تأثير القيامة العامة علي البشرية
تأثير القيامة العامة علي البشرية
تحتفل كنيستنا, في هذه الليلة المباركة, بعيد قيامة السيد المسيح من بين الأموات. ولأجل هذه المناسبة المقدسة الكبيرة, أتقدم لكم جميعا, بأخلص التهاني القلبية بهذا العيد, طالبا من الله بأن يكون هذا العيد, سبب بركة وخير وتقدم, لنا جميعا, ولكنيستنا المقدسة, ولوطننا العزيز مصر, قيادة وشعبا, وللعالم أجمع.
أما عن موضوعنا, في هذا العيد, فهو عن : تأثير القيامة العامة علي البشرية .
1- وفي مقدمة حديثنا في هذا الموضوع, هي قيامة السيد المسيح من بين الأموات, وعلاقتها بقيامة البشر .
من المعروف إيمانيا لنا, بأن السيد المسيح هو الله المتجسد (1تي 3 : 16), وصلب ومات جسديا, لكن لاهوتيا لم يصلب ولم يمت . وكان الهدف من صلبه وموته, هو تقديم الفداء والخلاص لجميع الناس, وقد تم هذا فعليا.
ولذا قيامته من بين الأموات حدثت بسلطان لاهوته المتحد بناسوته, فنجد لاهوته المتحد بروحه وجسده قام بإرجاع الروح الإنسانية إلي جسده الطاهر, فحدثت له القيامة من بين الأموات, وتصديقا لهذا قال هو بفمه الطاهر:أنا هو القيامة والحياة, من آمن بي ولو مات فسيحيا (يو11: 25).
وتصديقا لهذا, قال لليهود عن جسده :انقضوا هذا الهيكل, وفي ثلاثة أيام أقيمه…أما هو فكان يقول عن هيكل جسده فلما قام من الأموات, تذكر تلاميذه أنه قال هذا, فآمنوا بالكتاب, والكلام الذي قاله يسوع(يو 2 : 19, 21, 22) .
هذا هو إيماننا, بقيامة السيد المسيح من بين الأموات, وأنه هو الذي يعطينا القيامة من بين الأموات, وتأكيدا علي هذا, قال القديس بولس الرسول في رسالته الأولي لأهل كورنثوسقد قام المسيح من بين الأموات, وصار باكورة الراقدين (1 كو 15 : 20 ).
2- وإعدادا لفكر البشر للقيامة العامة, أو قيامة الأجساد من بين الأموات, سبق وأعلن الله صراحة للبشرية, نبوءات تنبئ عن هذه القيامة .
وذلك تمهيدا لتقبل البشر, لفكرة عقيدة القيامة العامة, أو قيامة الأجساد, والإيمان بها .
وفي مقدمة الأنبياء, الذين تنبأوا عن قيامة الأموات, هو حزقيال النبي في سفره, فقال في نبوته :هكذا قال لي : تنبأ علي هذه العظام, وقل لها أيتها العظام اليابسة, اسمعي كلمة الرب, هكذا قال السيد الرب, لهذه العظام, هأنذا أدخل فيكم روحا فتحيون, وأضع عليكم عصبا , وأكسيكم لحما, وأبسط عليكم جلدا, وأجعل فيكم روحا فتحيون, وتعلمون أني أنا الرب … فتنبأت كما أمرني, فدخل فيهم الروح, فحيوا وقاموا علي أقدامهم, جيش عظيم جدا جدا (حز 37 : 4, 5, 6, 10 ) .
وكما أنبأ حزقيال النبي عن قيامة الأجساد, أنبأ هكذا, دانيال النبي, وقال في نبوءته المشهورة, التي تتكلم عن القيامة والدينونة العامة : وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض, يستيقظون هؤلاء إلي الحياة الأبدية, وهؤلاء إلي العار للازدراء الأبدي(دا 12 : 2 ) .
إذا واضح من النبوءات الخاصة بالقيامة العامة, والتي ورد عنها الكثير من النبوءات في العهد القديم, كلها تؤكد حقيقة القيامة العامة, أو قيامة الأجساد, والدينونة التي تليها بعد ذلك .
