الخرطوم ترقص على صفيح ساخن


الخرطوم ترقص على صفيح ساخن

زين العابدين صالح عبد الرحمن

كنت قد غادرت الخرطوم في الأسبوع الأول من شهر فبراير 2019م، حيث حضرت اندلاع ثورة ديسمبر، وشاهدت مطاردات قوات الأمن والشرطة والدعم السريع للمتظاهرين، كان الإصرار والأمل عند الشباب يتغلب على كل المعاناة والعنف الجسدي واللفظي الذي كانت تمارسه الأجهزة القمعية، تخلق عزيمة عند هؤلاء الشباب حيث كانت عيونهم جميعاً مركزة على الضوء القابع في نهاية النفق، حيث كانت شعاراتهم موحدة ومؤشر العزيمة يتصاعد لكي يقنع الجميع أن غداً هو الأفضل.

غادرت الخرطوم وكنت متيقناً أن النصر حليف هؤلاء الشباب. وبعد أربع سنوات بسبب جائحة كورونا التي أغلقت فيها الحدود ومنع السفر للخارج. هأنذا أعود للخرطوم حيث تراجع مؤشر الأمل عند أغلبية العامة من الناس، ولكن تظل علامات الإصرار مرسومة على جبين أغلبية الشباب أنهم قادرون على تغيير المعادلة لصالح الديمقراطية.

عندما كانت الطائرة تحلق في سماء الخرطوم شاهدت أكثر من خمسة عشر طائرة ركاب واقفة على المدرجات، تحمل علامات تجارية لم أرها من قبل، وكان عدداً منها تابعاً إلى المنظمة الدولية “الأمم المتحدة” الأمر الذي يدل أن المنظمة تولي السودان عنايةً خاصةً، وأنها تجوب مناطق مختلفة في السودان. اختلف الناس في تقييمها بين رافض للوجود الكثيف للمنظمة، وبين موافق للدور الذي تلعبه في البلاد. وتيقنت أنني سوف أمكث قرابة الساعتين حتى أنهي الإجراءات، ولكن في أقل من عشر دقائق كنت قد أنهيت الإجراءات دون أي معين أو معرفة، ومكثت قرابة 35 ساعة في انتظار استلام حقائبي وغادرت صالة الوصول، حيث وجدت الصديقين الدكتور عوض باب الخير وعبد العزيز أحمد دفع الله في انتظاري، ما لفت نظري هي زحمة العربات ودخول الموديلات الجديدة مما يدل هناك رأسمالية تميز نفسها من عامة الشعب، وأيضاً وجود عربات للشرطة في التقاطعات الكبيرة، وتراكم الزبالة في جميع المناطق، متراكمة في الجزيرة التي تفصل الشارع بين الذهاب والإياب، تلفت نظر أي قادم للبلاد. وعشرات من الحفر الكبيرة والصغيرة في الشوارع داخل الأحياء، وفي الشوارع العامة، مما يدل: ليست هناك أي خدمات لصيانة الشوارع تقوم بها المجالس المحلية، غياب كامل للدولة.

الأغلبية العامة للشعب تتناول في مجالسها قضية غياب الأمن، والتعدي المستمر الذي يحصل لممتلكات المواطنين من قبل زوار الليل وحتى الخطف الذي يحدث في الضوء، حيث تعددت وسائل النصب والسرقة، فالكل يتحدث أنهم غير آمنين في منازلهم، وحتى في الشوارع العامة تتكرر عملية خطف الموبايلات وحقائب الستات، القضية الأخرى المؤرقة المواطنين غلاء المعيشة ومصروفات التعليم.

وفي الجانب الآخر يتوفر الخبز بكميات في المخابز بسعر الرغيفة خمسون جنيهاً، هناك تراجع كبير في سعر الخضراوات والفواكه ويعزي الناس ذلك لفصل الشتاء، وأيضاً توفر في المواد البترولية حيث لم ألاحظ صفوف العربات في أماكن خدمات البترول. ومنذ حضرت ثلاثة أيام لم تقطع الكهرباء وخدمة الماء في المنطقة التي أسكن فيها الحلفاية مربع سبعة جيدة حتى بدون خزانات مياه في بعض الأوقات.

والقضية الأخرى التي أيضاً تتباين فيها تعليقات العامة “القضية السياسية” البعض أصيب بخيبة الأمل حيث كانت سقوفات التوقع عالية، ولم يستوعب البعض أن قضايا التغيير، خاصة من نظم شمولية إلى التحول الديمقراطي تحتاج لفترات طويلة. وهناك البعض الذين يرمون اللوم على الأحزاب باعتبار أنها فشلت في وضع اللبنات الأساسية لعملية التحول الديمقراطي. وأن صراعها المحموم ليس له علاقة بقضايا المواطن بل مرتبط بالمصالح الخاصة والحزبية، وهناك البعض الذين يعتقدون لابد من ثورة أخرى.

كل هذه التعليقات من عامة الناس. لم التق حتى الآن بقيادات سياسية، أو حتى النخب المثقفة التي تمتلك مناهج لتحليل الواقع في البلاد، فالصحف تحاول أن تستمر في الصدور، لذلك تجد مساحات الإعلان قد زحفت بصورة كبيرة على المساحة المخصصة لبقية المواد الأخرى، بسبب ضعف الإقبال على شراء الصحف، الأمر الذي يبين أن الأزمة ذات أبعاد متعددة، وهي تؤثر سلباً على الأدوات التي يعتمد عليها التغيير. في عملية نمو الوعي السياسي وسط الجماهير، والتثقيف الديمقراطي.

الملاحظة المهمة الأخرى: أن أدوات التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في عملية التوعية والتعبئة وسط الشباب الذي يعتبر القوى المحركة للعمل السياسي. كما أن المعلومات التي توفرها هذه الوسائط تحتاج للتدقيق والفحص، وتصبح هي نفسها عاملاً مؤثراً بشكل كبير في صناعة الوعي الزائف الذي لا يقود إلى نتائج مرضية، وفي ذات الوقت تفتح مساحات واسعة للمشاركة وعملية التعبئة. وفي جانب آخر أن دخول عناصر ذات خبرات متواضعة في العملية السياسية الهادفة لبناء الدولة، يشكل تحدياً كبيراً للعملية السياسية.

تنقسم القوى السياسية المتصارعة إلى خمس مجموعات رئيسة. المجموعة الأولى قوى الحرية المركزي التي وقعت مع المكون العسكري في (الاتفاق الإطاري) وهي قوى لها شروط لدخول القوى الأخرى في دائرتها، وتعتمد على المجتمع الدولي كأداة ضغط على الآخرين وإنجاز رؤيتها. القوى الثانية هي التي كانت من قبل منضوية تحت لواء الحرية والتغيير ولكنها خرجت وكونت رؤيتها الخاصة “الحرية الديمقراطي التي تشمل أيضاً الاتحادي الأصل– الحرية الوطني– إضافة إلى حركتي تحرير السودان أركو مناوي- العدل والمساواة جبريل) وبعضها له علاقة بالمكون العسكري، والبعض الآخر له قواعد جماهيرية (حركتي التحرير والعدل) المجموعة الثالثة الحركة الإسلامية بكل مكوناتها إلى جانب القوى التي كانت مشاركة في الإنقاذ وهي قوى لها قاعدة جماهيرية وتعتمد في حراكها على هذه القاعدة. القوى الرابعة التحالف الجذري وتضم الحزب الشيوعي والمنظمات التي تدور في فلكه هذه القوى لها تأثير كبير في حركة الشارع وخروج التظاهرات. القوى الخامسة لجان المقاومة بعضهم ليس لهم ارتباطات سياسية والبعض الآخر تم اختراقه من قبل بعض الأحزاب السياسية. كل هذه المجموعات يعادلها في الجانب الآخر المكون العسكري الذي يستفيد من صراعاتها. نواصل- نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

تاريخ الخبر: 2023-01-28 03:23:22
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 57%

آخر الأخبار حول العالم

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:24
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:24:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية