عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق القدرة التعبيرية لهذا التراث الموسيقي الروحي، رغم عدم وجود آلات موسيقية تُجمله أو تسانده، واليوم أريد أن أتحدث معك عن ماهي اشتراطات التسبيح في الدسقولية وتعاليم الرسل والتي يجب أن تكون في القائمين على التسبيح.

التسبيح وتعاليم الآباء الرسل:

لقد كان آباء الكنيسة الأولين حريصين على أن يكون التسبيح للرب متقناً وبفهم فصاغوا في الدسقولية “تعاليم الرسل” في بابها الثامن والثلاثون نصاً يحكم ذلك فكتبوا:

“….يقول الأبصلمودية، التي هي التراتيل من كتاب المزامير، مع قوم ممتلئين من الفهم والحكمة والموهبة، ويكون الشعب كله جالسين سامعين لهم بفهم وخوف ويتبعونهم بجزع”.

فكيف يمكن أن يغني الناس للناس أغاني أكثر إتقاناً وأكثر جودة من تسابيح الكنيسة للإله الذي قبل الدهور والمالك إلى الأبد. لذلك كان داود النبي حريصاً على أن يقدم لله تسابيح أعظم وأنقى وأكثر إتقانا من الأغاني التي يقدمها البشر للبشر. لذلك أسس داود النبي والملك أكبر أوركسترا وكورال في التاريخ لتسبيح الرب، حيث ذكر سفر أخبار الأيام الأول الأصحاح 23 آية 5: أنه كان عددهم “أَرْبَعَةُ آلاَفٍ مُسَبِّحُونَ لِلرَّبِّ بِالآلاَتِ الَّتِي عُمِلَتْ لِلتَّسْبِيحِ”. كذلك لم يكتف داود النبي بهذه القيثارة التي صنعها وأخترعها “هيرمس” هذه الليرة ذات الثلاثة أوتار، لتعطي ثلاثة نغمات: النغمة الحادة وتمثل فصل الصيف، والنغمة الغليظة تمثل فصل الشتاء، والنغمة الوسطى تمثل فصل الربيع.لذلك اصر داود النبي أن يبتكر رباب ذات عشرة أوتار ليرنم بها لإلهه فتكون ترنيمته جديدة، حيث كتب في مزموره :

“يا الله، أرنم لك ترنيمة جديدة. برباب ذات عشرة أوتار أرنم لك”(مز 144: آية 9)

وعلى الفور إستلهمت الكنيسة القبطية هذه الآية ونظمت عليها لحناً هو لحن ” A taipar0enoc ” “هذه العذراء”. هذا اللحنالجميل في موسيقاه، العميق في معانيه الروحية، والذي يحملبين أوتاره ونغماته 10 نبوات عن السيدة العذراء مريم، جاءت جميعها في مزامير داود النبي. عشر نبوات لكي ما تُعزف كل نبؤة على وتر من أوتار قيثارته التي كان حريصاً أن يوقظها معه قائلاً:

“إستيقظي أيتها الرباب والعود فأنا أستيقظ سحراً”. (مزمور108 آية 2)

ولعل هذه القيثارة المبينة توضح النبوات العشر في صورة “باراليكس” على الأوتار العشرة التي لهذه القيثارة الروحية.

(شكل يوضح رباب داود النبي والملك ذات العشرة أوتار،

وكل يُعزف عليه نبوءة عن السيدة العذراء،

والتي صاغتها الكنيسة القبطية في اللحن الجميل ” A taipar0enoc “)

ولعل الشكل المبين أدناه يوضح التقسيم الداخلي للحن العذراء “A taipar0enoc ” بمقدمته الرائعة المكونة من أربعة أجزاء متناسقة، وكذلك الباراليكس الذي يقدم العشر نبوات في تناسق موسيقي، كل نبوءة منقسمة إلى قسمين الأول كأنه سؤال والثاني كأنه جواب. وهذا هو الشكل العلمي للجملة الموسيقية السليمة التكوين التي عرفتها الكنيسة القبطية قبل أن يدركها العالم بقرون عديدة.

عزيزي القارئ، أتمنى أن أكون قد إستطعت أن أشرح لك أهمية أن يكون التسبيح طبقا لتعاليم الرسل فلا نغفل ذلك عند إختيار من يقومون بالتسبيح ليكون عندهم الفهم والحكمة والموهبة، وإلى اللقاء في مقال جديد نتحدث فيه عن أبعاد اللحن القبطي، فإلى أن ألقاك اتركك مستمتعا بتسابيح الرب الجميلة في كنيستنا القبطية.