خرج المئات للتظاهر في محافظة سيستان بلوشستان جنوبي شرق إيران الجمعة حسبما أظهرت مقاطع مصورة نشرت على الإنترنت، بعد ستة أسابيع على مقتل العشرات في حملة أمنية نفّذتها السلطات في المنطقة بحسب مجموعات حقوقية.

وهتف رجال خرجوا من مساجد في زاهدان بعد صلاة الجمعة "الموت لخامنئي"، بحسب تسجيل مصور نشرته منظمة حقوق الإنسان في إيران.

وكانت قوات الأمن الإيرانية قتلت أكثر من 90 شخصا بعد أن فتحت النار على المتظاهرين الذين خرجوا بعد صلاة الجمعة في 30 سبتمبر/أيلول في زاهدان، عاصمة سيستان بلوشستان الواقعة على الحدود الجنوبية الشرقية لإيران مع باكستان، وفق ما ذكرت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو.

وجاءت تلك المظاهرة بعد أسبوعين على اندلاع احتجاجات في أنحاء البلاد منددة بوفاة مهسا أميني. وبينما انطلقت المظاهرات في البداية نتيجة الغضب السائد حيال قواعد اللباس المطبقة على النساء، تحولت لاحقا لحراك أوسع ضد النظام الديني الممثل بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

مقتل 304 شخصا منذ اندلاع الاحتجاجات

وتفيد المجموعة الحقوقية في النرويج بأن 304 أشخاص على الأقل قتلوا في أنحاء البلاد منذ اندلعت الاحتجاجات في 16 سبتمبر/أيلول. وهي تؤكد أن حوالي ثلث هؤلاء قتلوا في سيستان بلوشستان، بينهم 92 شخصا على الأقل لقوا حتفهم في 30 سبتمبر/أيلول الذي أطلق عليه ناشطون "الجمعة الدامي".

كما تأتي المظاهرات الأخيرة بعد أسبوع من مقتل أكثر من عشرة أشخاص في حملة أمنية نفّذتها قوى الأمن في خاش، وهي مدينة أخرى في سيستان بلوشستان. 

وأظهر تسجيل مصوّر نشر على منصات التواصل وتحققت فرانس برس من صحته خروج مظاهرات مجددا في خاش الجمعة، حيث شوهد عشرات من عناصر شرطة مكافحة الشغب يتحركون باتجاه احتجاجات في إيران شهر، وهي مدينة أخرى في نفس المحافظة.

وشوهدت قوات الأمن لاحقا تطلق الغاز المسيل للدموع على المحتجين في أحد شوارع إيران شهر، بحسب تسجيل مصور نشرته قناة "1500 تصوير" على الإنترنت.

وأفادت منظمة العفو الدولية بأن 18 متظاهرا ومارا ومصليا على الأقل، بينهم طفلان، قتلوا في الحملة الأمنية على الاحتجاجات "السلمية إلى حد كبير" التي خرجت في خاش في 4 نوفمبر/تشرين الثاني.

مطالب بتحرك دولي عاجل

في المقابل، قالت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء إنّ نداءات "أعداء الثورة" استمرت لمدة أسبوع لإثارة المشاكل بعد 40 يوما على فشل حادثة زاهدان. وأضافت أن المصلين عادوا إلى بيوتهم من أكبر مسجد سني في إيران في زاهدان من دون حوادث، باستثناء ترداد بعض الشعارات المناهضة للحكومة.

كما قالت الوكالة إن أمكنة أخرى من بينها خاش وإيرانشهر وراسك لم تشهد سوى "مظاهرات صغيرة" مع هتافات مناهضة للحكومة. وأشارت إلى أن المتظاهرين في إيرانشهر توجهوا من مسجد سني باتجاه مركز للشرطة وألقوا الحجارة عليه حتى تدخلت قوات الأمن. وأفادت تسنيم بأن السكان أحرقوا الإطارات في راسك مما أدى إلى إغلاق الطريق المؤدي إلى ميناء تشابهار لفترة وجيزة.

من جهة أخرى، ذكرت منظمة العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقرا بأنها سجلت أسماء مئة متظاهر على الأقل قتلتهم قوات الأمن في سيستان بلوشستان منذ 30 سبتمبر/أيلول، لكنها أضافت أن العدد الفعلي أعلى بكثير.

