من الملاحظ أن المنصات الرقمية قد بدأت في الابتعاد عن التعريف التقليدي لوسائل التواصل الاجتماعي أيضاً. معظم المنصات التي يعتبرها عامة الناس منصات وسائط اجتماعية (Facebook وInstagram و Snapchat و TikTok وما إلى ذلك) لم تعد تصنف نفسها على هذا النحو.

من الواضح أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي اليوم يبحثون عن طرق بديلة للتفاعل الافتراضي. يمكنني التحدث عن موت وسائل التواصل الاجتماعي، أو قرب موتها على أقل تقدير وذلك بالشكل الذي عرفناها به، بسبب التركيز على الاستهلاك، بمفهومه الشامل أي الثقافي والسلعي، أكثر من الاتصال. يبدو الآن أننا ندخل حقبة جديدة لتغيير طريقة تفاعلنا مع منصات التواصل الاجتماعي، إذا كان من الممكن اعتبارها "اجتماعية" من الأساس.

بشكل عام يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي، على النحو المحدد في تفاعلات المستهلكين السابقة معها، تهدف إلى السماح للمستخدمين بإنشاء ومشاركة المواد من أجل التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والعائلة والمعارف. لكن في الحقيقة، لقد تغير هذا التعريف ويستمر بالتغير مع الوقت وبشكل تدريجي خلال السنوات القليلة الماضية. لمعرفة أبرز توجهات هذا التغير يلزمنا أن نلقي نظرة فاحصة على هذه التغييرات التي تحدث على مستوى المفهوم والتصورات.

أولاً: يجري تغيير السلوكيات على وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة الجيل Z. فقد كشفت دراسة استقصائية للمستخدمين أجريت مؤخراً، أنه باستثناء TikTok، فإن المستخدمين من الجيل Z هم الوحيدون من بين جميع الأجيال الذين يسجلون انخفاضاً في استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي على مدى السنوات العديدة الماضية. دعمت هذه النتيجة النتائج التي توصل إليها مركز بيو للأبحاث، والذي وجد أن المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 هم الفئة العمرية الوحيدة التي شهدت انخفاضاً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2019.

قد تبدو هذه النتائج مفاجئة ولافتة للنظر، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن جيل Z قد نشأ تماماً في ظل عصر السوشيال ميديا ويعتبرون أنفسهم على اطلاع واسع بأسرارها. هذه المعرفة الواسعة هي التي تثير استياءهم، في الحقيقية، فهم مدركون أن منصات التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) لم تعد تخدم الهدف الذي أنشئت من أجله، ويزعجهم كيف تحولت إلى أدوات تنتهك خصوصيتهم وتفقدهم الشعور بالأمن والراحة وحتى المتعة. فبدلاً من أن توفر لهم فرصة أوسع للبقاء على تواصل مع الأقران، تفرض عليهم الشعور بالعزلة والوحدة. لقد جعلت التغييرات المستمرة في وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل استخدام TikTok لـ "القصص" مثل Snapchat إلى تركيز Instagram على نوعية الفيديو القصير "Reel"، من الصعب على المستخدمين الوثوق بها.

لم يعد منشئو المحتوى يشاركون المحتوى الخاص بهم مع متابعيهم المخلصين لأجل المشاركة وحسب. بدلاً من ذلك أصبحوا منجرفين وراء خوارزميات النظام الأساسي للمنصات، والتي تفضل أنواعاً معينة من المحتوى على أنواع أخرى لإبقاء المستخدمين على التطبيق لفترة أطول. حاولت تطبيقات أحدث مثل BeReal معالجة فقدان الثقة لدى المستخدمين من خلال تعزيز خاصية الأصالة في التفاعل. ولكن حتى هذه التطبيقات المصممة خصيصاً للأصالة أصبحت سلعة. يشجع تطبيق BeReal المستخدمين على نشر صورهم خلال نافذة عشوائية مدتها دقيقتان خلال اليوم، ولكنه يمنح المستخدمين أيضاً خيار النشر في وقت لاحق من اليوم. هذا يعني أنه يمكن للمستخدمين الانتظار والنشر فقط عندما يشعرون بأنهم في أفضل حالاتهم وأكثر إثارة للاهتمام. بكلمة أخرى، لا يمكن للتطبيقات هذه الخروج من دائرة ما يسمى باقتصاد الانتباه Economy of Attention.

بعد تجريدهم من الكثير من الجوانب الاجتماعية التي كانت الأساس لهم، أصبح الجيل Z يستخدم منصات التواصل الاجتماعي كمحركات بحث. ونتيجة لذلك، حدث تحول في النموذج فيما يتعلق بالوظيفة الرئيسية لما يسمى بمنصات "وسائل التواصل الاجتماعي". بعبارة أخرى، لا تعد منصات التواصل الاجتماعي للمستخدمين من الجيل Z مجرد أداة للمحتوى والاكتشاف أو وسيلة اتصال، ولكنها أيضاً أداة للبحث عن المعلومات أيضاً.

يقود جيل Z تغييراً جوهرياً آخر في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت تُستخدَم في الأساس كأداة للتواصل عبر الإنترنت مع الأشخاص الذين نعرفهم في الحياة الواقعية، إلا أن المجتمعات المتخصصة التي تعتمد على الخوارزميات عكست هذه العملية الآن. كيف يتم ذلك؟

بكل بساطة، يلتقي المستخدمون بأشخاص مثلهم عبر الإنترنت ويمكنهم بعد ذلك اختيار الالتقاء شخصياً إذا أرادوا ذلك. خذ على سبيل المثال "booktok" أو "cottagecore". تجمع هذه "المجتمعات الصغيرة" على TikTok الأشخاص معاً استناداً إلى اهتماماتهم المشتركة، مما يؤدي إلى إنشاء مجموعات اجتماعية لا تستند إلى روابط العالم الحقيقي بل على مقاس القواسم المشتركة بينهم. هذا التغيير في النموذج عَكَسَ ما قامت عليه منصات التواصل الاجتماعي من الأساس، وهو التواصل مع الأشخاص الذين عرفناهم ونعرفهم في الحياة الواقعية. يفتح هذا المنهج الجديد الباب واسعاً للمطورين والمبرمجين لاستخدام هذه المنصات بطرق جديدة في المستقبل.

ثانياً: من الملاحظ أن المنصات الرقمية قد بدأت في الابتعاد عن التعريف التقليدي لوسائل التواصل الاجتماعي أيضاً. معظم المنصات التي يعتبرها عامة الناس منصات وسائط اجتماعية (Facebook وInstagram و Snapchat و TikTok وما إلى ذلك) لم تعد تصنف نفسها على هذا النحو. على سبيل المثال، تطلق TikTok على نفسها اسم "منصة ترفيهية"، وأصبحت Snapchat الآن تعتبر نفسها "شركة كاميرات"، وغيرت فيسبوك تسميتها إلى "ميتافيرس".

في الحقيقة إن الابتعاد عن مصطلح "وسائل التواصل الاجتماعي" ليست فكرة سيئة بحد ذاتها. تتغير طريقة استخدام الأفراد لمنصات التواصل، ولذلك ليس من المستغرب أن تتغير أيضاً طبيعتها. حالياً وبناء على خوارزميات هذه المنصات، فإن المحتوى يوضع في صدارة الاهتمام. فطالما أن المحتوى يتفاعل مع المشاهد أو المتابع، فإن ملف التعريف لمنشئي المحتوى أو عدد المتابعين لديه غير مهم.

إن نموذج "المحتوى أولاً، ثم الملف الشخصي تالياً" والذي يستخدمه TikTok (وبدأ Instagram في استخدامه لاحقاً) يقلل من أهمية الشخصية الفردية والبعد الاجتماعي المرتبط بها. لذلك، فإن تسمية TikTok نفسها "منصة ترفيهية" يعد أكثر ملاءمة من "منصة تواصل اجتماعية". إنه خيار يعطي الأولوية للمحتوى فوق كل شيء آخر.

لم يعد المستخدمون يحاولون معرفة من يمكنه الحصول على أكبر عدد من الإعجابات أو المتابعين. العديد من الدراسات قد ربطت عدد الإعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي بالتوتر العاطفي والقلق والاكتئاب. نتيجة لذلك، يبدو أن الناس قد سئمت المعايير التعسفية للمصادقة الاجتماعية التي تبنتها وسائل التواصل الاجتماعي. من خلال إخفاء عدد الـLikes، يركز المستخدمون على محتوى منشوراتهم بدلاً من استجابة الجمهور لها، مما يقلل من أهمية المقاييس الرقمية مع دخولنا حقبة جديدة من وسائل التواصل الاجتماعي. هذا ما فعلته انستغرام قبل عامين تقريباً عندما سمحت للمستخدمين بخاصية إخفاء الإعجابات والتعليقات.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي