لم يكن هذا الزلزال الوحيد الذي شهدته تركيا مؤخراً، إذ سبقته عدة زلازل في عدة محافظات، آخرها زلزال دوزجة الذي وقع في الأسبوع الأخير من العام الماضي والذي قُدّرَت قوته بـ5.9 ريختر. إلا أن الزلزال الذي نشهده اليوم هو الأقوى والأفجع منذ زلزال مرمرة عام 1999، حسب خلوق أوزنر رئيس معهد أبحاث الزلازل "قنديلي".

ما زالت تركيا تتذكر بألم زلزال مرمرة الذي جرى في 17 آب/أغسطس 1999 بدرجة 7.5 ريختر، وهو ليس ببعيد عن زلزال اليوم الذي ضرب عشر مدن في جنوبي تركيا شرقاً وغرباً، بقوة 7.7 ريختر حسب هيئة إدارة الكوارث. وقد أدى زلزال مرمرة إلى وفاة 17 ألفاً و488 مواطناً وإصابة 23 ألفاً و781، وانهيار 133 ألفاً و683 مبنى، إضافة إلى تَضرُّر 285 ألفاً و211 مبنىً و42 ألفاً و902 مكان عمل، تاركاً أكثر من 600 ألف شخص بلا مأوى، وتأثر به بدرجة أو بأخرى 16 مليون مواطن في مختلف المحافظات.

ومنذ ذلك الحين يُجمِع الخبراء على أن منطقة مرمرة، تحديداً مدينة إسطنبول، قد تكون على موعد مع زلزال كبير بهذا الحجم، يتخطى حاجز 7 ريختر، دون قدرة على تحديد موعده بالضبط. فالبروفيسور خلوق أوزنر، مدير مرصد ومعهد "قنديلي" لأبحاث الزلازل، ذكّر بهذا الاحتمال قبل سنوات: "للأسف لا نعرف متى، لكننا متأكدون أنه سيحصل، وأنه يقترب شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت". ولكن يبدو أن جنوبيّ البلاد سبق إسطنبول.

أعلن نائب الرئيس فؤاد أوقطاي عن حالة الخسائر في الأرواح والمصابين حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم إثر زلزال الجنوب الذي كان مركزه مدينة قهرمان مرعش، عن أن 284 مواطناً فقدوا أرواحهم. وأوضح أوقطاي أن "هناك 2323 جريحاً و1710 بناية منهارة أو متضررة". كما تأثرت قلعة غازي عنتاب التاريخية إثر زلزال اليوم وتهدم جزء منها.

جدير بالذكر أن زلزال 1999 كان نقطة حسم لجهة قوانين البناء وتراخيصها في تركيا، بحيث يُشترط في كل بناء بُني بعد هذا التاريخ مواصفات تتعلق بمقاومته للزلازل. لذلك -نظرياً- تُعتبر كل الأبنية التي تلته أفضل من سابقاتها، وإن كان بعض الجهات يقدر نسبة الأبنية المقاومة للزلازل في إسطنبول بـ%4 فقط، كما أن مؤسسات الدولة المختلفة تعمل ضمن وحدة تنسيق لرسم خطط الطوارئ وكيفية مواجهة أزمة ما بعد الزلزال إذا وقع. لكن كل هذا لا يلغي المسؤولية الفردية.

جهد كبير يبذله مختلف المؤسسات التركية وفي مقدمتها الوزارات المختلفة وإدارة الكوارث والطوارئ AFAD لتوعية الناس بالزلزال وكيفية التعامل معه وفي مرحلة ما بعده، وقبل أشهر قليلة اختُبر إنذار طوارئ يُرسَل إلى الهواتف للتنبيه لحدوث زلزال، إلا أن كثيراً من المقيمين العرب على الأراضي التركية لا يجيد التركية أو لا يستطيع الوصول إلى المعلومات الدقيقة والتعليمات الصحيحة الصادرة عن المؤسسات ذات الاختصاص والعلاقة، لذلك كان الحرص على تقديم بعض التنبيهات المهمة هنا.

ينبغي أولاً تأكيد أن احتمالية حدوث زلزال في إسطنبول واردة جدّاً، مع احتمالية أن يكون ذا قدرة تدميرية مرتفعة، إذ يُتوقع أن يقترب من 7 درجات على مقياس ريختر، وأن ظروف الساعات وربما الأيام الأولى بعده ستكون مختلفة جدّاً بحيث قد يحصل انقطاع في الكهرباء والاتصالات وبعض الخدمات الأخرى بما يصعّب التواصل. لذلك فمن المهمّ الاهتمام بالمجالات التالية على أقلّ تقدير:

أولاً قبل الزلزال: الاستعداد للزلزال منذ الآن كأنه سيحصل غداً، وعلى المستويات كافة كما سيأتي تفصيله.

ثانياً لحظة حصول الزلزال: تَذكُّر أن معظم الإصابات يقع بسبب الهلع لا الزلزال نفسه، لذلك يجب التحلّي بالهدوء وعدم المسارعة إلى الخروج من المنزل أو استخدام السلالم أو المصاعد الكهربائية، والاحتماء بمنطقة آمنة داخل المنزل بعيداً عن الأشياء الثقيلة محتمَلة الوقوع، وفي وضعية الجثوّ على الركبة مع حماية الرأس والرقبة.

أما في حال الوجود خارج المنزل لحظة الزلزال، فينبغي البقاء خارجاً، والابتعاد عن الأبنية ومصادر الطاقة وساحل البحر، والتوجه إلى مناطق فارغة من البناء، واتخاذ وضعية حماية النفس. ويمكن الاستزادة من هذه التعليمات من موقع إدارة الكوارث والطوارئ AFAD.

ثالثاً ما بعد الزلزال: بعد نهاية الهزة، يجب إحكام سدادات الكهرباء والغاز والماء وحمل "حقيبة الطوارئ" والتوجه إلى أقرب مكان تَجمُّع في منطقة السكن أو العمل، والتواصل مع الجهات المختصة في حال حدوث أضرار بالمنزل، وانتظار توجيهات السلطات والمؤسسات المعنية.

رابعاً: من الأمور المهمة استعداداً للزلزال التأكد من تماسك مبنى المنزل ومدى مقاومته للزلازل، فضلاً عن مدى الخطر الذي يهدّد منطقة السكن ككل، وذلك عبر موقع وزارة البيئة. وفي حال وجود أضرار في المبنى أو مخاطر لتعرُّضه لأضرار كبيرة، ينبغي الإبلاغ عبر رقم الهاتف المخصص لذلك 181.

خامساً: تثقيف النفس والعائلة والدائرة المحيطة بشأن الزلازل وكيف ينبغي التصرف حينها، لا سيما وأنه يأتي بغتة، وقد تكون العائلة متفرقة بين البيت والمنزل وأماكن أخرى.

سادساً إعداد "حقيبة الطوارئ" منذ الآن: هي حقيبة تنصح الجهات المختصة بإعدادها بحيث تكون جاهزة في حال حصول الزلزال تَحسُّباً للظروف الاستثنائية التي يمكن أن تعقبه، بما فيها انقطاع الكهرباء والماء والتواصل وتأخر وصول المساعدات. وينبغي أن تشمل الحقيبة ماء ومأكولات صغيرة الحجم مرتفعة السعرات الحرارية، ومما لا يتلف بسرعة مثل المعلبات، إضافة إلى مبلغ من المال وبعض الأدوية المهمة ومستلزمات الإسعافات الأولية وبطاريات وجهاز راديو وفانوس وقداحة وصفارة للإخبار عن الموقع في حال انهيار المبنى، فضلاً عن بعض الملابس.

في المحصلة، يُحتمل بشدة أن تتعرض إسطنبول ومنطقة مرمرة لزلزال كبير، لكن تحديد توقيته بدقة أمر متعذر. بَيد أن الاستعداد له على المستويات كافّة سيكون كفيلاً بتخفيض الأضرار والمخاطر المحتملة المترتبة عليه كثيراً، وهي مسؤوليات مؤسسية وفردية وجماعية في الآن ذاته.



TRT عربي