فى معنى الذكاء الاصطناعى


يعني الذكاء الاصطناعى في تعريفاته البسيطة تطوير أدوات وآلات تمتلك خاصية محاكاة الذكاء البشرى من خلال تطوير أنظمة رقمية فى مقدورها القيام بالعمليات الفكرية المميزة للإنسان، مثل القدرة على التفكير أو اكتشاف المعنى أو التعميم أو التعلم من التجارب السابقة. وتعتمد هذه الأنظمة على البرمجة لأداء مهاما معقدة بمعاملات خطأ قليلة أو منعدمة فى بعض الأحيان. وقد تطورت تطبيقات متنوعة للذكاء الاصطناعى فى مجالات متعددة منها مجالات البحث والتنقيب والتشخيص الطبي ومحركات البحث على الكمبيوتر والتعرف على الصوت والصورة أو الكتابة اليدوية. ومع ذلك، ووفق الكثير من الآراء، فعلى الرغم من التقدم المستمر في سرعة معالجة الكمبيوتر وسعة الذاكرة، لا توجد حتى الآن برامج يمكن أن تضاهي مرونة التفكير والإدراك البشري. من ناحية أخرى ، حققت بعض البرامج مستويات أداء الخبراء والمهنيين البشريين في أداء مهام محددة معينة

ويضعنا وصف الذكاء الاصطناعي بأنه محاكاة للذكاء البشرى، أمام تساؤل أساسي يتعلق بمعنى الذكاء البشرى ذاته. وبالطبع فمن المعروف أن الذكاء البشرى، الذى يعنى إمتلاك الإنسان لعقل قادر على القيام بعمليات غاية فى التقيد، تمكنه من التعلم من التجارب، وامتلاك ذاكرة، والتجريد، والاستدلال وحل المشكلات والإدراك واستخدام اللغة. إلا أن الأمر المهم والذى يشير إليه علماء النفس هو قدرة الإنسان على التفاعل والتكيف مع بيئته والتلاعب بها. وهو ما يطلق عليه “التكيف الفعال” من خلال التعلم والإدراك والتفكير والذاكرة. وهذه العمليات من المفترض أن يتسم بها الذكاء الاصطناعى، ولكنه لا يزال لا يمتلك خاصية المرونة أو التكيف، كما أن الآلات ليس فى مقدورها التكاثر أو التطور الذاتى، وتطورها مشروط بتدخلات من قبل الذكاء البشرى. وكما قال المفكر الفرنسى جان بودريار “الشيء المحزن في الذكاء الاصطناعي أنه يفتقر إلى الحيلة وبالتالي الذكاء.”

وإذا كانت الحيل والبراعة خاصية بشرية، فإن ما يثير المخاوف ليس الذكاء الاصطناعى بحد ذاته، وإنما المتحكمين فيه بحيلهم وبراعتهم. وهكذا تبرز مجددا آفة البشرية، أى السلطة والتحكم، فتطوير الذكاء الاصطناعى لا ينفصل عن تطور وتطوير استراتيجيات السلطة والتحكم. وعلى ما يبدو أن موضوع السلطة والتحكم هو المسألة الحرجة فى تطورات الذكاء الاصطناعى، لأسباب متعددة منها: أولا: أن الذكاء الاصطناعى، لا يحاكى البشر إلا من المنظور الأداتى، أما من المنظور السياسى والاجتماعى فهو أداة سلطة وتحكمتستجيب بلا إرادة أو فهم لأوامر المتحكم؛ وثانيا: أن الذكاء الاصطناعى ليست مجرد أدوات بيد المتحكمين، ولكنه عصب نظام سلطة يصعب الإمساك به وسبر أغواره، أدوات للتحكم والإخفاء؛ ثالثا: وبما أن الأمر كذلك فإن توازنات القوى التقليدية التى تستهدف ترشيد وعقلنة علاقات السلطة باسم الحقوق والقيم لن تكون ملائمة للتعامل مع استراتيجيات سلطة خفية وآلية.

ومن منظور التحكم والمسئولية، فقد نفهم أن شركات الطيران مثلا سوف تكون مسئولة عن تسيير طائرتها آليا من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعى. ولكن عندما يتعلق الأمر بنظام العدالة، فما هو وضع مهنة كمهنة المحاماة فى ظل محاولات إدخال الربوت مجال العدالة كمحام يمكنه الترافع فى قضايا معينة، هل سيختفى المحامى كما سيختفى الطيار؟ وفى هذه الحالة من سيكون المسئول عن إدارة الربوت المحامى، هل هى شركات، وما هو وضع النقابات المهنية مستقبلا؟ فالروبوت المحامى لن يكون عضوا فى نقابة، كما أننا لسنا على يقين من هوية مالكه، هل هم خريجى كليات القانون والحقوق، أم أن المناهج ستتغير بإنشاء تخصصات أخرى مثل تكنولوجيا العدالة أو هندسة المحاماة؟

ومواكبة لهذه التطورات المتسارعة، تتوالى المواقف البيانات والتصريحات من مفكرين ومنظمات وممثلى حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تعبيرا عن الثناء على انجازات الذكاء الاصطناعى والقلق من تأثيراته الفعلية والمحتملة. ولأننا عادة ما نحتمى بالأخلاق لمواجهة التحديات التى تفرضها المتغيرات العلمية والتكنولوجية، فإن الرهان الحالى ينحصر فى الدعوة إلى تبنى ما يسمى “أخلاقايات الذكاء الاصطناعى”، وهذا ما تسعى إليه هيئة اليونسكو، وفى هذا السياق تقول أودري أزولاي، مديرة اليونسكو: “في حين أن الذكاء الاصطناعي يمثل أصلاً مذهلاً للتنمية المسؤولة في مجتمعاتنا، إلا أنه يثير قضايا أخلاقية كبرى. كيف يمكننا التأكد من أن الخوارزميات لا تنتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات إلى حرية الاختيار وحرية الضمير؟ هل يمكن ضمان حرية التصرف عندما تكون رغباتنا متوقعة وموجهة؟ كيف يمكننا ضمان عدم تكرار الصور النمطية الاجتماعية والثقافية في برامج الذكاء الاصطناعي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتمييز بين الجنسين؟ هل يمكن تكرار هذه الدوائر؟ هل يمكن برمجة القيم، وبواسطة من؟ كيف يمكننا ضمان المساءلة عندما تكون القرارات والإجراءات مؤتمتة بالكامل؟ كيف نتأكد من عدم حرمان أي شخص، أينما كان في العالم، من فوائد هذه التقنيات؟ كيف يمكننا ضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة شفافة بحيث يكون للمواطنين العالميين الذين تتأثر حياتهم به رأي في تطويره؟”

لا شك أن هذه التساؤلات على درجة كبيرة من الأهمية، لكن فى ظل الزخم العلمى المدعوم من السلطات وأصحاب المصالح، هل تكفى الرهانات الأخلاقية من أجل ترشيد وعقلنة استخدامات الذكاء الاصطناعي؟

تاريخ الخبر: 2023-02-20 09:23:31
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية