قبل أيام انتهيت من قراءة رواية شدتني بشكل ساحر للروائي والسينمائي الأفغاني، عتيق رحيمي.
والوسط الثقافي العربي وخصوصا من هم على شاكلتي أحاديي اللغة. يعني لم أتعرف على النتاج الفكري والإبداعي لرحيمي إلا من خلال قراءته باللغة العربية، وهو عيب كبير في المثقف أن لا يجيد إلا لغة واحدة يطل من خلالها على العالم، ولكم أفرح حينما أشاهد شبابا يتابعون ويقرأون بلغات أخرى، وأنا أستغرب ممن يجيد لغة أخرى ويستعملها في حراك الحياة اليومية مثل المطاعم والهاتف وغيرها فقط.
المهم أنني تلقيت رواية حجر الصبر لعتيق رحيمي كما أراد لي المترجم "صالح الأشمر" أن أفعل وكما هو مكتوب على غلاف الرواية أنها صدرت في عام 2013م طبعة دار الساقي، وهذه الرواية ليست أول ما وصل للقارئ العربي لرحيمي، بل سبق أن تعرف عليه القارئ العربي من خلال رواية "أرض ورماد" ترجمة إسكندر حبش" عن دار الآداب الصادرة في عام 2002م.
أهديت رواية حجر الصبر للشاعرة الأفغانية "ناديا أنجومان"، والتي توفيت في عام 2005م إثر تعرضها للضرب المبرح على يد زوجها بعد إصدارها ديوانها الأول والأخير "الزهرة القرمزية"، ومثل هذا العنف ضد المرأة في أفغانستان حالة شائعة وتأكد ذلك أكثر في حكم طالبان، الذي فصل دين وإسلام بمقاس التخلف والتطرف والعنف حتى حرموا المدارس على الإناث وكيف لا يفعلون ذلك وهم يعتقدون أن الأنثى هي سبب المعاصي والشرور وهي من ستدخلهم إلى جهنم، كما سبق أن أخرجتهم حواء من الجنة هذا الموقف من المرأة في أفغانستان المعاصرة يتكئ على خطاب راج بين جهلة عوام الوعاظ والمذكرين، كما جاء في كتاب "ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار" وهو مؤلف مغمور لمؤلف مجهول اسمه إسماعيل بن نصر بن عبد المحسن السلاحي المعروف بابن القطعة، وهي مؤلفات دونت في فترات تغول العوام وانتشار التفكير العامي السوقي وما جاء في هذا الكتاب لا يتعدى تفكير العامة وأفكارهم وسأنقل بعض ما جاء في منظومة ابن القطعة التي شرحها بعد إيراده لمنظومته وهي ركيكة إلا أن وزنها يعجب العوام ويطربهم يقول ابن القطعة:
(( لا تركنن إلى النساء
وعدهن من الأجانب
واضربنهن إذا جنين
جناية ضرب العقارب
لا يعجبنك ما ترى منهن
وانظر في العواقب
كم شيبت أفعالهن
من النواصي والذوائب
من كيدهن تصيبك
البلوى وآفات المصائب
فحبائل الشيطان هن
له مطيعات الجوانب...
وبعد أن أورد ابن القطعة هذه المنظومة وعدد أبياتها 84 بيتا وصف النساء فيها بجميع أوصاف الذم والسوء، واتهم فيها النساء بجميع تهم الكيد والتآمر والرذيلة.
في رواية عتيق رحيمي اتكأ الروائي على معرفة دقيقة بالنفسية الأفغانية وموروثها الاجتماعي والنفسي، ويتجلى ذلك في مشهد دخول المسلحين من المجاهدين وحينما أخبرتهم بطلة الرواية كاذبة أنها مومس خرجوا من بيتها هاربين لأنهم يرون أن المومس لا تستحق الاغتصاب، أما أخت المجاهد أو زوجته فهي من الممكن أن تغتصب؛ لكي يتحقق الهدف من الاغتصاب وهو كسر روح الخصم المجاهد، يفاجئنا رحيمي بتصوير هذا الثراء من خلال بوح البطلة الداخلي والخارجي بوح يدل على ثراء معرفي تميز به المؤلف عتيق رحيمي، ومن أراد أن يتعرف على مشاكل المرأة الأفغانية فعليه أن يقرأ رحيمي عموما وهذه الرواية على وجه الخصوص.
كما أن رحيمي سبق أن أذهلنا في روايته الأولى التي طبعتها دار الآداب "أرض ورماد"، كما ورد ذكرها سابقا، وأظن أن فوز رواية "حجر الصبر" بجائزة غونكور هو ما أغرى بترجمتها للعربية فالنقاد العرب عموما لا زالوا أسارى الذائقة الغربية إلا القليل منهم. يجب على المتلقي عندنا أن يتخلص من الصورة النمطية التي رسمها لأفغانستان وشعبها كمكان للمجاهدين الشهداء الذين تفوح من أجسادهم رائحة المسك والعنبر! لقد ضلل هذا الخطاب الكاذب عوام الناس، وروجه خواصهم وهذا ما نعاني منه حتى هذه الساعة ببحثنا عن مآلات المجاهد في أفغانستان من رائحة المسك والحور العين وغير ذلك.