ودعت المنظمة المجتمع الدولي للقيام بـ"تحرك عاجل لمنع وقوع المزيد من عمليات القتل للمتظاهرين في محافظة سيستان بلوشستان وباقي أنحاء إيران". وأضافت أن "على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يساعد في كسر دوامة الحصانة المنهجية هذه عبر وضع آلية مستقلة للتحقيق والمحاسبة للتحقيق في الجرائم".

"الإعدام لسحق الاحتجاجات"

ووسط عمليات التوقيف واسعة النطاق، تم توجيه اتهامات لألف شخص حتى الآن بينما يشير ناشطون إلى أن العديد منهم يواجهون عقوبة الإعدام. وأثار خبراء حقوق إنسان في الأمم المتحدة قضية هؤلاء الجمعة داعين السلطات الإيرانية إلى "وقف استخدام عقوبة الإعدام أداة لسحق الاحتجاجات".

في المقابل، اتهم وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان حكومات غربية "بالتشجيع على العنف وتعليم (المتظاهرين) كيفية صنع أسلحة وزجاجات مولوتوف في إيران من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام".

وفي اتصال أجراه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، انتقد الدبلوماسي الإيراني البلدان الغربية التي طالبت بعقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لبحث الرد الإيراني على موجة الاحتجاجات الأخيرة.

ورأى عبد اللهيان وجوب عقد جلسة من هذا النوع للتطرق إلى "الحكومات التي تروج للعنف والإرهاب، وليس (إيران)، المدافعة الحقيقية عن حقوق الإنسان والتي مارست ضبط النفس بدرجة كبيرة تجاه أعمال الشغب الأخيرة".

وطلبت ألمانيا وآيسلندا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الجمعة عقد جلسة عاجلة بشأن الاحتجاجات في إيران. وفي رسالة وجهاها إلى رئاسة المجلس، دعا سفيرا البلدين لدى الأمم المتحدة في جنيف إلى عقد "جلسة خاصة.. بشأن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خصوصا في ما يتعلق بالنساء والأطفال". ويتطلب تنظيم جلسة خاصة موافقة 47 دولة عضوا في المجلس.

"مهسا أميني في مونديال قطر"

وشاركت في الحملة الأمنية شرطة مكافحة الشغب والحرس الثوري وعناصر من قوات الباسيج شبه العسكرية التابعة للحرس (العديد منهم بلباس مدني).

إلا أن قائد القوات البرية في الجيش الإيراني العميد كيومرث حيدري قال الخميس إن قواته تنتظر أوامر خامنئي للتدخل في مواجهة المظاهرات، مشددا على وجوب عدم إساءة تفسير امتناع الجيش عن التدخل حتى الآن. وقال حيدري: "إذا لم يردّ المجتمع الثوري حتى اليوم، فذلك لأن المرشد الأعلى هو الذي قرر ذلك". مضيفا: "لكن في اليوم الذي يصدر فيه (المرشد) الأمر بالتعامل معهم (المتظاهرين)، فلن يكون لهم مكان في بلادنا".

ونفّذت السلطات الإيرانية حملة اعتقالات واسعة لإخماد الاحتجاجات طالت رياضيين ومشاهير وصحافيين.

ودعا ناشطون جماهير كرة القدم الذين سيحضرون كأس العالم في قطر الذي يبدأ في وقت لاحق هذا الشهر إلى ترديد اسم أميني في الدقيقة 22 من كل مباراة يلعب فيها الفريق الإيراني، إذ كانت تبلغ 22 عاما لدى وفاتها.

 وقالت الناشطة الإيرانية مسيح علي نجاد، المقيمة في نيويورك، على تويتر: "ساعدونا في تخليد ذكرى مهسا أميني ومحاربة هذا النظام الوحشي. رددوا مهسا أميني في الدقيقة 22 من كل مباراة في كأس العالم".

ومن المرتقب أن يتواجه منتخب إيران مع إنكلترا خلال مباريات كأس العالم في 21 نوفمبر/تشرين الثاني وويلز في 25 منه قبل أن يواجه المنتخب الأمريكي في 29 من نفس الشهر.

فرانس24/ أ ف ب