منْ يقتل من: لماذا يستحضر وزير الاتصال الجزائري سؤال العشرية السوداء؟


الدار/ افتتاحية

تأخر وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني عن تدشين خرجة إعلامية في محاولة للردّ على ما نشرته الصحف ووسائل الإعلان الفرنسية بخصوص قضية تهريب الناشطة الجزائرية أمينة بوراوي. لقد حاول المسؤول الجزائري، الذي كان ينتظر بالطبع تعليمات الجنرالات، أن يُناظر الصحافة الفرنسية بعد كل ما كشفته من انتهاكات حقوقية تشهدها الساحة الجزائرية لكنّه سقط من حيث لا يدري في فخّ البوح بما يجول في لاوعي القيادة الجزائرية التي لا تزال متخوّفة من استحضار ماضيها الأسود خلال التسعينيات. ففي معرض حديثه في حوار خصّ به موقع “الجزائر الآن” وإعادة نشره وكالة الأنباء الجزائرية يصرّح بوسليماني بأن قضية أمينة بوراوي أسقطت الأقنعة عن الصحافة الفرنسية، مقارنا بين ما تنشره وسائل الإعلام الفرنسية اليوم وبين ما نشرته خلال العشرية السوداء من خلال السؤال الشهير: من يقتل من؟

هذا السؤال كانت وسائل الإعلام الفرنسية قد طرحته خلال التسعينيات عندما كانت الجزائر تعيش تحت وطأة إرهاب وحشي راح ضحيته عشرات الآلاف من الجزائريين بين قتيل وجريح ومختفٍ ونازح. لقد كانت التحقيقات التي أنجزتها الصحافة الفرنسية آنذاك تشكك في الروايات الرسمية للسلطات الجزائرية التي كانت توجّه الاتهام للجماعات المتشددة بينما كانت بعض الشهادات المقابلة التي التقطتها هذه الصحف تتحدث عن تورّط مباشر للجيش الجزائري في أعمال القتل الوحشية التي كانت تشهدها البلاد. لماذا يقارن بوسليماني اليوم بين الانتقادات التي وجّهتها الصحافة الفرنسية للوضع الحقوقي في الجزائر وبين تلك الحقبة الدموية وما واكبها من تغطيات إعلامية؟

هذا ما يمكن تسميته بالهجوم الإعلامي الاستباقي الذي يريد أن يتوقّى أي إثارة لموضوع حسّاس جدا بالنسبة للكابرانات، ليسوا مستعدين بتاتا لإعادة فتحه من جديد في إطار الكشف عن حقائق الماضي وإعادة كتابة التاريخ الحديث للجزائر، خصوصا خلال هذه الحقبة السوداء. ما عبّر عنه بوسليماني يمثل في الحقيقة الضمير الميت للجنرالات واللاوعي الكامن في نفسية هذا الجهاز ذو التاريخ المشترك والمتشابك، والذي لا يمكن محوه بين عشية وضحاها. هذا الحوار الاستباقي الذي يريد أن ينفي الحاضر بالماضي والحالي بالفائت، هو رسالة مشفّرة إلى السلطات الفرنسية تنطوي على طلب ضمني أو تحذير خفي في أحسن الأحوال من أجل الحؤول دون أن تلجأ الصحف الفرنسية في الأيام القليلة المقبلة إلى فتح صفحة العشرية السوداء واستحضار المعطيات والتحقيقات السابقة التي يتضمن بعضها الكثير من الأدلة عن بشاعة ما جرى وعن دور الجيش الجزائري فيه.

وكأن الكابرانات يوجهون رسالة مباشرة لماكرون وللإعلام الفرنسي مفادها: “يمكنكم الحديث عن الواقع الحقوقي الحالي، لكن إياكم أن تفتحوا ملفات الماضي”. وفي الوقت نفسه هذه الرسالة هي أيضا موجهة للداخل الجزائري، والرأي العام، الذي يتفق ضمنيا مع كثير من المعطيات التي تضمنتها المقالات والتقارير الإعلامية الفرنسية خصوصا فيما يتعلق منها بالحملة القمعية التي مارسها النظام الجزائري ضد الحراك الشعبي ونشطائه. لقد كان الشعب الجزائري شاهدا على هذا المسار الترهيبي الذي تطوّر شيئا فشيئا من التضحية ببعض رؤوس النظام السابق ليصل في النهاية إلى اعتقال جلّ النشطاء وإيداعهم السجون بينما اختار بعضهم الفرار بجلده إلى المنفى الاختياري. ولدى هذا الرأي العام الجزائري أيضا ذاكرة جريحة تنتظر المداواة والمواساة بكشف الحقيقة عن تفاصيل العشرية السوداء.

لدى الكابرانات إذن مخاوف جمّة من أن يتطور النقد الإعلامي الفرنسي تدريجيا نحو هذه الدائرة المحرجة. كل شيء يمكن تقبّله والنقاش فيه إلا هذه الحقبة الغامضة من تاريخ الجزائر. إن إعادة فتح هذا الملف الحارق في هذه اللحظة التاريخية سيزيد من إضعاف نظام الكابرانات الذي بلغ مرحلة جد متقدمة في التعنت ومعارضة الطموحات الداخلية نحو الحرية والديمقراطية والانفتاح. لكن وكأن وزير الاتصال الجزائري قد ارتكب من حيث لا يدري الخطيئة القاتلة، وكأنه نبّه بشكل غير مباشر الإعلام الفرنسي إلى نقطة ضعف هذا النظام، الذي قد لا يتملّكه أي شعور بالذنب بسبب تبلّد أحاسيسه، لكنه لا يمكن بتاتا أن يتجاوز زلّاته ومخاوفه وانحرافاته ويخفيها إلى الأبد.

تاريخ الخبر: 2023-02-12 15:26:04
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

مويس يغادر منصبه كمدرب لوست هام في نهاية الموسم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:56
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

أول تعليق إسرائيلي رسمي على موافقة حماس على مقترح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:26:03
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

أول تعليق إسرائيلي رسمي على موافقة حماس على مقترح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:58
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

مويس يغادر منصبه كمدرب لوست هام في نهاية الموسم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:50
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية