Ù…طاردات بوليسية لعصابات تحاول تهريب حاويات كوكايين، واقتحام مستودعات للاستيلاء على شحنات مخدرات مخفية... أحداث قد تبدو من أفلام العصابات، لكنها حصلت على أرض الواقع في ميناء لوهافر الفرنسي خلال العام الماضي.
وقال شرطي في الميناء الفرنسي لـ"الفرنسية"، "هناك أموال طائلة يمكن جنيها لدرجة أنهم لا يفكرون مرتين قبل خوض مجازفة كبيرة".
ويشكل لوهافر أحد أكبر خمسة موانئ للحاويات في شمال أوروبا. وأصبحت محطاته الشاسعة للشحن حيث يصب نهر السين في البحر، نقطة الدخول الرئيسة للكوكايين إلى فرنسا.
وضبطت عشرة Ø£Ø·Ù†Ø§Ù† من المخدرات في أرصفة الميناء في 2021، بزيادة 164 في المائة عن العام السابق، مع تدفق موجة هائلة من الكوكايين إلى أوروبا من أمريكا الجنوبية.
وأدى الازدياد الكبير في حركة التجارة هذه إلى تصعيد هائل في أعمال العنف والفساد في الميناء، تركز معظمها على عمال التحميل في أرصفة المرفأ البالغ عددهم 2200، وهم الهدف الرئيس Ù„مافيا تهريب المخدرات.
وشكل عمال الموانئ، المنظمين تحت راية الاتحاد العمالي العام، منذ فترة طويلة، الحلقة الرئيسة في هذا العالم المؤلف من رافعات عملاقة وجبال من الحاويات الملونة.
وقال مصدر في الشرطة "لا يمكن لأي كان الدخول ببساطة إلى ميناء لوهافر، لذا من أجل إخراج المخدرات، يحتاج المهربون إلى شركاء، معظمهم من العمال على أرصفة" الميناء.
وسجن كثيرون من عمال الموانئ خلال الأعوام Ø§Ù„قليلة الماضية بسبب عملهم مع عصابات مخدرات، وظهرت أسماء آخرين في عمليات تنصت أجرتها الشرطة على المكالمات الهاتفية.
وأخبر أحدهم محاميه كيف تورط في هذه التجارة غير القانونية. وقال "في السابق، كنت أجني 200 أو 300 يورو (320 دولارا) شهريا Ù…Ù† بيع عطور أو علب سجائر مسروقة. في أحد الأيام، طلب مني بعض الرجال إخراج بعض الأكياس من الميناء مقابل ألف يورو للكيس. وأضاف "بدأ الأمر على هذا النحو".
في الواقع، وفقا Ù„Ù€"قائمة أسعار" افتضح أمرها عام 2017، كان تجار المخدرات يعرضون على عمال الرصيف ما يصل إلى 75 ألف يورو للمساعدة في إخراج حاوية من الميناء، مع عشرة Ø¢Ù„اف يورو لاستعارة شارة أمنية و 50 ألف يورو لنقل حاوية .
وشددت المحامية فاليري جيار، التي دافعت عن كثير من عمال الأرصفة الضالعين في هذه العمليات، على أن "بعض عمال الموانئ يقومون بذلك من أجل المال، لكن معظمهم يتعرضون للتهديد أو الضغط".
وقالت جيار "يأتي المهربون إليهم عند بوابات المدرسة أو في المقاهي ويظهرون لهم صورا Ù„عائلاتهم"، مضيفة "يقولون لهم إنهم إذا لم يفعلوا ما يطلب منهم، فسيواجهون متاعب. وبمجرد الانخراط في هذه العمليات، لا يمكننهم الخروج منها بتاتا". كما أن العمال الذين يقاومون هذه الطلبات يواجهون أساليب أكثر عنفا.
وفي يونيو 2018، اختطف عامل ميناء بالقرب من منزله وعثر عليه بعد ساعات قليلة بوجه مهشم وساقين مطعونتين بمفك للبراغي.
وقال الرجل البالغ 54 عاما Ù„لشرطة إن خاطفيه طالبوه بدفع عدة ملايين من اليورو، وقالوا له إنه "بمثابة السمكة الكبيرة. نعرف مكان عملك، ونعلم أنك قادر على إخراج حاويات" من الميناء.
