تأملات: الإنتقال أم القتال؟


د. محمد حمودة

المتابعة لما يحدث في السودان وعدم توفر إجماع وطني متماسك حول ما يسمى بالإتفاق الإطاري يرجح فرضية أن الاحداث غالبا ستقود لعلو الطرف الأكثر جاهزية من ناحية دعم خارجي وقوة داخلية تتمثل في السيطرة علي مفاصل الدولة والمال بطبيعة الحال.

يبدو لي أن الاشواق سواء كانت وطنية خالصة أو شخصية ومكاسب ضيقة هي التي ستظلل المشهد وتلقى عتامة وضبابية علي أعين صانعي الأحداث المفترضين في تيار الدمقرطة والليبرالية وبهذا أعني المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.

مع ذلك لن يكون هناك فرصة للأصوات التي تسعى للحلول الجذرية بصورة واضحة لأنه حين تكون هناك تأثيرات خارجية ولها الأولوية في صنع المواقف داخليا لا بد من حدوث مساومات وتنازلات قد تصل درجة التخلي عما يجهر البعض بأنه أولوية وهذه غالبا تكون خصما علي حضور ورصيد الأحزاب التي تخوض هذه المساومة التاريخية رغم حوجة البلاد الماسة لأفعال تخرجها من عنق الزجاجة هذا الي أفاق الحل الشامل للقضايا العالقة.

و تظل فرضية قيام حرب أهلية او نزاع مسلح قائمة بحسب المتابعة للتصريحات والتصرفات الناتجة عن بعض مستويات السلطة الحالية ومتخذي القرار فيما يتعلق بالمساومة التاريخية المنتظرة ،سيكون من خداع الذات أن عولنا كثيرا علي الأصوات المدنية فيما يتعلق بترتيبات الإنتقال وخصوصا الأيادي الخارجية تعول علي الإستقرار بأي صورة من الصور مما يرجح كفة من يحمل السلاح ويسيطر فعليا علي الموارد.

وحسب كثير من الأدبيات المتعلقة بمراحل الانتقال السياسي من نظام شمولي استبدادي الي نظام ديمقراطي ، هناك مؤشرات يمكن أخذها في الاعتبار لإنجاح مرحلة الإنتقال : منها وضع ترتيبات دستورية وقانونية تتم بالتوافق بين الفعلين الرئيسين وفي المشهد السوداني يبدو ان القوى متعددة جدا والفوارق التكوينية بينها كما أسلفت تكاد ترجح ان مرحلة الإنتقال لابد من قيام حرب أهلية أو نزاع مسلح خلالها بانتهائه يمكن للبلاد مواصلة الإنتقال السلس ومن ثم التمكن من إصدار دستور جديد، وتشكيل حكومة عبر انتخابات حرة ونزيهة، ويجب أن تمتلك هذه الحكومة القدرة والصلاحية على ممارسة السلطة وإقرار سياسات جديدة تعكس حالة الانتقال إلى الديمقراطية، فضلا عن عدم وجود قوى أخرى تنازع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية صلاحياتها واختصاصاتها ، وهذا لن يتوفر بدون قيام أجهزة قادرة علي استبدال الهياكل القديمة لهذه الإجهزة وخلق طبقة سياسية جديدة قادرة علي تجاوز إفرازات الحكم الشمولي لعقود عدة ،ويبدو لي أن تجربة لجنة تفكيك التمكين السابقة كانت من الفشل بمكان حيث انها أعلت من صوت التشفى بدلا من المبدئية الصارخة تجاه تنفيذ وتطبيق القانون بغض النظر عن المرارات الشخصية وهذا عيب تكويني يتعلق بمكونات البناء الحزبي وطبيعة المساهمين في صياغة مرحلة الإنتقال في نسختها الباهتة.

عموما تعقيد المشهد لن يجعل من الراجح توقع مرحلة إنتقالية سلسة لا يتخللها صراع دموي ومن ثم العودة لمربع المساومات التاريخية بين القوى التي تمثل تيار الدمقرطة والليبرالية وتيار العسكرة وقوى النظام الشمولي المتجذرة نفوذا في الواقع.

تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:24:50
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية