انتبهت مدينة مراكش للحكاية و مآل الحكواتيين كقضية ثقافية منذ سنة 1997،حيث ظهر أول مرة مفهوم <<التراث الشفوي غيرالمادي>> على إثر أول استشارة دولية نظمتها اليونيسكو بالمغرب و الحكومة المغربية .و ما تزال هذه القضية قائمةً و أحوال رواد الحلقة ماثلة للعيان…

و تأسياً بتعليق الملك الراحل الحسن الثاني- عند إقامة هذه الندوة الدولية ذات البعد التاريخي والذي جاء فيه [ … مشروع مهم، يجب قبل كل شيء أن يأخد كأساس لتحقيقه الفنون الشعبية و الآداب الشعبية المنطوقة بالدارجه و بتشلحيت، ويعتمد في هذا كله على القُدماء و العُرفا من أهل مراكش ….] سنرصد بعدا أساسيا قد يعزز قضية الحكاية و مستقبل أشهر ساحة ثقافية في منطقتنا المغاربية.

موسم الحكايات: موسم كنا ننتظره منذ زمن بعيد،و قد طالت المدة ،واجتهد المجتهدون وجائت مباردة جمعية منية مراكش بإرساء اللبنة الأولى لمدرسة الحكي عن طريق توفير مؤسسة لاحتضان الشباب المهتمين بفن الحكي و تطوير مهاراتهم وتدريبهم على يد اساتذة و معلمين من أمثال المعلّم عبد الرحيم الأزلية و المعلم محمد بارز و الغاية بحسب ما جاء في أدبيات الحمعية المذكورة ، تبليغ هذا الإرث و تمريره للأجيال الجديدة و والمحافظة على استمراريته أولا بأسانيده المتصلة بشيوخ الحلقة و القصة كما كان الأمر عليه في ساحة جامع الفناء لمدة عصور . زادت عليه أبعاد جديدة و صميمة توسع من أفق الراوي القصاص في المستقبل، نذكر منها درس الأستاذ جعفر الكنسوسي : في أدبيات الحكي و التاريخ الروحي للساحة و صلته القوية باوساط الزواية المغربية.

ويعزز المضامين الثقافية الجديدة درس الأستاذ ابراهيم الهنائي في فن المسرح و مسرح للحكواتي على الخصوص،
و درس الأستاذ عبد الغني ويدة: في فنون الخط العربي و المغربي.
و درس الأستاذ پاتريك ماناك: أدبيات الحكاية في الثقافة الفرنسية.
و أخيراً درس الشاب زهير الخزناوي: في اللغة الإنجليزية. وسنعود إلى ذكر هذا الحكواتي الشاب.

رغم تبعات الجائحة و ما قاسته أوساط و ورواد الحلقة من جراءها، فإن مجْمع المدرسة ترتب عنه أمر لم يكن في الحسبان و هو إنشاء جمعية إتحاد شباب الحكواتيين و رئيسها المؤسس هو زهير الخزناوي رفقةَ ثلة من الشباب ذوي الاهتمام نفسه و الذي سيقود أول نسخة من المهرجان العالمي للحكواتيين .

ففي سنة 2022 شهر فبراير ، شهدت مدينة مراكش النسخة الأولى للمهرجان الدولي للحكواتيين : موسم الحكاية. و أثمرت نجاحا عظيماً بالرغم من السرعة التي نُظمت بها. ساهم الصدى المدوي في فتح الطريق لنسخة ثانية من المهرجان العالمي للحكي و الحكاية برعاية سامية لجلالة الملك محمد السادس و الذي امتد الفترة ما بين ال12 الى 19 من فبراير 2023.

ومن المؤشرات المهمة التي ميزت هذه النسخة هي الشراكة التي ابرمت بين كل من المديرية الإقليمية للتعليم بمراكش و إدارة المهرجان في شخص جمعية إتحاد الحكواتيين للإبداع الثقافي و فن الحكاية و التي أتاحت ورشات و عروض للحكي و فن الإلقاء داخل المؤسسات التعليمية في مختلف أسلاكها بمدينة مراكش … فقد نُظّمت هذه الدوائر بمشاركة مثيرة من كبار الحكواتيين العالميين الذين حجوا إلى مراكش من أجل موسم الحكايات هذا.

و بموجب الشراكة المذكورة ، و تشجيعاً على إبراز مواهب التلميذات و التلاميذ و تنمية حسهم الفني و إيقاظ هممهم و تذوقهم الأدبي ، و تحفيزهم على التفتح على ثقافات أخرى: استفاد هؤلاء من هذه التجربة الغير مسبوقة .

أما بخصوص انطباعات المشاركين و المشاركات من أعلام الحكواتيين الأجانب ، فأسوق مثل :إيمي دوگلاص ، الحكواتية البريطانية ،و هي صاحبة مؤلفات عديدة ، نذكر منها قَصص من شروپ شاير مسقط رأسها و الذي حكت منه أكثر من قصة على مسامع التلميذات و التلاميذ . ثمنت هذه الأخيرة مستوى التلاميذ في اللغة الانجليزية بالمدرسة العمومية.و لفت نظرها تمكن التلميذات و التلاميذ من رصيد لغوي جدير بالتنويه. وقد انتاب نفس الشعور كل من الحكواتيتين البريطانيتين ساره لويد و كلير جيلار . أما ماريا الإيرلاندية فتأكدت من ان التلاميذ لديهم الاستعداد القبلي و الخيال الواسع لابتكار قصص خاصة بهم .

كما تفاجىء كل من الحكواتي العالمي سيف تاونسند و السور طافي طوماس والحكواتي الأمريكي ذو الأصول الأفريقية :باباسي و الحكواتي دجون رو من تفاعل التلاميذ مع حكاياتهم و تمكنهم من حل ألغازها لسابق معرفتهم بها و اهتمامهم بعوالم الحكاية.
هذا بالاضافة للإسهامات التي أدتها الحكواتيه المغربيه والتي أتتنا من مدينة فاس زكيه اليوبي والحكواتي التونسي الشهير هشام درويش فضلاً عن الحكواتيين الشباب المراكشيين أتراب زهير الخزناوي كالحكواتيات حكيمة مردي، هناء القرشي و سلمى أيت عمو بالإضافة للحكواتيين إبراهيم الدلدالي ، و مهدي الهديدي و الحكواتي المراكشي وهو أشهر الحكواتيين الشباب بمدينة مراكش مصطفى الحنش الرگراگي الذي ورث صنعة الحكي عن أبيه الحكواتي وأمه .

كانت فعاليات هذا الموسم فرصة سانحة لتلاميذ المدرسة العمومية للقاء عمالقة هذا الفن على المستوى العالمي و الاجمتاع بهم لمدة ساعات داخل المؤسسات التعليمية و لربما أن معظم هؤلاء التلاميذ اليافعين لم يسبق لهم أن زارهم في حجرات الدرس حكواتيون أعلام عامة و من بينهم شخصيات أجنبية مرموقة .

لقدأابهرتهم هذه الشخصيات بحكيهم المثير حيث صرح الكثير من التلميذات و التلاميذ بإعجابهم المفرط بهذه اللقاءات القوية الأثر في النفوس و على وجه الخصوص في نفوس التلميذات و التلاميذ و هم أجيال مستقبل بلدنا.

وقد عرج الحكواتيون والحكوتيات على مواضيع شتى من خلال حكاياتهم العجيبة و الغريبة ،إلا أنها كانت كلها تحمل بين ثناياها زاداً كبيراً نافعاً من القيم الأخلاقية السامية و نذكر من بينها : إحترام كبار السن، صلة الرحم، القناعة ، الصدق مهما كلف الأمر، أهمية العائله و الاعتزاز بالانتماء و حب الوطن. كما كانت القصص المبتدئة بالأحجيات و الألغاز اختباراً رائعاً لفطنة و سرعة بديهة التلميذات و التلاميذ.

و أخيرا، يبدو وكأن روح جامع الفناء حامت خلال هذه اللقاءات المباركة داخل المؤسسات التعليمية .ولاشك أنها أسفرت على نتائج محمودة على مستويات عدة.

فنضرب موعداً بل مواعيد أخرى في الموسم القادم .و لاشك سيأتي بلقاءات رائقة اخرى يستحسنها المربي و التلميذ المتلقي و تفيض عطاءا و استكشافاً.

بقلم فاطمة آيت عبد الرحمان
أستاذة اللغة الإنجليزية و عضو اللجنة المنظمة لمهرجان مراكش العالمي للحكاية.