من جانب آخر, كما أنبأ الكتاب عن القيامة العامة علي أيدي الأنبياء الصديقين, كذلك أنبأ السيد المسيح له المجد في العهد الجديد عنها, في حديث له مع الصدوقيين, قائلا لهم :أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب, ليس الله إله أموات, بل إله أحياء(مت 22 : 31, 32 ), (مر 12 : 26, 27 ),(لو 20 : 37, 38).
ولم يكتف المسيح, بحديثه هذا مع الصدوقيين عن القيامة, بل أنبأ وأعلن في موضع آخر عن القيامة من بين الأموات, والتي تليها الدينونة العامة, ويتضح لنا مما نذكره في هذا الصدد: فإنه تأتي ساعة, فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته, فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة, والذين عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة(يو 5 : 28, 29 ).
وإضافة لذلك, يجب أن نذكر ما أشار إليه البعض من الآباء الرسل, حول قيامة الأجساد, ومن بين هؤلاء القديس بولس الرسول, الذي قال في رسالته الأولي إلي أهل كورنثوس:هكذا أيضا قيامة الأموات, يزرع في فساد, ويقام في عدم فساد, يزرع في هوان, ويقام في مجد يزرع في ضعف, ويقام في قوة, يزرع جسما حيوانيا, ويقام جسما روحانيا… وكما لبسنا صورة الترابي, سنلبس أيضا صورة السماوي … وهذا المائت, يلبس عدم موت ( 1كو 15 : 42, 43, 44, 49, 53 ) .
بالتالي, من كل هذه النبوءات, والتعاليم التي أشرنا إليها الخاصة بالقيامة, تؤمن المسيحية بعقيدة القيامة العامة, وتعلنها في العبادة العامة والخاصة, في كافة ليتورجيات الكنيسة, وخاصة قانون الإيمان المسيحي, الذي يؤمن به الكل, والذي فيه نعلن إيماننا بهذه العقيدة, ونصلي قائلين وننتظر قيامة الأموات, وحياة الدهر الآتي.
إذا الموت للبشر ليس فناء, بل هو انتقال من عالمنا الأرضي إلي العالم الآخر, لأن بموت الإنسان, يرجع جسده إلي:الأرض كما كان, وترجع الروح إلي الله الذي أعطاها)جا 12 : 7 ) .
فالجسد الذي مات, ودفن في تراب الأرض, سوف يقوم من بين الأموات, بقدرة الله وسلطانه, مع بقية أجساد البشر الذين ماتوا, أما عن روح الإنسان بعد موته, ترجع إلي الله, كما أشار الكتاب, ويحفظها في الموضع المعد لها, سواء كان مع الأبرار أو الأشرار, وذلك إلي يوم القيامة العامة .
3- من جانب آخر, أراد الرب, أن يؤكد علي عقيدة قيامة الأجساد لدي البشر, لذلك أقام بعض الحالات من بين الأموات في العهدين .
ومن أمثلة ذلك في العهد القديم, نجد أن إيليا النبي, أقام ابن أرملة صرفة صيدا من بين الأموات ( 1مل 17 : 17 – 24 ). وكذلك عظام أليشع النبي, أقامت الميت (2مل 13 : 20, 21).
وهكذا السيد المسيح في العهد الجديد, أقام بعض الحالات من بين الأموات, مثال لذلك : أقام ابنة يايروس (مت 9: 23 – 26) مر(5 :35-43), لو 8 : 49 -56 ) . كما أنه أقام ابن أرملة نايين, الذي كان وحيدا لأمه ( لو 7 : 11 -17 ), وأقام لعازر من بين الأموات, بعد أربعة أيام ( يو 11 : 1 -44).
ولا ننسي أن نذكر بعض القديسين الذين قاموا من بين الأموات ( مت 27 : 52, 53 ), وذلك بسبب تأثرهم بما حدث للمسيح من صلب وموت وقيامة, ومما قدمه من فداء وخلاص للأحياء وللأموات في نفس الوقت .
ولكون المسيح صاحب السلطان في إقامة الأجساد من بين الأموات, أعطي سلطانا للآباء الرسل علي إقامة الموتي ( مت 10 : 8 ), وبهذا السلطان الممنوح لهم من الرب, أقام بطرس الرسول طابيثا من بين الأموات ( أع 9 : 36 -43 ), وكذلك أقام القديس بولس الرسول الشاب أفتيخوس من الموت(أع 20 : 9 -12).