وأخبر مخبر لدى الشرطة المحققين في وقت لاحق أن الرجل "رفض العمل" لدى أحد تجار المخدرات.
واختطف أكثر من عشرين عاملا ÙÙŠ ميناء لوهافر أو احتجزوا كرهائن منذ 2017، وفق السلطات، بعضهم على يد تجار مخدرات، لكن البعض الآخر على يد عصابات صغيرة افترضوا أنهم استفادوا من التجارة. وقالت جيار "أصبح اختطاف عمال الموانئ أمرا Ø´Ø§Ø¦Ø¹Ø§".
وقد تحولت عملية خطف واحدة على الأقل إلى جريمة قتل، ففي 12 يونيو 2020، عثر على جثة ملطخة بالدماء لعامل الرصيف آلان أفاغار خلف مدرسة في إحدى ضواحي لوهافر.
وكان هذا الرجل النقابي الكبير قد تعرض لاستجواب قبل عامين، بتهمة المساعدة في إخراج طن من الكوكايين من الميناء - وهو ادعاء نفاه.
وقالت زوجته للشرطة إن الرجل البالغ 40 عاما اختطف في الليلة التي سبقت العثور عليه ميتا على يد ثلاثة رجال ملثمين. وهو كان توجه قبل فترة قصيرة إلى الشرطة بعد تلقيه "رسائل تهديد".
مذاك، وجهت تهم التآمر إلى ثلاث شخصيات معروفة من عالم الجريمة في لوهافر، لكن قتلة عامل الرصيف ما زالوا أحرارا.
وأثارت جريمة قتل أفاغارد حالة خوف في الميناء.
وقال المحامي غيوم روتيل، الذي حقق شهرة من خلال دفاعه عن عمال أرصفة الموانئ إن " الصحافة ترى في هذه القضية مؤشرا Ø¥Ù„Ù‰ وصول عنف عصابات المخدرات إلى هنا"، مضيفا "هذا أمر مبالغ فيه بالتأكيد، لكن أي شخص يتعامل مع حمولة في الميناء يشعر بأنه في خطر".
ويخيم صمت مخيف على حي لي نيج بجوار ميناء لوهافر حيث يعيش العديد من عمال الرصيف تقليديا.
كما أن نقابة عمال الرصيف تظهر تكتما أكبر. فمع الطلب من أعضائه التزام الصمت، يرفض الاتحاد العمالي العام التحدث علنا عن العناصر الفاسدة في صفوف العمال.
وقال آلان لو مير من نقابة ضباط الجمارك "الجميع قلقون بشأن الميناء"، مشيرا إلى أن تجار المخدرات "يراقبوننا بمناظيرهم أو بمسيراتهم. الآن عندما نفحص حاوية، نحصل على حراسة من زملاء مسلحين ببنادق هجومية".
منذ "صدمة" مقتل أفاغارد، شددت إجراءات الأمن بشكل أكبر في المكان.
وقال رؤساء الموانئ إن "السلامة والأمن من بين أولوياتنا الرئيسة". وجرت الاستعانة بمزيد من الحراس، كما شدد نظام الشارات الأمنية، وأنفق أكثر من مليون يورو على كاميرات مراقبة جديدة.
لكن ذلك كله لم يوقف تدفق المخدرات، إذ صودر أكثر من 8.5 أطنان من الكوكايين عام 2022، بحسب مصدر في الشرطة.
وأقر مسؤول جمركي بحصول "تقدم، لكن لا يمكننا الكذب، فالميناء لا يزال مخروقا". وأضاف "كل كاميرات العالم لن تحدث فرقا كبيرا ضد المهربين المصممين".
وقال ضابط شرطة إن "تواطؤ عمال الرصيف يتراجع، إذ فهموا أنهم يلعبون لعبة أكبر منهم"، "لكن الضغط لا يزال هائلا. إذا لم نتوخى الحذر ، فيمكننا الانزلاق إلى ما حدث في أنتويرب وروتردام"، وهما ميناءان ضخمان في بلجيكا وهولندا يشكلان أبرز نقاط دخول الكوكايين المهرب إلى أوروبا.