- شاركت على الكسار فى عدة مسرحيات فى بداية العشرينيات وظهورها أضاف قيمة للعروض التى شاركت فيها

عزيزى القارئ.. أعلم أن عنوان المقالة جذبك.. وربما كان السبب فى غضبك متسائلًا: هل يُعقل أن كاتب المقالة لم يُفرّق بين لقب «سلطانة الطرب» لمنيرة المهدية، ولقب «كوكب الشرق» لأم كلثوم؟! ولو قبلنا هذا الخلط، فهل نقبل استبدال منيرة المهدية بأم كلثوم، حيث إن منيرة هى صاحبة الفرقة المسرحية التى أثرت فى المسرح المصرى، أما أم كلثوم فلا علاقة لها بالمسرح!!

وأمام هذا الخلط فى الألقاب، والاستبدال فى الأشخاص، أقول: إن لقب «سلطانة الطرب» كان أحد ألقاب أم كلثوم الكثيرة، ومنها: «البلبلة المصرية، بلبلة مصر الوحيدة، بلبلة السحر، بلبلة النيل، بلبلة الشرق، ملكة الطرب، ملكة الأنس، ملكة الإنشاد، سلطانة الطرب، ربة الصوت الرنان، سيدة المغانى، كروانة مصر المفردة، كروانة مصر الجديدة، كروانة مصر الوحيدة، كروانة وادى النيل، المغنية الساحرة، مغنية أرض النيل، الموسيقية العبقرية، الموسيقية الرشيقة، الموسيقارة المحبوبة، المطربة الشجية». وهذه الألقاب أو الأوصاف اكتسبتها أم كلثوم من خلال إعلانات الفرق المسرحية المصرية الكبرى، أمثال: فرقة على الكسار، وفرقة أولاد عكاشة، وفرقة يوسف وهبى، وفرقة جورج أبيض، وفرقة نجيب الريحانى!! وهذه الفرق جميعها استعانت بأم كلثوم كى تجذب بها الجماهير المسرحية!! ومن هنا كان تأثير أم كلثوم على المسرح المصرى، والذى وصل إلى التفكير فى عدة مشاريع كى تقف أم كلثوم؛ بوصفها ممثلة مسرحية على خشبة المسرح!!

البداية

أغلب من كتب عن تاريخ أم كلثوم، قال إنها تألقت بقوة عندما انتقلت إلى العيش فى القاهرة عام ١٩٢٢، وكانت تغنى فى بيوت الأغنياء والباشوات وكبار رجال الدولة.. إلخ! ولكنهم لم يهتموا بحفلات أخرى كانت السبب فى شهرتها أكثر، وتعرف الجمهور عليها، وهى الحفلات الغنائية التى كانت تؤديها ضمن أنواع أخرى من الفنون التى تُقام على المسارح، مثل مسرح «برنتانيا»، وتحديدًا أيام العيد فى أغسطس ١٩٢٢، عندما أعلنت جريدة «الأهرام» قائلة: «شاهدوا وتعجبوا وتعالوا إلى حفلاتنا المدهشة على مسرح تياترو برنتانيا يوم الأحد ٦ أغسطس سنة ١٩٢٢، ثالث يوم العيد الساعة ٩.٣٠ مساء. تُطرب الجمهور بصوتها البديع الرنان الآنسة (أم كلثوم)، غناء يستهوى الألباب، ويأخذ بمجامع القلوب. أدوار وقصائد جديدة غاية فى الإبداع. تعالوا واطربوا لنشهد هذه البلبلة المصرية بين الفصول! ألعاب بهلوانية مذهلة من جوقة إيطالية جديدة. رقص وألعاب من إيطالية صغيرة ترقص وتلعب على الحبل بشكل فنى مدهش. راقصات من أشهر راقصات إيطاليا. رواية مضحكة جدًا من المضحك الكبير الوطنى (محمد ناجى)».

فرقة الكسار

أول فرقة مسرحية استغلت شهرة أم كلثوم فى إعلاناتها كانت «فرقة على الكسار»، منذ أواخر عام ١٩٢٣، حتى عام ١٩٣٠، وكان الاستغلال مضاعفًا، حيث كانت الفرقة تمثل المسرحية الواحدة مرتين: الأولى ماتينيه للسيدات، والأخرى سواريه للعموم، وكانت أم كلثوم تغنى- أدوارًا وطقاطيق- بعد كل حفلة، وأحيانًا كثيرة بين فصول العرض المسرحى!! وأول إعلان نشرته جريدة «الأخبار»، جاء فيه الآتى: «حفلتان فوق العادة يوم الثلاثاء ٢٠ نوفمبر ١٩٢٣. الحفلة الأولى الساعة ٦ بعد الظهر للسيدات فقط، والحفلة الثانية الساعة ٩ مساءً للعموم (الآنسة أم كلثوم) تطرب الحضور فى الحفلتين بأدوار وطقاطيق وقصائد جديدة. ويمثل الحفلتين أيضًا جوق أمين صدقى وعلى الكسار رواية (هو أنت) يقوم بها على أفندى الكسار بربرى مصر الوحيد».

والملاحظ أن الإعلان بدأ بأم كلثوم وما ستقوم به من غناء، وجاء بعدها ما ستقوم به فرقة على الكسار وأمين صدقى!! وهذا يدل على أن اسم أم كلثوم كان الأشهر من الكسار فى هذا التوقيت، لذلك كان جاذبًا للجمهور ولقراء الجريدة، لذلك بدأت به الجريدة فى إعلانها!! وبهذا الأسلوب استمرت الصحف طوال عام ١٩٢٤، ومنها: الأهرام، أبوالهول، النيل المصورة، كوكب الشرق، تُعلن عن حفلتى أم كلثوم يوميًا للمسرحيات الآتية: القضية نمرة ١٤، ادينى عقلك، التلغراف، أحلاهم، الأمير عبدالباسط، إيدك على جيبك.

ومع بداية عام ١٩٢٥، بدأت الإعلانات تعتنى بأم كلثوم وتمجيد عملها على حساب فرقة الكسار، لذلك كانت بداية الإعلان الحديث عن حفلة أم كلثوم، وفى نهاية الإعلان نكتشف أن بعدها سيكون التمثيل، وليس العكس كما كان!! وهذا له دلالة كبيرة بأن أم كلثوم أصبحت ورقة رابحة لأى فرقة مسرحية، سواء غنت أم كلثوم قبل العرض المسرحى أو بعده أو بين فصوله، ففى منتصف يناير ١٩٢٥ نشرت جريدة «الأهرام» إعلانًا، هذا نصه: «حفلة أنس وطرب تحييها ملكة الطرب بتياترو ماجستيك يوم السبت ١٧ يناير الساعة ٩.٣٠ مساء. تطرب بطقاطيق وأدوار وقطع وقصائد، المغنية القديرة الآنسة (أم كلثوم). تطرب وتبدع وتغنى بصوتها الساحر الرائع. ويمثل جوق أمين صدقى وعلى الكسار الرواية المحبوبة (دولة الحظ)».

واستمر بهذا الأسلوب فى الإعلان بعض الصحف عام ١٩٢٥، مثل: الأهرام، التياترو المصورة، النيل المصورة، عندما أعلنت عن عروض مسرحيات: الغول، وإمبراطور زفتى، وغرايب الدنيا، وناظر الزراعة، زبائن جهنم، وأضافت الإعلانات بعض ألقاب أخرى لأم كلثوم مثل: «كروانة مصر المفردة، المغنية الساحرة».. إلخ. ومن أهم الإعلانات التى نشرتها جريدة «الأهرام»، فى منتصف أكتوبر، هذا الإعلان: 

«هل جد جديد فى العاصمة، الجميع يتساءلون!! كثر الكلام فى الأندية والمجتمعات ودور الملاهى والفنادق- حتى وفى المنازل أيضًا- عن وجود حركة فنية تمثيلية رائعة تظهر قريبًا على مسرح (تياترو الماجستيك) بشارع عمادالدين يوم الأحد ١٨ أكتوبر الساعة ٦ ونصف مساء (ماتينيه). والساعة ٩ ونصف مساء (سواريه). يتبارى فيهما شيخ المضحكين القدير (على أفندى الكسار) مع جوقته المشهورة فى روايته الجديدة، التى أخذت شهرة واسعة فى عالم الكوميك الأدبى الراقى، ولاقت الإجلال من جمهورنا الكريم، وأُعجب بها الكل. رواية (الطمبورة)!! وتظهر بين مناظرها فى الحفلتين المغنية الساحرة، والموسيقية الفنية بلبلة السحر (الآنسة أم كلثوم) مغنية أرض النيل، لتنشد مقطوعات أوبرا جديدة، وتغنى أدوارًا عراقية وطقاطيق بغدادية، فترى الناس سكارى من لذيذ النغم، يتمتعون بحنين صوتها الملائكى الذى يأخذ بمجامع القلوب وتهتز الأفئدة... إلخ».

استمرت إعلانات الكسار وأم كلثوم بهذا الأسلوب تقريبًا حتى عام ١٩٣٠، أما المسرحيات المُعلن عنها، فكانت: ٢٨ يوم، والكرنفال، والأستاذ، وحلم ولا علم، ومين اللى فيهم، والساحر أبوفصادة، وحكيم الزمان. ومن الإعلانات المتميزة فى هذه الفترة، إعلان جريدة «البلاغ» فى يونيو ١٩٢٦، الذى وصف أم كلثوم بعدة صفات وألقاب منها «سلطانة الطرب»- وهو لقب منيرة المهدية- وعنوان الإعلان «ملكة الطرب الآنسة أم كلثوم والكوميدى المدهش على الكسار». أما نص الإعلان فيقول: 

«الرواية الجديدة (الكرنفال) لأول مرة على مسرح تياترو الماجستيك. حفلتين فقط يوم الأحد ٦ يونيو، ماتينيه وسواريه، تظهر لأول مرة فى الرواية الجديدة بعد غيابها الطويل.. ملكة الأنس، وسلطانة الطرب فى الشرق، بلبلة النيل الآنسة (أم كلثوم). تغنى مقطوعات جديدة وأدوارًا غرامية وطقاطيق مصرية وقصائد هيامية غاية فى الطرب والإبداع، فتسحر العقول بإنشادها، وتخلب الألباب بغنائها، وتهز أوتار القلوب طربًا بحنين صوتها الساحر. يمثل لأول مرة جوق على الكسار الرواية الجديدة (الكرنفال)، ويقوم بأهم الأدوار الكوميدى المدهش الذى حاز رضاء الجمهور بتمثيله الكوميدى، بربرى مصر الوحيد على الكسار».

كما نشرت مجلة «المستقبل» إعلانًا مهمًا فى نوفمبر ١٩٢٨، ذكرت فيه اسمًا لأغنية من أغانى أم كلثوم، وذكرت أيضًا أسماء الموسيقيين فى تختها، وهذا نصه: «فى حفلتين عظيمتين نهارية وليلية، ماتينيه وسواريه، بتياترو ماجستيك بشارع عمادالدين، يوم الأحد ١١ نوفمبر تطربكم فى الحفلتين بصوتها الساحر (الآنسة أم كلثوم) التى تغنى كل جديد مدهش بقصائد وطقاطيق ومنولوجات جديدة، وخصوصًا المنولوج المشهور (إن كنت أسامح وأنسى الأسيّة) على تختها المؤلف من فطاحل رجال الموسيقى المشهورين الأساتذة (محمد العقاد، ومحمد القصبجى، وكريم حلمى). ويمثل جوق على الكسار رواية (الخمسة مليون) باستعداد عظيم. يمثل أهم الأدوار بربرى مصر الوحيد (على أفندى الكسار) الكوميدى النابغة».

بهذا الأسلوب استمرت الصحف- أمثال الأهرام والبصير - تُعلن عن حفلات غناء أم كلثوم ضمن الفقرات الفنية والفصول المضحكة التى يُمثلها محمد ناجى فى كازينو البوسفور أو على مسرح كافيه ريش!! وكانت إعلانات الصحف تخلع عليها الألقاب المتنوعة مثل: ملكة الطرب، وربة الصوت الرنان، وسيدة المغانى. وبدأت صورها تُنشر على أغلفة المجلات الفنية أمثال مجلة «الحسان». وهكذا أصبحت أم كلثوم نجمة متألقة، يسعى الجمهور إليها ليستمتع بصوتها!! هذه الميزة فى جذب الجمهور انتبهت إليها الفرق المسرحية- منذ بداية تألق أم كلثوم- فأرادت استغلالها طمعًا فى جمهورها لينضم إلى جمهور المسرح.