الدار- خاص
الارتباط الوجداني القوي للمغرب ملكا وشعبا بالقضية الفلسطينية، يمتد الى حي في القدس يسمى بـ”حي المغاربة”، كدليل حي وراسخ على ارتباط المغاربة بهذه المدينة التاريخية والدينية العريقة، ذات الأبعاد الرمزية والروحية في الثقافة الإسلامية.
ورغم مخلفات فترة النكبة على المدن والقرى الفلسطينية، ظل حي المغاربة منحوتا في ذاكرة المغاربة، شاهدا على أن المغاربة كانوا هناك في القدس بجوار المسجد الأقصى. “حي المغاربة” آثار حي عربي عمره قرون دمرته إسرائيل في العام 1967، بعد احتلال القدس الشرقية في حرب 1967، قبل أن يعود هذا الحي الى واجهة النقاش من جديد، خاصة بعد أن حذر خبراء التراث، شهر فبراير 2023، من طمس الهوية التاريخية لحي المغاربة في القدس.
من بين الذين اهتموا بحي “المغاربة” في القدس، نجد المؤرخ الفرنسي، “فينسينت لومير”، الذي صدر له كتاب عن هدم الحي تحت عنوان “عند أقدام السور: حياة وموت حي المغاربة في القدس”. في هذا الكتاب يشير المؤرخ الفرنسي الى أنه ” لم يتوقع أحد اكتشاف هذا العدد الكبير من بقايا حي المغاربة المحفوظة إلى هذا الحد”، موردا :” كان بإمكاننا السير لبضع ساعات وسط حي المغاربة القديم في شوارعه وساحاته ومنازله”.
يعود تاريخ تشييد “حيّ المغاربة”، الذي كان محاذيا للحائط الغربي أو “حائط المبكى” بالنسبة لليهود، غرب باحات المسجد الأقصى، الى عهد صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي للحجاج المسلمين من شمال إفريقيا، لكن عند احتلال القدس الشرقية في يونيو من العام 1967 تم إجلاء السكان قسرا من منازلهم قبل هدم الحي في ساعات الليل.
في هذا الاطار، تشير دراسة حديثة موسومة بعنوان “المغاربة في بيت القدس”، الى أن إسرائيل قامت بهدم حارة المغاربة عام 1967، وتشريد سكانها، وهجرة آخرين إلى الأردن، حيث أقاموا بزاوية مغربية بعمان، وعودة البعض إلى المغرب، فيما توزع الباقون على أحياء القدس.
شهر يناير 2023، أعلنت سلطة الآثار الإسرائيلية عن اكتشاف بقايا حي المغاربة، مؤكدة أنها ” آثار حديثة جدا”، و أنها وثقتها وأنّه سيتم نشر المعلومات المتعلقة بها في مجلة علمية، فيما أكد المؤرخ الفرنسي، “فينسيت لومير”، الذي يرأس مركز الأبحاث الفرنسي في القدس، أن ” عرض مثل هذه القطع الأثرية يمكن أن يكون بمثابة شهادة على “التاريخ العادي لهذا الحي الاستثنائي” وسكانه الـ 800 الذين طردوا.
محمد سالم الشرقاوي، المدير المكلف بتسيير وكالة بيت المال القدس الشريف، من جانبه، يؤكد في تقديمه لدراسة حديثة موسومة بعنوان “”المغاربة في بيت المقدس”، أن ” قرب المغاربة من القدس ليس عنوانا لحضور ظرفي أملته الحمية والعاطفة لنصرة جيوش صلاح الدين لفتح عكا ومنها إلى القدس قبل ثمانية قرون، بل هو تضامن مبدئي وثابت، ممتد في الزمان والمكان، قوامه الانتصار للحق، في ظل الحكمة والتدبر والواقعية”.
من الذين تناولوا، أيضا موضوع “المغاربة في القدس”، نجد الدكتور نظمي الجعبة، الذي أعد دراسة بعنوان “المغاربة في بيت المقدس” بتعاون مع فريق الجمعية الفلسطينية الأكاديمية، لفائدة وكالة بيت المال القدس الشريف.
وتكشف الدراسة، التي نشرت في كتاب من 330 صفحة، العديد من المعطيات التاريخية حول الوجود المغربي في القدس منذ قرون خلت، جزءا مما وثقه الرحالة والمؤرخون عن استقرار الأجناد المغاربة من الجيش الفاطمي في القدس، وعن حضور علمائهم في الحياة العلمية والفكرية في المدينة منذ المراحل الأولى من الفتوحات الإسلامية، من خلال رحلات طلب العلم والزيارة والمجاورة بعد أداء مناسك الحج أو قبلها.
“حي المغاربة” سيظل برمزيته التاريخية الضاربة في القدم، عربونا يؤرخ للوجود المغربي في القدس، ورمزا يؤكد المكانة الدينية الرفيعة التي خص بها المغاربة مدينة مجللة بالقداسة، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى المصطفى عليه الصلاة والسلام.
لذلك، لا غرو اليوم أن نجد أن القضية الفلسطينية تحتل مكانة كبيرة في قلوب كل المغاربة، الذين جعلوا من فلسطين ككل قضيتهم الأولى وساهموا في الدفاع عنها، دون نسيان أن جلالة الملك محمد السادس يرأس لجنة القدس، حيث في افتتاح الدورة العشرين لهذه اللجنة المنعقدة في مراكش سنة 2014 :” قضية القدس أمانة في عاتقنا جميعا حيث جعلناها في نفس مكانة قضيتنا الأولى وأحد ثوابت سياستنا الخارجية”.
