلي وينتقل من أسوار السجن إلى ضيافة الملك محمد السادس في أقل من 48 ساعة ليعين عضوا في أول مجلس اقتصادي واجتماعي يعرفه المغرب. وثانيهما لما اكتشفه المغاربة في موقعي: «صناعة القرار الحكومي ومعارضته!».

بين هاتين المحطتين، كان المعتصم رجل الظل في رئاسة السلطة التنفيذية، بعدما عينه عبد الإله ابن كيران مديرا لديوان رئيس الحكومة، واستمر في منصبه بعد مجيء سعد الدين العثماني، ليكون أول قيادي حزبي يتولى هذه المهمة البالغة الحساسية لعشر سنوات كاملة عبر تاريخ الحكومات المغربية.

وفي ظل عمله في هذا المنصب، كان المعتصم قناة الوصل بين رئيس الحكومة والوزراء، وغالبا ما كان المخاطب الأول والأخير سواء عند الحسم في قرارات الحكومة أو التنسيق بين الفاعلين فيها، وقد ساعده لطفه وضبطه للملفات واحترافيته وعلاقاته الجيدة مع الجميع ـ كما عبر عن ذلك وزير سابق في حكومة ابن كيران – في أن يكون الشخص المرغوب في التواصل معه دائما، خاصة بعد وفاة وزير الدولة عبد الله بها، وهذه القيم والخصال التي يتمتع بها هي ما دفعت عزيز أخنوش إلى الاحتفاظ به ضمن طاقمه الذي يشتغل معه والاستفادة من خبرته.

تفاصيل التكليف بـ «مهمة»

رغم أن السطر الأول لقصة تكليف أخنوش للمعتصم بمهمة في رئاسة الحكومة كُتِبَ في مراسيم تسلم المهام بين رئيس الحكومة المنتهية ولايته والجديد في 8 أكتوبر، فإن استيعاب الأسطر الأولى يفرض الرجوع إلى ما قبل البدء في الكتابة، وتحديدا إلى الساعات الأولى لظهور نتائج اقتراع 8 شتنبر، حين وجه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مدير ديوانه المعتصم إلى الانخراط مبكرا في مسطرة إنهاء مهام الفريق الذي كان ما يزال يُرَافقه، بعدما كان قد هيأ السُّبُلَ لإلحاق مستشار مقرب منه بمؤسسة للحكامة (الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة)، وهو الاستعجال الذي مازال يَعِيبُهُ مستشاروه حتى الآن الذين مازال بعضهم ـ ممن ليسوا موظفين عموميين – يُعَاني من العطالة.

في تلك الفترة، طبق المعتصم تعليمات العثماني وأرجع كل المشتغلين في ديوان رئيس الحكومة إلى وظائفهم الأصلية أو إلى منازلهم بالنسبة لموظفي القطاع الخاص، بما في ذلك نفسه، وغادر كغيره مقر رئاسة الحكومة الذي قضى فيه عشر سنوات كاملة، لكن الذي حصل ـ وفق المعلومات التي جمعتها «الأيام» – أن رئيس الحكومة الجديد قرر الاحتفاظ به ضمن الطاقم الذي سيشتغل معه، وتلقى هذا الخبر من أخنوش نفسه، حين ذهب للقائه بمقر رئاسة الحكومة لتسوية ملف أحد مستشاري العثماني كان يحتاج تدخل رئيس الحكومة، وبعد أن أبدى تحفظه على قراره، قال له أخنوش إنه «سيرى ما يجب فعله في قادم الأيام».

كانت المراسلة التي تهم عودته إلى وظيفته الأصلية في وزارة التربية الوطنية قد وصلت إلى مصلحة الموارد البشرية بالوزارة، وبينما كان المعتصم ينتظر توصله بقرار «استئناف العمل بوظيفته كأستاذ»، علم بمراسلة رئيس الحكومة إلى نفس المديرية لإبطال القرار وإعادته إلى رئاسة الحكومة، حينها لم يجد بدا من قبول الوضع الجديد، خاصة بعد أن عرف أنه «مكلف بمهمة» وليس «مستشارا»، وإن كانت كلتا الصفتين لهما دلالة سياسية، وتعنيان الاشتغال في ديوان رئيس الحكومة.

ولأن الإسلاميين دخلوا في خصومة مع أخنوش منذ بلوكاج 2016 بلغت ذروتها بعد انتخابات 8 شتنبر 2021، فإن البعض منهم اعتبروا أن الاحتفاظ بالمعتصم في رئاسة الحكومة كان بنية مبيتة من أخنوش، وعلى رأسهم عبد العزيز أفتاتي الذي اعتبر أن ما حصل تم بـ»خلفية مضرة بالحزب ومشوشة بالمعتصم»، لكن قياديا تجمعيا نفى ذلك لـ»الأيام» لاعتبارين اثنين: أولهما العلاقة الخاصة التي تجمع أخنوش بالمعتصم والتي تجعله لا يتمنى له أن يسقط في أي متاعب فما بالك أن يكون سببا فيها، وثانيهما انعدام الحرج لديه لضم أي شخص لفريقه يمكنه تقديم الإضافة، قبل أن يضيف أن «تقدير الخطأ من الصواب في هذه النازلة منذ بدايتها هو مسؤولية المعتصم».

التقدير الغائب !

يبقى التقدير السياسي هو مفتاح عقدة هذه القصة، والتي يبدو أن بطلها لم يستشعر ذلك، وأيضا ابن كيران الذي بقي أفق نظره منصبا حول ما سماه «مساعدة المعتصم لأخنوش في خدمة الوطن» دون أن ينتبه إلى سقوطه في ازدواجية عجيبة، خاصة أنه ما فتئ يعتبر أن أخنوش لا يخدم مصلحة الوطن، وهو ما يعني أن المعتصم شريك في ذلك، اللهم إن كان يعتبر أن كل ما يباشره المعتصم من أي موقع كان أو يدخل فيه يكون في مصلحة الوطن أو أنه هو ما يضفي مصلحة الوطن على أعمال أخنوش!!».

المؤكد أن ابن كيران الذي لا يخونه في العادة حدسه السياسي سقط في الامتحان هذه المرة، لكن الظاهر أن المعتصم كان يستشعر وضعيته «الشاذة»، والتي تختلف عن وضعية عزيز رباح عندما كان مستشارا للوزير الأول التقنوقراطي إدريس جطو (2002-2007)، الذي كان حريصا على ضم قياديين من أحزاب المعارضة إلى ديوانه، وصوت البيجيديون لصالح تصريح حكومته في البرلمان، لذلك عمد المعتصم مباشرة بعد انتخابه نائبا أولا للأمين العام نهاية أكتوبر 2021، إلى التواصل عدة مرات مع رئيس الحكومة بهدف إنهاء وضعية إلحاقه برئاسة الحكومة، لكن ظل أخنوش متشبثا به، وهو ما استجاب له.

مع ذلك، لم ينتبه المعتصم إلى الخطورة التي تنطوي عليها وضعيته إلا بعد تفجر قضيته بحر الأسبوع الماضي، وارتفاع موجة الاستنكار الداخلي والخارجي التي انطلقت عقب صدور «توضيح» الحزب الذي بدل أن يطفئ نار الغضب أججها، إذ لم يخف ابن كيران في حديثه مع مقربين منه، وفق إفادة مصدر مطلع، خطأه في تقدير المآلات، لكن لم يكن ممكنا اعترافه بذلك علنا بعدما رأى سفن حزبه تحترق في اليابسة فخرج في «لايف» خَيَّرَ فيه الأعضاء بين الكف عن الموضوع أو استقالته من قيادة الحزب.

والظاهر أن رسالة ابن كيران التقطتها قيادة الحزب قبل قواعده، تجلى ذلك في تجند كل أعضاء الأمانة العامة للدفاع عن المعتصم وانتقاد منتقديه، رغم أن جلهم لم يكونوا على علم بهذه الازدواجية، وعرفوا بخبرها مثلهم مثل عموم المغاربة، وربما السبب في نظرهم هو أنه أكبر من أن يُتَّهَمَ بأنه جرى وراء مصلحة أو منفعة، لكونه «رمز الاستقامة» كما قال عضوان منهما.

نهاية معلقة !

