في إحدى المشاهد التي تجمع بين “حامد” وصديقته “سارة” خلال أحداث مسلسل “سره الباتع”، يدور الحوار بين الاثنين حول الأسطورة ومنشأ الأساطير وأصلها ومن أين جاءت، وكيف أن الأساطير ليست خرافات بقدر ما هي تاريخ لوقائع حقيقية، جرى تضخيمها وتفخيمها والمبالغة في روايتها من تناقلها عبر الرواية الشفاهية، حتى تصير أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، كما الحال في حكاية السلطان حامد، وكيف تحولت روايته للمقاومة الشعبية المصرية للحملة الفرنسية إلى أسطورة ضمن مئات الأساطير التي تناقلها المصريون عبر تاريخهم الممتد منذ أجدادنا المصريين القدماء.

وفي مجلده الضخم المعنون بـ “موسوعة الفلكلور والأساطير العربية”، يعرف الباحث شوقي عبد الحكيم الأسطورة كما لاحظ دارسوها المبكرون، ما هي سوى “تآليه للوقائع البشرية”. 

أما دارسو الأساطير المقارنة، مثل “فريزر” فقد توصلوا إلى تفسيرات للظواهر الكونية، وكذا للتقويمات، من شمسية السنة الميلادية لقمرية السنة الهجرية أو القمرية، التي تنقص سالفتها ــ أو نظيرتها ــ الشمسية بأحد عشر يوما ــ نسيئة ــ مثلها مثل الأساطير الفرعونية المتصلة بالخلق، للآلهة أنفسهم، وهم الذين خلقت الآلهة خمسة منهم خارج الزمن.

ــ خصائص الأساطير 

ويوضح “عبد الحكيم”: قصة أو فابيولا أو مأثور، يحمل بالطبع والضرورة، سمات العصور الأولى والقديمة، مفسرة معتقدات الناس بإزاء القوى العليا والسماوية: آلهتهم وأنصاف آلهتهم، أبطالهم وخوارقهم وكذا معتقداتهم الدينية. 

وكما يذكر “سيرج” فإن غرض الأسطورة هو التفسير بالإضافة إلى الغايات التعليمية والاعتقادية، فالأسطورة تفسير لقضايا أو أصل وجوهر العلم، في عصور ما قبل العلم. 

ويشدد “عبد الحكيم” على: من ذلك، أن تخبرنا الأساطير كيفية خلق الكون، والإنسان والحيوان، وكافة المخلوقات والمعالم الأرضية، من أنهار وجبال ووهاد. كذلك فإن العلاقة وثيقة بين الأساطير والخرافات والمأثورات الطوطمية من حيوانية ونباتية، بل وحشرات وزواحف من عناكب وديدان، أخصها الدودة ــ دودة العلق ــ التي صيغ منها الإنسان القديم.

ــ التداخل بين الأسطورة والحكاية الشعبية

ويلفت “عبد الحكيم” إلى أن معظم الفلكوريين دائمو التشكك من مدى التدخلات والمزاوجات بين عناصر كلا من الأسطورة، والحكاية الشعبية، خاصة تلك الحكايات الطقوسية، للمقدسين والمباركين، وأولياء الله الصالحين، وما أكثرهم في تراثنا بدءا بالحكيم لقمان، والأقطاب الأربعة، ومنهم الخضر أبو العباس.

وبعض الحكايات الشعبية ما تزال تحمل سماتها الرئيسية، كبقايا ــ أو أشلاء ــ أساطير، وهو ما سبق ولاحظه الأخوان جريم.

فالكثير من الأساطير، اجتذبت وانتفعت بموتيفات وتضمينات الحكايات الشعبية البسيطة أو الساذجة، وبذا رفعتها إلى عوالمها الفوقية، فعندما أصبح الشطار والمكارون بشريين بدلا من كونهم في السابق مقدسين، وعندما أصبح البطل إنسانا بشريا بدلا من كونه إلها، أصبحت الأسطورة، حكاية أو أحدوثة ــ حدوتة ــ وخارقة أكثر بساطة.