الألحان القبطية حَفِظَتْ موسيقانا الفرعونية (٤)


عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق أولا عن علاقة الموسيقى القبطية بالفرعونية ودور معلم الألحان (العريف) في الحفاظ على هذا التراث الإنساني الموسيقي الروحاني، واليوم إريد أن أستكمل معك في هذا المقال الحديث عن القدرة التعبيرية لهذا التراث الموسيقي الروحي.

فالألحان القبطية تقدمها الكنيسة القبطية للمؤمنين في طقوسها المتنوعة على مدار السنة الطقسية، في صورة متكاملة، يكون فيها ملابس كهنوتية، وإضاءة وبخور وأيقونات، وتحركات طقسية من سجود وتضرع إلى إنحناء الرأس وإنحناء للركب ودوران في زفات ودورات طقسية. هذا التكامل ربما ألهم العالم الغربي بفكرة القالب الموسيقي الغنائي “الأوبرا”، حيث الغناء وسط ديكورات وإضاءات وأثناء حركة الأبطال والمنشدين وهم يرتدون الملابس ويستخدمون ماكينات تصاعد الدخان ليتم محاكاة مافعلته الكنيسة القبطية منذ ألفي عام. لهذا وصفت الموسوعة القبطية الألحان القبطية بأنها: “تعبيراً عن فخر وإيمان مستمر مازال حياً لليوم بين الأقباط كـأثر لتقليد حقبة قديمة”.

ولأن الألحان القبطية هي الإمتداد الطبيعي للموسيقى الفرعونية القديمة، لذا فقد حملت بين أطيافها المقامات الموسيقية والأوزان والضروب والصيغ والقوالب التي كان يستخدمها المصريون القدماء في معابدهم، بل وحملت أيضاً بعضاً من الخلايا الموسيقية التي من الطبيعي ان تظل في وجدان هؤلاء المؤلفين الموسيقيين المصريين القدماء عندما دخلوا الى الإيمان المسيحي، لتنضح على مؤلفاتهم الموسيقية التي للإيمان الجديد.

إن الألحان القبطية لم تكن يوماً ما نغماتاً مرصوصة بهدف التسبيح فحسب، لكنها قد وُضعت إنما لتعبر عن كلمات هذه الألحان تعبيراً دقيقاً، ليس لتعبر عن الكلمات فقط، بل أيضاً عن الحالة الروحية التي تحياها الكنيسة وقت التسبيح بها. لذا صارت هذه الألحان تنفذ إلى كل قلب إنسان حتى لو كان لا يُدرك معاني كلماتها، فالنغمات صارت هي المترجم الفوري لكلمات الألحان التى تم صياغتها باللغة القبطية، وأحياناً باللغة اليونانية.

والألحان القبطية هي ألحاناً تعبيرية، لذا قد صار الخط اللحني(اللحن الأساسي) فيها هاماً، وقد حرص آباء الكنيسة المؤلفين الملهمين بالروح أن يكون هذا الخط اللحني غنياً ثرياً. ولكي يصير واضح المعالم، لم يتم مصاحبته بنغمات أخرى متوافقة هارمونياً باستخدام أربعة أصوات كما يحدث في الكنائس الغربية، بالرغم من أن علوم الهارموني معروفة في مصر منذ أكثر من ثلاثين قرناً من الزمان. ولإن الخط اللحني (اللحن الأساسي)صار منفرداً، لذا كان على آباء الكنيسة القبطية أن يصيغوا هذا الخط اللحني ليكون بديعاً دون أن يحتاج، لا إلى آلات موسيقية تُلونه وتُجمله، ولا إلى نغمات أخرى مساعدة تُثريه وتصاحبه. ومن هنا صارت جميع ألحان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية صوتية بحتة Acapella وأحادية الصوت .Monophonic وقد منعت الكنيسة القبطية إستخدام الآلات الموسيقية في الليتورجيا فيما عدا الناقوس والمثلث لإضفاء بهجة في الأعياد والأكاليل والتماجيد، ولضبط الإيقاع وخاصة في الدورات الطقسية والزفات. فصارت الكنيسة شعباً وإكليروس تصلي بهذه الألحان بالروح، غير منشغلة بفنون العزف على آلات الأوركسترا حيث لا توجد آلات للأوركسترا ولا عازفين ينشغل بهم المؤمنين اثناء الصلوات الليتورجية، سوى هذا الناقوس وذاك المثلث.

عزيزي القارئ، أتمنى أن أكون قد إستطعت أن ألقى ببعضً من الضوء القدرة التعبيرية لهذا التراث الموسيقي العتيق رغم عدم وجود آلات موسيقية تجمله أو تسانده، وإلى اللقاء في مقال جديد نستكمل فيه هذا الحديث الهام، فإلى أن نلتقي لك مني كل محبة وسلام.

تاريخ الخبر: 2022-11-13 09:21:31
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

الحسم في بيرنابيو.. التعادل يحسم ذهاب ريال مدريد وبايرن ميونخ

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:04
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

السكوري: المغرب قطع أشواطا هامة في مسار بناء الدولة الاجتماعية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:02
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

السكوري: المغرب قطع أشواطا هامة في مسار بناء الدولة الاجتماعية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:25:53
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

الحسم في بيرنابيو.. التعادل يحسم ذهاب ريال مدريد وبايرن ميونخ

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية