إحصاءات صادمة عما جُمّد من أموال ليبيا بالخارج منذ عام 2011 تأتي على وقع تحذير ليبي من "محاولة الاستيلاء" على أموال الدولة المجمدة بالخارج، جاء على لسان مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن.

مندوب ليبيا، طاهر السني قال أمام المجلس قبل أيام: "نعيد تحذيرنا لبعض الدول التي تحاول وضع يدها والحجز أو الاستيلاء على أموال الليبيين وأصولهم المجمدة التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار".

وأضاف السني أن "التجميد في الأساس للحفاظ على الأموال الليبية وحمايتها، وليس لنهبها واستخدامها في تسويات أو تعويضات".

مليارات مجمدة وأخرى في مخابئ سرية

بلغت نسبة الأموال الليبية المجمدة نحو 200 مليار دولار، حسب عديد من البيانات، وهي مقسمة على بنوك دولية بنسب متفاوتة، وموزعة بين عملات أجنبية مختلفة (يورو - إسترليني - دولار) وأصول وسندات وذهب.

وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو 1.2 مليار يورو من الأموال الليبية بالبنك المركزي النمساوي، فيما جمدت بريطانيا 19.2 مليار دولار، وأعلنت كندا في أول مارس/آذار 2011 أنها جمدت 2.4 مليار دولار، وفرنسا 11 مليار دولار.

وزارة الاقتصاد الألمانية بدورها جمدت 7 مليارات يورو ليبية، و8 مليارات يورو أخرى جمدتها إيطاليا، وكذا فعلت لوكسمبرغ بتجميد نحو مليار يورو، فيما جُمّد الرصيد الأكبر ببنوك الولايات المتحدة الأمريكية، ويقدر بـ34 مليار دولار، حسبما أحصت وكالة رويترز للأنباء.

من جهة أخرى، وبالإضافة إلى الأموال المجمدة، تسعى السلطات الليبية بعد 2011 إلى محاولة استرداد الأموال المهربة أيضاً، إذ سبق أن نشرت صحيفة إندبندنت البريطانية تقريراً كشف عن وجود ما يقرب من 200 مليار دولار أمريكي، إضافة إلى كميات من الذهب وقراريط من الألماس مملوكة للدولة الليبية قد هُرّبَت عام 2011 إلى دولة جنوب إفريقيا.

خُزّنت هذه الأموال المهربة في "مخابئ سرية هناك"، خلافاً لأموال أخرى بالقيمة ذاتها تقريباً وُضعت في 4 بنوك بالدولة ذاتها خلال عشرات الرحلات الجوية إبان أحداث 2011 على الأراضي الليبية، حسب المصدر ذاته.

في سياق متصل، كشف تحقيق هولندي بعنوان "البحث عن مليارات القذافي"، كيف كان الرئيس الليبي السابق (الذي لم يكُن يثق بالبنوك الدولية أو الشيكات المصرفية)، يجمع الدولارات الأمريكية، التي وزّع كميات منها عندما اشتدّت الأزمة في ليبيا على بلدان عدة، منها جنوب إفريقيا.

ويقدّر التحقيق الأموال التي وصلت إلى هذا البلد الإفريقي وحده بـ12.5 مليار دولار. ولم تكن نية القذافي -وفق مقربين منه كما كشف الفيلم- الهروب مع نقوده خارج ليبيا، بل كان يخطّط لمواصلة الحرب على معارضيه من الخارج إذا اضطرته الظروف إلى ترك ليبيا.

عوائق قانونية.. "مجلس الأمن له اليد العليا"

وعن التحذير الليبي ضد محاولة دولية للنَّيل من أموال ليبيا المجمدة يقول أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، لـTRT عربي: "الجزاءات والعقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن بموجب قرارات ذات صلة بشأن الحالة في ليبيا منذ اندلاع الثورة الليبية 2011 هي قرارات صدرت عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولا تستطيع دولة، سواء دولة ذات صلة، هي ليبيا، أو غيرها، أن تتصرف تجاه تلك القرارات".

وأوضح أستاذ القانون الدولي أن مجلس الأمن هو الهيئة الوحيدة المكلَّفة تحديد النزاع وقرار التجميد صدر عن دراسة أجرتها لجنة خبراء تابعة لمجلس الأمن، كما أن المجلس لا ينتظر اتصالات من الدول لرفع التجميد أو الرجوع عن قرار اتخذه، ولو من الدولة صاحبة الشأن.

وأشار إلى أن المجلس يداوم على دراسة قراراته، وله مطلق الحرية فى إلغائها أو تعديل أي فقرة في القرار، وما يعنينا هنا الفقرة رقم 17 المعنية بتجميد الأموال الليبية، لافتاً إلى مطالبة ليبيا مجلس الأمن أكثر من مرة برفع تجميد الأموال والأصول لدى بنوك الخارج، ولكنه رفض.

وأوضح سلامة أن المجلس له حرية رفض رفع الجزاءات أو استمرارها، تماماً كما رفعها عن رواندا، لكنه رفض رفعها عن البوسنة والهرسك وقت الحرب اليوغوسلافية وما بعدها.

وأضاف: "رغم كون حكومة الوحدة الليبية وُلدت من رحم اتفاق مجلس الأمن برعاية الأمم المتحدة، ورغم كون المجتمع الدولي يتعامل معها، فإنها أخفقت في مسعاها الأخير برفع تجميد الأموال والأصول".

وتابع: "مجلس الأمن أكّد أكثر من مرة ضمان تجميد الأصول والأموال الليبية عملاً بالفقرة 17 من القرار 1970 الخاص بمجلس الأمن لعام 2011، على أن يتاح في مرحلة لاحقة التصرُّف في الأموال من جانب السلطات الليبية".

"تحايل قانوني" تمهيداً للاستيلاء؟

من ناحية أخرى، أشارت هدى الملاح مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى الاقتصادية في مصر، إلى أن الدول التي جمّدت الأرصدة الليبية بناءً على قرار مجلس الأمن "ليس من السهل عليها أن تسمح للحكومة الليبية بالتصرف في هذه الأموال، بخاصة مع تصاعد الأزمة المالية العالمية بسبب النزاع بين روسيا وأوكرانيا".

وقالت الملاح في تصريحات لـTRT عربي، إن وجود الأموال مجمدة "أمر يفيد اقتصاد هذه الدول المستحوذة عليها، لكون فوائد هذه الأموال تخدم اقتصادها".

وأوضحت أن الدول المستحوذة على أموال ليبيا المجمدة ستتخذ جميع الإجراءات "السياسية" التي تسمح بوجود هذه الأموال مجمدة لأطول وقت ممكن، وأنها ستحاول أن "تتحايل قانونياً" للسيطرة على هذه الأموال باعتبارها "تعويضات لعدد من القضايا السياسية المتورطة فيها ليبيا"، حسب قولها.

وعن مسؤولية البنوك الدولية في حماية أموال مودعيها وعدم إفشاء الأسرار، يقول نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي في تصريحات لـTRT عربي، إن القواعد الدولية تضمن أن تكون الأموال التي توضع لدى البنوك "مؤمَّنة"، وتابع بأن جميع بياناتها سرية، وحال حدوث ما يخالف ذلك فإن الدولة أو البنك يتعرّض للمساءلة، وتزداد الخصومة إذا حدث ما يخالف المواثيق بسبب قضية سياسية أو تعنُّت دولي.

TRT عربي