لم تنته فصول القصة عند هذا الحد، ففجأة خرج جامع المعتصم عن صمته، ووجه رسالة استقالته من عضوية الأمانة العامة يوم الجمعة 28 أكتوبر إلى عبد الإله ابن كيران الأمين العام للحزب، تفاعلا مع التداعيات التي خلفها نشر خبر شغله مهمة بمصالح رئاسة الحكومة من جهة، واختلاف تأويلات وتقديرات عدد من أعضاء الحزب من جهة أخرى، لتنطلق موجة من الانتقاد والسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي لكون المعتصم اختار التضحية بالحزب للاشتغال تحت إمرة رئيس الحكومة، فيما لم تكن تلك هي الحقيقة، فقد كان المعتصم قد وضع قبل ذلك بساعات طلب إنهاء إلحاقه برئاسة الحكومة على طاولة رئيس الحكومة.

بالنسبة للأمانة العامة لحزبه التي اجتمعت في اليوم الموالي (السبت)، فقد قررت بناء على نتائج التصويت السري، رفض استقالة المعتصم من عضوية الأمانة العامة، بالإجماع، في وقت أكد عضو بالأمانة العامة ألا أحد من الأعضاء الحاضرين في الاجتماع خالف هذا الرأي، وأن الجميع كان مقتنعا بضرورة استمراره في منصبه، بحكم أن خطأه في التقدير السياسي هو وابن كيران لا يستدعي كل هذه الضجة، وكلفت لجنة ضمت عددا كبيرا من أعضائها بزيارته في بيته، ترأسها رئيس المجلس الوطني للحزب إدريس الأزمي.

لم يجد المعتصم شيئا ليقوله لضيوفه الذين حلوا ببيته في نفس اليوم، وفق إفادة واحد منهم، وكان ما يزال تحت الصدمة من حجم الانتقاد الذي تعرض له وتضررت منه أسرته، والذي تفاقم بعد ظهور رسالة استقالته من الأمانة العامة للحزب دون طلب إعفائه من مهمة رئاسة الحكومة، حيث لم يكن يعتقد أن الحزب سينشر استقالته للعموم، فيما لم يعمد إلى نشر طلب إعفائه من «مكلف بمهمة» لأن الوثيقة إدارية ولا يجوز ـ طبقا للأعراف ـ نشرها، لكن القيادات التي زارته غادرت وهي مقتنعة من عودته إلى بيته الذي لن يصبر على فقده وهو الأمانة العامة.

مصدر مقرب من رئيس الحكومة: القصة الكاملة لـ «مهمة» المعتصم

كان عزيز أخنوش يعرف جيدا جامع المعتصم وعاشره عن قرب خلال فترة توليه حقيبة الفلاحة والصيد البحري في حكومتي عبد الإله ابن كيران وسعد الدين العثماني حين كان المعتصم مدير ديوان، لكن تشبثه به جاء خلال فترة تسلمه المهام خلفا للعثماني، حيث أظهر المعتصم كفاءة كبيرة في ضبطه للملفات وحرصه على أن يحيط أخنوش علما بكل ما يهمه لبدء مرحلة جديدة في رئاسة الحكومة، وهو ما أثار إعجاب أخنوش وانبهاره أكثر بكفاءته ليعرض عليه البقاء في رئاسة الحكومة مكلفا بمهمة، يقول مصدر مطلع في حديث لـ»الأيام»، لكن المعتصم لم يبدِ أي حماسة لقبول عرضه وعبر عن رفضه له، قبل أن يوافق أمام إصرار أخنوش على أن يكون جزءا من الفريق المشتغل معه.

بالنسبة لأخنوش، يحكي المصدر، فإنه لا مشكل لديه في أن يكون ضمن طاقمه كفاءة بيجيدية أو من أي حزب آخر سواء في المعارضة أو الأغلبية، فهو «يشتغل بمنطق رجل الدولة، والمحدد الوحيد في اختيار مساعديه هو أن يكونوا مغاربة وذوي كفاءة» كما أن أخنوش لم يكن يعتقد أن خروج هذا الخبر للعلن سَيُثِير كل هذا اللغط، فهو كان حريصا على أن يتعامل مع المعتصم كما يتعامل مع المكلفين بمهمة في ديوانه، وقد استقبله أكثر من مرة في مكتبه.

ويتابع مصدرنا موضحا: «بعد أن وضع المعتصم طلب إنهاء تكليفه بالمهمة برئاسة الحكومة، حرص رئيس الحكومة على الاتصال به وحثه على البقاء في منصبه، قبل أن يقبل على مضضٍ قرار المعتصم ويوقع على إنهاء مهامه يوم الاثنين 31 أكتوبر».

تاريخ الخبر: 2022-11-10 15:19:17
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 65%
الأهمية: 76%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية