مصطفى منجم

أصدر الديوان الملكي، اول أمس الاثنين، بلاغا واضحا ضد حزب العدالة والتنمية، التي انتقدت امانته العامة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، والتي اعتبرت أن هذا الأخير يدافع في مواقفه عن اسرائيل.

واعتبر الديوان الملكي أن التصريحات التي أصدرت من الحزب المصباح هي “تجاوزات غير مسؤولة ومغالطات خطيرة”، مشيرا إلى أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية “لا رجعة فيه، وتعد من أولويات السياسة الخارجية للملك محمد السادس الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة، وأن موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسوية أو للحملات الانتخابية الضيقة”.

وأشار البيان الصادر ضد حزب العدالة والتنمية أن:”السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية”.

وفي هذا الصدد، قال رشيد باجي استاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق إن:”العدالة والتنمية أصبح يوجد حاليا في المعارضة أو يمكن القول خارج النظام، حتى المعارضة لا يمارسها لانه لم يتوفر على فريق برلماني”

وأوضح رشيد باجي في حديثه مع “الأيام 24″ أن:” هذه التصريحات مقارنة مع ممارسة الحزب لمدة 10 سنوات للسلطة التنفيذية، تقلد زمام الوزارة الخارجية في شخص سعد الدين العثماني، وعندما كان الحزب المصباح في الحكومة كان يدافع على السياسة الخارجية التي تعتبر من اختصاصات الملك، وهذا كان واضحا في تصريحات قائده عبد الإله بنكيران الذي قد أكد اكثر من مرة أن السياسة الخارجية هي من نصيب الملك، ليس انطلاقا من الوثيقة الدستورية وانما من العرف الدستوري”.

وأضاف الأستاذ الجامعي بجامعة الحسن الثاني أن:”هذه الامور قد تم التعارف عليها منذ استقلال البلاد على أن الملك هو ممارس الوحيد للسياسة الخارجية، وأن الحكومات التي تعاقبت على تسيير شؤون البلاد كانت تترك هذا الاختصاص إلى المؤسسة الملكية” مشيرا أن “بعد خروج العدالة والتنمية من الحكومة وفشلها الذريع في الانتخابات تغير الخطاب، فهنا السؤال الذي يجب أن يطرح هو لماذا تغير الخطاب؟”.

وتابع المتحدث نفسه أن:”نفس الشخص الذي كان يدافع عن المواقف الخارجية المغربية، أصبح ينتقد الحكومة المغربية وخاصة وزير الشؤون الخارجية والتعاون ناصر بوريطة، والاكثر من ذلك أن الأمين العام السابق للحزب هو الذي وقع على الاتفاق” مضيفا أن”العدالة والتنمية يريد ان يظهر للنظام المواقف المتشددة السابقة التي كانت قبل جلوسه في كرسي الرئاسة، وأيضا إظهار نوع من المزيدات السياسية، وأن الحزب لم يستوعب الهزيمة التي تلقاها في الانتخابات التشريعية السابقة، علما انه سبق وان حمل الدولة المسؤولية في إخفاقه”.

وأبرز أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية أنه:”قبل بداية في تحليل بلاغ الديوان، لابد من ذكر اختصاصات الملك في السياسة الخارجية، علما أن الوثيقة الدستورية لا تتحدث عن ذلك، ولا تقول أن السياسة الخارجية هي محفوظة للمؤسسة الملكية، وإنما للملك مجموعة من الاختصاصات، فهو الذي يرأس المجلس الوزاري ويحدد أيضا التوجهات الاستراتيجية الكبرى للحكومة على المستوى الداخلي و الخارجي، والتوقيع على المعاهدات” موضحا أن “هناك أعراف خولت للملك بعد الاستقلال المسؤولية من أجل إدارة السياسة الخارجية لا سيما في القضايا الكبرى مثل قضية الصحراء المغربية، مسألة العلاقات الثنائية مع الدول الحليفة”.

واستطرد المتحدث نفسه قائلا أن:” الأمين العام السابق للحزب المصباح بعدما تولى منصب وزير الخارجية، وإيمانا منه على أنه قادر على حلحلة ملف العلاقات المغربية الجزائرية، استأذن من الملك من أجل السفر إلى الجزائر، قبل أن يستنتج أنه لا يمكن إصلاح العلاقات بين البلدين ببساطة” مبرزا أنه”اتضح للعدالة والتنمية أن العلاقات الدولية لايمكن إدارتها ببساطة نظرا لتداخل عدة أطراف وعدة لوبيات يصعب مواجهتها كحزب سياسي”.

وأردف المحلل في حديثه أن:”الوضعية السياسية في المغرب هي وضعية حارجة، لان المغرب يدافع عن مصالحه الوطنية، هناك القضية الفلسطينية كان الشعب المغربي في السنوات الماضية يدافع عنها ومازال ذلك إلى حد اليوم، لكن في هذا الوقت أصبحت القضية الوطنية الأولى هي التي تحظى باهتمام كبير واغلاق هذا النزاع وحل هذا المشكل وانهاء الصراع وربح القضية” معتبرا أن”السياسة الخارجية هي ليست حكرا على المؤسسة الملكية، بل تحددها مجموعة من الفاعلين في صنع القرار، كالاحزاب السياسية”.

وأكد أيضا أن:”الحزب السياسي ينطلق من فكر حزبي في حين أن الدولة أو النظام ينطلق من منطلق وطني ومصلحة وطنية، وأن مايهم المملكة المغربية هو اعتراف الدول الكبرى بمغربية الصحراء”.

يشير رشيد باجي في حديثه مع “الايام 24″ أن:”البلاغ في فقرته الثالثة جاء بصيغة الجمع، وهي رسالة واضحة إلى جميع الفرقاء السياسيين، لان مضمون البلاغ لا يتحدث عن النقاش السياسي أو المساهمة الفعالة في صنع القرار وانما ابتزاز” مضيفا أن “الديوان الملكي رأى في بلاغ العدالة والتنمية انه هناك مصلحة حزبية خالصة، لانه لا يهدف من خلال ذلك إلى مصلحة وطنية”.

وابرز الأستاذ الجامعي أن:”هذا الخطاب كان موجه أيضا للاحزاب والجماعات التي تستمد شرعيتها من الاسلام السياسي، وهي عبر التاريخ كانت تستعمل القضية الفلسطينية لكسب المزيد من الشرعية السياسية” مشددا أن “بيان الديوان الملكي كان صريح وليس قاسي، لأن المصلحة الوطنية فوق كل شيء، لأنه شدد في صياغته للبلاغ على كلمة الابتزاز وليس النقاش السياسي، واعداء الوحدة الوطنية يستغلون ذلك في خلق رأي عام عربي مضاذ للمصالح المملكة المغربية”.

ويقف المحلل نفسه في تصريحه عند :”الابتزاز والمصالح الفئوية يجب تركها، والتركيز على المصلحة الوطنية وتطوير الديبلوماسية بشكل موضوعي وفعال، كما يمكن مساءلة وزير الخارجية داخل البرلمان باعتباره وزيرا داخل الحكومة”.

وأكد رشيد باجي على أنه لا يجب نسيان نقطة ترأس الملك للجنة القدس، ويكتسب الشرعية الدينية باعتباره أمير المؤمنين وينسب إلى نسب الشريف، وأن رئاسة مجلس القدس لم يكن عبثا، وذلك بحكم تمنعه بشرعية دينية وتاريخية.

واعتبر الباحث في الشؤون الدولية على أن قيادة هذه اللجنة لها مجموعة من الدلالات، وأن التصريحات التي نطق بها قادة الدول خير دليل للدفاع عن مصلحة القدس وعن القضية الفلسطينية، وأن الملك لا يستعمل علاقته مع اسرائيل في القضية الوطنية فقط، وانما حتى القضية العربية الفلسطينية.

واختم الاستاذ الجامعي رشيد باجي حديثه مع “الايام 24” بعد أن نبش في ذاكرة الديبلوماسية المغربية، على أن ماقام به الملك الرحيل الحسن الثاني في مسار مسلسل السلام مع مصر وأيضا فلسطين، التي حقق من خلاله هذه الأخيرة مجموعة من المكاسب كعودة غزة إلى الحكم الذاتي، وأن هذه القضية يجب ان يتضامن معها جميع الفاعلين وليس المغرب وحده من أجل حل هذا النزاع.