أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، أن مشاريع الربط الكهربائي بين مصر والعراق تعد  نموذج ومن أقدم مشاريع التكامل في البنية التحتية بين مجموعة البلدان العربية المتجاورة منذ عقود.

وأوضح صالح في حوار خاص لـ"الدستور"، أن الحكومة العراقية الجديدة اتبعت خططا واضحة لمجابهة التضخم وارتفاع الأسعار الذي وقع بفعل الأحداث الدولية الراهنة.

 - إلى أين وصلت الاتفاقيات الاقتصادية بين مصر والعراق وخاصة مشروع الربط الكهربائي؟

مشاريع الربط الكهربائي بين مصر والعراق تعد من أقدم مشاريع التكامل في البنية التحتية بين مجموعة البلدان العربية المتجاورة منذ عقود بعيدة، وبالتاكيد فان الربط الشبكي لتبادل التيار الكهربائي بين مجموعة للبلدان هي تبادلية حسب العجز والوفرة في أوقات التجهيز، وهو أمر منطقي بمثل أقصى حالات الرشادة الاقتصادية والانتفاع الصحيح من الطاقات المنتجة فعلى طول الخطوط الولايات الحدودية بين كندا والولايات المتحدة على سبيل المثال تنتفع شبكات الطاقة الكهربائية من بعضها في أوقات الذروة .

 والعراق مازال يعاني من عجز في توليد الطاقة بنحو 7- 10 آلاف ميجا واط وهو يسعى إلى سد فجوة الطلب على الكهربا واستدامة  العرض باتجاهين ، الأول الربط الشبكي وتبادل المنفعة بين دول الجوار بما فيها الشقيقة جمهورية مصر العربية والثاني يعمل على تطوير الإمكانات الذاتية للانتاج ، ويبقى قرار ربط الشبكة الوطنية للكهرباء مع مصر، يتطلب المرور ببلد شقيق آخر هو الأردن وهي مسألة تقنية تقتضي العمل التنسيقي المستمر بين الأطراف ذوي العلاقة كافة .

وأجد أن إرادة التعاون والرغبة بين بلدينا في مجال الطاقة، ومجالات الاستثمار التعاون الاقتصادي المختلفة تسير بشكل مضطرد على الدوام ولمنفعة اقتصادينا بشكل متكافئ .

ما أبرز القطاعات العراقية الجاذبة للاستثمارات المصرية؟

افضل المجالات للاستثمارات المصرية في العراق تكمن  بثلاث اتجاهات ، الاولى  استثمار الخبرات المصرية في تنظيم البنية التحتية ولاسيما قطاع الإسكان وتحديدا السكن الاجتماعي الواطي الكلفة والثانية ، الانتفاع من خبرات جمهورية مصر العربية في إدارة قضايا المياه بما في ذلك تحلية المياه المالحة وإعادة تدوير المياه الثقيلة وتعظيم استخدام التكنولوجيات المقتصدة في استعمال المياه، إذ تشهد مصر تجربة عظيمة في هذا الجانب الحيوي والثالثة والاخيرة ، الدخول في الزراعات الاستراتيجية المشتركة إنتاج المحاصيل الزراعية وعمليات تسويقها بشكل مصنعات غذائية . 

ما أبرز الملفات الاقتصادية التي تعمل عليها الحكومة العراقية الجديدة؟

صادق مجلس النواب العراقي على البرنامج الحكومي في شهر أكتوبر 2022، وقد أولى ذلك البرنامج الجانب الاجتماعي الأهمية الأولى في مجالات التصدي للفقر التي لامست نسبتها 30% من سكان البلاد ، والتي فاقمتها شح المياه بالدرجة الاساس في نهري دجلة والفرات وتراجع الزراعة وتحقق هجرات داخلية من أرياف البلاد الى حافات المدن . 

وبناء عليه فإن السياسة المائية والتصدي لمتلازمة الأمنين المائي والغذائي قد أخذت الأولوية في البرنامج الحكومي للبلاد.فضلا عن توسيع برنامج المشمولين في الرعاية الاجتماعية للأسر  الاكثر فقرا وهشاشةً في بلادنا وكذلك تعزيز برنامج البطاقة التموينية ( السلة الغذائية) التي توزع بشكل شبه مجانا على العائلات الفقيرة والمنخفضة الدخل بكميات سلعية اوسع وانتظام توزيعها شهريا لضمان بلوغهم خط الفقر المعتمد في البلاد بحدوده  البالغة   2.5 -2.8 دولار يوميا للفرد الواحد.

وكذلك الحفاظ على مستويات الدعم الحكومي في الموازنة بسبب أزمة التضخم العالمية ومواجهة ظروف الحرب في أوكرانيا وآثارها الاقتصادية، إذ مازال الدعم الحكومي للسلع والخدمات يشكل حوالي 13% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للعراق.

كما تسعى الحكومة إلى إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للعام 2023، بعد أن تعثر إقرارها للعام 2022، إذ ستذهب الموازنة إضافة إلى الإنفاق الاجتماعي توفير أكثر من نصف مليون فرصة عمل دائمة، إلى تأسيس أكثر من صندوق للتنمية الاقتصادية لتمويل مشاريع القطاع الخاص والمختلط لضمان تنوعا اقتصاديا اكبر اذ ستدعم رؤوس أموال تلك الصناديق من الوفورات المالية التي تحققت من عوائد النفط في العام 2022.

وبناء على ماتقدم، فإن البرنامج الحكومي يرى أن استدامة النمو في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سيظل يرتبط بالقدرة على توافر، أمرين الأول، الاستثمار الفوري  في البنية التحتية للبلاد وتحديدا شبكات المياه والكهرباء والطرق والمواصلات والقطاع الرقمي والثاني إطلاق المبادرة للمشاريع المشتركة في التمويل والادارة بين الدولة والقطاع الخاص في مجالات لها الاولوية الاولى الإنتاج الزراعي الكبير والصناعات ذات العلاقة وغيرها وتطوير الخدمات المختلفة، ما يقتضي السير فورا  بتطبيق فصول البرنامج الحكومي المذكور آنفاً فيما يخص أهمية صناديق التنمية والأدوار التي تؤديها في  استدامة تمويل  التنمية الاقتصادية القطاعية وعلى  نحو يحقق هدفين مهمين  في الازدهار الاقتصادي ايضاً، وهما خفض معدلات البطالة الى كسورها  الطبيعية الدنيا والآخر تحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي تفوق معدلات نمو السكان لاستدامة الرفاهية والتراكم الرأسمالي معاً وعلى نحو يعظم من الاستثمار المستمر  في دورة حياة التنمية الاقتصادية في العراق .

- كيف يمكن للحكومة التغلب على أزمة الدولار؟

من الطبيعي أن ما يحصل من ارتفاع وتقلب طفيف في سعر الصرف لمصلحة الدولار في السوق الموازية للصرف ليس ناجم عن  مشكلة في كفاية الاحتياطيات الاجنبية بكونها قوة تدخل في سوق الصرف وتوفير عرض كافي لتلبية الطلب على النقد الأجنبي .

 وكما يعلم الجميع أن صافي احتياطيات البنك المركزي العراقي من العملة الأجنبية التي بلغت مع احتياطيات الحكومة تقرب من 100 مليار دولار وهي الاعلى في تاريخ العراق المالي  ولاسيما في بلوغ مستويات كفايتها اذ  تغطي تلك الاحتياطيات الاجنبية ، قيمة  النقد الوطني المصدر إلى التداول بنحو (مرة ونصف) كما تغطي تلك الاحتياطيات حوالي 20 شهر استيرادياً في حين ان المعيار العالمي لايتعدى 3 - 6 كحد أقصى.

ان ما حصل من انخفاض طفيف في القيمة الخارجية للدينار أو سعر الصرف فهو يمثل ظاهرة وقتية أملتها ظروف تنظيمية في إجراءات تسيير طلبات التحويل الخارجي (التي تتقدم بها  المصارف المحلية) على العملة الاجنبية،  اذا تم العمل قبل مدة (بمنصة إلكترونية )متقدمة تربط طلب التحويلات من جانب المصارف المحلية مع المراسلين من المصارف الدولية وهيئات الامتثال العالمية ذات العلاقة في آن واحد  لكون عوائد نفط تسجل بالدولار لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي، جراء قرار سابق لمجلس الأمن الدولي رقم 1483 في مايو 2003.

 وأثناء البدء بالتجريب لمنصة تدقيق طلبات التحويل الخارجي قبل أسابيع قليلة، وفي مرحلة تقديم طلبات على العملة الأجنبية من جانب المصارف الاهلية الى نافذة بيع العملة الاجنبية لدى البنك المركزي العراقي  بغية تحويلها إلى مراسليهم حول العالم، اتضح أن ثمة قصور ونواقص معلوماتية لا تتفق وحوكمة تدفق التحويلات عبر النظام المصرفي العالمي الأمر الذي أعاد بعضها من جديد او رفضت لاستكمال متطلبات التقديم  القياسية ثانية واتباع الأسس المعيارية في الإفصاح عن جهة المستفيد النهائي وغيرها من شروط الإفصاح والامتثال المصرفي.

لذا فإن الإجراءات الجديدة قد فرضت قيد أو انضباط  على عرض العملة الاجنبية بشكل مؤقت، ما يتطلب فترة تكييف حتى تمارس المصارف الاهلية قواعد الامتثال العالمية في التحويل لمصلحة المستفيدين  من عمليات تمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص.

اذن تتاصل المشكلة في تنظيم عرض العملة الاجنبية وليس في توافر العملة الاجنبية التي هي كما ذكرنا  هي بشكل وفير واكثر كفاءة . وبذلك فان الامر يتطلب شي من الوقت  لاعادة تنظيم الطلبات واتساقها مع المتطلبات العالمية للتحويل عبر المنصة الرقمية التي امست تمثل الاداة الجديدة في التعاطي مع نافذة البنك المركزي العراقي لبيع وشراء العملة الاجنبية.

فمبيعات نافذة البنك المركزي العراقي مازالت تلبي الطلب على العملة الاجنبية بالكامل بما في ذلك الدولار النقدي لأغراض السفر والسياحة، ولكن يبقى طلب المصارف الاهلية بالغالب بالانابة عن زبائن المصرف من التجار وغيرهم الذي ينصب على التحويلات الخارجية من الدولار وهو يمثل طلب على سلع وخدمات ومنافع اجنبية، إذ  تبلغ نسبة الطلبات على التحويل الخارجي بالدولار الى المصارف الاجنبية 93%من اجمالي الطلب على النقد الاجنبي من نافذة البنك المركزي والمحولة الى المصارف المراسلة  لتسديد فواتير الاستيرادات او مايسمى بتمويل التجارة الخارجية للقطاع الخاص trade finance . 

فالمشكلة هي وقتية جدا وتطبيقية فنية صرفة في اجراءات التحويل عبر المنصة الرقمية وليست في تسيير السياسة النقدية للبلاد اطلاقا.

- كيف تعاملت الحكومة العراقية مع أزمة ارتفاع الأسعار والمواد الغذائية؟

لمواجهة التضخم العالمي اعتمدت السياسة المالية  على أمرين مهمين في فرض الاستقرار السعري وهما : 

الأول: تصفير الرسوم والضرائب الجمركية على مجموعة كبيرة من السلع الغذائية ولوازم الإنتاج الضرورية، مما خفض من آثار التضخم الانتقالي في الأسعار العالمية على هيكل أسعار في العراق بسبب الاستيرادات . 

والثاني : حافظت الحكومة العراقية على أسعار منخفضة للمحروقات والخدمات الحكومية كافة ، ما جعل الرقم القياسي السنوي للأسعار في العراق حاليا لا يتعدى 5.5٪% مقارنة بالدول المتقدمة التي لامس التضخم السنوي فيها  8-10٪