كحجر في مياه راكدة، رمى حفيد نيلسون مانديلا، من على أرض الجزائر كلامه، “موقنا” أو على الأقل ما بدا له اقتناع وقوة خطابة للتأثير في جموع المتفرجين والمشاهدين بإمكانية منح الملف زخما إعلاميا وبُعدا دبلوماسيا آخر معكوسا ضد المغرب. إذ حركت تصريحات حفيد مانديلا، الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي أرسلت خطابا مكتوبا إلى مؤسسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم التي يرأسها مواطن “مانديلا الصغير” الجنوب إفريقي باتريس موتسيبي، بما أن الحدث رياضي بحث، وتصريف مواقف سياسية فيه، ضرب للقوانين المؤطرة لمسابقة كأس إفريقيا للمحلين “الشان” التي تنظم حاليا بالجزائر.
حديث حفيد مانديلا عن الوحدة الترابية للمغرب، أعاد إلى الواجهة نقاش العلاقات المغربية وجنوب إفريقيا، ومسارتها السياسية والاقتصادية التي لم تغادر على الأقل منذ 2002، مرحلة “البرود الشديد” وحالات التوتر بين الفينة والأخرى المشدودة شدا قويا بخيوط أيديولوجية وترسبات الماضي الممتد في الحاضر. بيد أن العلاقة بين الرباط وبريتورياما تزال تتلمس طريق القفز عن مرحلة الخلاف التي تقع في شباكه قضية الصحراء المغربية كموضعَ الخلاف الأساسي، على اعتبار أنها القضية التي تشكل المحدد الأساسي لتوجهات السياسة الخارجية للمملكة.
وفي آخر تعليق للمغرب الرسمي على المواقف المتشددة لجنوب إفريقيا من المغرب وملف الصحراء، هو ما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة في لقاء صحافي سابق، أعقب استقبال بريتوريا الرسمي لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، إذ أكد بوريطة أن موقف جنوب إفريقيا هو تعبير صريح على الفشل وعدم القدرة على اقناع الرأي العام الإفريقي بصوابية مواقفهم.
ويرى مراقبون أن الخلاف الممتد بين المغرب وجنوب إفريقيا، تأقلما معه البلدان إذ لن تنتهي بمجرد لقاءين دبلوماسيين على أعلى مستوى واستئناف العلاقات في أعلى درجاتها، على اعتبار أن ما يربط جنوب إفريقيا بالجزائر، بوصفها المحتضنة والداعم الأول لجبهة البوليساريو، رصيد دبلوماسي وتاريخي واقتصادي أكثر قوة، وارتباطهما بتحالفات تقليدية في ملفات دولية عديدة.
ويبدو أن المغرب اقتنع أخيرا بتجذر موقف العداء الجنوب إفريقي للمغرب، وحتى الحلف التاريخي للجزتئر في القارة، ما دفع السياسية الخارجية للمغرب أن تبحث أساليب أخرى للمناورة وإحداث اختراقات غير مسبوقة في المعسكر المائل للطرح الجزائري،والحديث هنا عن دول، أنغولا ونيجيريا ورواندا وإثيوبيا، بيد أن وصول حملته الدبلوماسية إلى بريتوريا قد يكون أكبر اختراق على الإطلاق باعتبارها كانت تعد أقوى قلاع المؤيدين لجبهة البوليساريو بعد الجزائر.
ويضع المغرب في سياق خطته الاقتصادية السياسية تجاه القارة الإفريقية، مواقف بلدان، مثل: إثيوبيا، ونيجيريا، وأنغولا، وجنوب إفريقيا، تجاه ملف الصحراء جانبًا وأعطى الأولوية للعلاقات الاقتصادية، ضمن علاقات رابح-رابح؛ حيث إنه قبل أن يعيد علاقاته مع جنوب إفريقيا، كان قد أعاد ربط قنوات التواصل الدبلوماسي والاقتصادي أيضًا مع نيجيريا وإثيوبيا، وكلها بلدان وظَّف المغرب معها الورقة الاقتصادية في أفق إصلاح العلاقات السياسية وتليين مواقفها على المدى المتوسط تجاه قضية الصحراء، ما أثمر مكاسب دبلوماسية مهمة تجلت في فتح قنصليات وسفارات بالصحراء المغربية.
وفي سياق السياسية الإفريقية التي تعتمدها الرباط، يُرجَّح أن تشهد العلاقات تطورًا نوعيًّا؛ مع جنوب إفريقيا نفسها، كقوة إقليمية كبيرة، التي باتت مقتنعة هي الأخرى بأنها لا يمكنها تجاهل دور المغرب المتنامي في إفريقيا، ففي عامي 2015-2016، بلغت استثمارات المغرب في القارة الإفريقية 8 مليارات دولار، حيث أن بين البلدين تنافسًا اقتصاديًّا في غرب إفريقيا؛ إذ تصنف المملكة أهم مستثمر الإفريقي في القارة مزاحما جنوب إفريقيا من جهة، في المقابل تعتبر جنوب إفريقيا أقوى قوة اقتصادية وصناعية على مستوى القارة ككل والتي تتوفر على ثروات طبيعية هائلة، وكقوة عسكرية، كونها أكبر دولة إفريقية في مجال إنتاج وتصدير صناعات الدفاع والسلاح المتطور.
