تدخل الاحتجاجات الواسعة في البيرو أسبوعها الثاني، ذلك إثر قرار البرلمان عزل الرئيس بيدرو كاستيو واعتقاله، في الـ 7 ديسمبر/كانون الثاني. وهو ما أثار سخط أنصاره، الذين نزلوا إلى الشارع في مناطق مختلفة من البلاد، وعمدوا إلى شل حركة المرور وإغلاق الطرق الرئيسية. ما دفع القوى الحاكمة في ليما إلى إنزال الجيش، وإعلان حالة الطوارئ.

ووفقاً لما نقلته السلطات البيروفية، يوم الأحد، انتقلت حصيلة الصدامات بين المحتجين وقوى الشرطة والجيش إلى 23 قتيلاً، إضافة إلى ما لا يقل عن 569 شخصاً، من بينهم 216 شخصاً أصيبوا بجروح في العاصمة ليما ومناطق أخرى، وفقاً لما ذكرت وكالة الأناضول.

هذا ويندد المحتجون بما أسموه "انقلاباً" قادته المعارضة اليمينية على الديموقراطية، داعين إلى الإفراج الفوري عن كاستيو بعد أن حكمت المحكمة العليا، الخميس، ببقائه رهن الاعتقال لمدة 18 شهراً حيث يواجه اتهامات بـ"التمرد والتآمر". ويطالبون أيضاً باستقالة الرئيسة الجديدة دينا بولارت وإعلانها موعد انتخابات جديدة.

ماذا يحدث في البيرو؟

في الـ 7 ديسمبر/كانون الأول، احتضن البرلمان البيروفي، المهيمن عليه من قبل المعارضة اليمينية، جلسة لمناقشة اقتراح عزل الرئيس اليساري بيدرو كاستيو، بعد أقل من 18 شهراً من توليه ذلك المنصب عبر مفاجأة انتخابية. وانتهت الجلسة إلى موافقة النواب على قرار العزل بأغلبية 101 من إجمالي 130 نائباً.

وقت ذاك، كانت الشرطة تداهم القصر الرئاسي، لتعلن بعدها النيابة العامة في البلاد اعتقال الرئيس المعزول. كما تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي صوراً للرئيس، وهو مصفد اليدين داخل سيارة شرطة.

بيد أن النزاع بين الرئيس كاستيو والبرلمان يعود إلى شهور قبل ذلك، حيث فشل الرئيس المخلوع في تشكيل خمس حكومات ونجا من محاولتي عزل سابقتين. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتهمت النيابة العامة الرئيس بالفساد وأنه يقود "منظمة إجرامية" استفادت من عقود الدولة وعرقلت التحقيقات في ذلك. كما اتهمه البرلمان بـ "العجز الأخلاقي"، وأعلن جلسة لمساءلته في ذلك.

وفي آخر خطاب متلفز ألقاه كاستيو، يوم الـ 6 ديسمبر/كانون الأول، اتهم منافسيه بسعيهم إلى "نسف الديمقراطية وتجاهل حق شعبنا في الاختيار". كما أمر بحل البرلمان والحكم بالأحكام الدستورية إلى حين إعلان انتخابات تشريعية، وأمر أيضاً بحل هيئة الإدعاء العام والقضاة.

هذا ما دفع العديد من أفراد حكومته للتخلي عنه، من بينهم وزير الخارجية سيزار لاندا، الذي كتب: "اتخذ كاستيو هذا القرار دون علمي أو دعمي (...) أدين بشدة هذا الانقلاب وأدعو المجتمع الدولي للمساعدة في إعادة الديمقراطية الديمقراطية في البيرو". كما استقال القائد العام للجيش البيروفي الجنرال والتر كوردوبا من منصبه هو الآخر احتجاجاً على قرار الرئيس.

هكذا أصبح كاستيو معزولاً سياسياً، وهو ما سهّل على البرلمان المضي قدماً في قرار عزله. حيث تحرَّك النواب بشكل أسرع مما كان يتوقعه، ورفضوا مغادرة مبنى البرلمان إلى أن أقروا مرسوم تنحيته من المنصب، وتنصيب زعيمة المعارضة اليمينية دينا بولوارت رئيسة مؤقتة. والتي تعهدت بإجراء انتخابات جديدة بحلول عام 2024.

رفض شعبي للعزل!

أثار تحرك البرلمان غضباً شعبياً واسعاً في البلاد، وكانت البؤرة الأولى للاحتجاجات في الأحياء والمناطق الريفية الفقيرة في البيرو، قبل أن تنتشر في مناطق الشمال الأكثر ثراء. وعمد المتظاهرون إلى احتلال الأماكن العامة وإغلاق الطرق الرئيسية في البلاد، منها الطريق السيار العابر لأمريكا اللاتينية، الذي يمر بمحاذاة العاصمة ليما.

ووفقاً لما صرَّح به أحد المتظاهرين، لوكالة رويترز، فإن "الرئيس كاستيو مختطف ونحن غاضبون (...) إنه تمرد شعبي وطني في البيرو". وأضاف: "لسنا مدينين بالطاعة لحكومة مغتصِبة، لقد أعلنت البيرو نفسها في حالة تمرد عام".

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت الحكومة حالة طوارئ عامة في البلاد، بعد أن أدت الاحتجاجات إلى مقتل 7 أشخاص. وقال وزير الدفاع ألبرتو أوتارولا إن الإجراء يسري 30 يوماً بسبب "أعمال التخريب والعنف وقطع الطرق"، كما يتضمن تقييد حرية الحركة والتجمهر وحظر التجوال الليلي.

لكن كل هذه الإجراءات لم تثنِ المتظاهرين عن الاستمرار في احتجاجاتهم. ووفقاً لـ "رويترز"، يرجع هذا الغضب الشعبي الواسع إلى شعور المتظاهرين بالغبن إزاء عزل كاستيو، الذي يعتبرونه واحداً من أبناء طبقتهم الشعبية وممثلهم الوحيد في السلطة بعد عقود من الإهمال والتهميش.

ونقلاً عن المصدر ذاته، فلعقود عانى أبناء الطبقات الفقيرة والفلاحين البسطاء في الأرياف وجماعات السكان الأصليين من التهميش والإهمال الكبيرين من قبل سلطات ليما. وأدى الوصول المفاجئ لكاستيو إلى الحكم، وهو المعلم الريفي الفقير واليساري المتطرف، إلى بعث الأمل في هؤلاء "المنسيين" بإصلاح أحوالهم.

هذا ورفض الرئيس المخلوع التخلي عن السلطة، معتبراً استمراره بالمطالبة بالحكم "قضية شعبية". وهو ما أبرزه في رسالة مكتوبة من داخل سجنه، قال فيها: "لقد جرى اختياري من قبل رجال ونساء منسيين في عمق البيرو، من قبل المحرومين الذين جرى إهمالهم لأكثر من 200 عام (...) إنني أتحدث إليكم لأجدد تأكيدي وفائي غير المشروط للتفويض الشعبي والدستوري الذي أتولاه كرئيس، ولن أستقيل أو أتخلى عن وظيفتي السامية والمقدسة".

TRT عربي