4- ولا يفوتنا أن نشير بأن الإيمان بعقيدة القيامة العامة يعطي رجاء للأحياء والأموات, علي حد سواء .
لأن الموت من آثاره, الفراق بين من انتقل وذويه , وما يترتب عليه من متاعب عديدة, لذلك الإيمان بالقيامة من بين الأموات, تعطي رجاء وراحة نفسية, للأحياء من جهة أقربائهم الذين انتقلوا . كما أن الإيمان بالقيامة من بين الأموات, يعطي رجاء أيضا لأرواح الذين انتقلوا, في نفس الوقت.
وهذا يتضح لنا مما قاله القديس بولس الرسول في رسالته الأولي لأهل تسالونيكي : لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة, من جهة الذين رقدوا, لكي لا تحزنوا, كالباقين الذين لا رجاء لهم . لأنه أن كنا نؤمن, أن يسوع مات وقام, فكذلك الراقدين بيسوع, سيحضرهم الله أيضا معه. فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب, إننا نحن الأحياء الباقين, إلي مجيء الرب, لا نسبق الراقدين… والأموات في المسيح, سيقومون أولا, ثم نحن الأحياء الباقين, سنخطف معهم جميعا في السحب, لملاقاة الرب في الهواء, وهكذا نكون كل حين مع الرب, لذلك عزوا بعضكم بعضا , بهذا الكلام (1تس 4 : 13 – 18) .
ولكون الإيمان بعقيدة القيامة يعطي رجاء للبشر الأحياء, والذين انتقلوا, علم الرسول قائلا لناهوذا سر أقوله لكم : لا نرقد كلنا, ولكن كلنا نتغير.في لحظة في طرفة عين, عند البوق الأخير,فإنه سيبوق, فيقام الأموات عديمو الفساد, ونحن نتغير ( 1كو 15 : 51 – 52 ) .
لكن لابد ,أن أوضح لكم معني قوله :لا نرقد كلنا, ولكن كلنا نتغير.في لحظة في طرفة عين, عند البوق الأخير .
فقول الرسول : لا نرقد كلنا يقصد به, أي وقت مجيء الرب الثاني, يكون البعض من البشر أحياء, لذلك يجب أن يطبق عليهم قانون الموت, كما يطبق عليهم قانون القيامة, مثل بقية البشر, فلذلك يموت جميع الأحياء, مثل بقية البشر, ويقومون في لحظة في طرفة عين .
وهذا هو الذي يقصده الرسول بقوله :كلنا نتغير, في لحظة في طرفة عين, عند البوق الأخير.
ومن هنا قال القديس بولس الرسول, أمام الذين أرادوا محاكمته, علي إيمانه المسيحي عموما, وعلي اعتقاده , بعقيدة القيامة العامة خاصة, إنني : علي رجاء قيامة الأموات,أنا أحاكم ( أع 23 : 6) .
5- ومن تأثير القيامة الإيجابي علي البشرية, إنها تنهي كلية علي الموت وسلطانه, الذي كان متسلطا, علي أبينا آدم وكل نسله .
وتعطيهم الحياة بدلا من الموت, وذلك بالسلطان الإلهي, وترجع أرواحهم إلي أجسادهم , كما كانت من قبل, ويقومون من بين الأموات .
وهذا يتضح لنا, مما جاء في سفر حزقيال النبي, عن قيامة البشر من بين الأموات : فدخل فيهم الروح, فحيوا وقاموا علي أقدامهم, جيش عظيم, جدا جدا (حز 37 : 10 ).
6- وتكملة لذلك, لا ننسي أن نذكر بأن القيامة من بين الأموات, تضع حدا للفراق الذي أحدثه الموت, بين الأهل والأحباء والأصدقاء, كما أن القيامة تنصف المظلومين, وتعطيهم حقوقهم, وتعزي المجربين, وتمسح كل دمعة من عيونهم .
لأن الكتاب المقدس, يعلمنا قائلا في هذا الجانب, من فم الرب نفسه :متي جاء ابن الإنسان في مجده, وجميع الملائكة القديسين معه, ويجتمع أمامه جميع الشعوب, فيميز بعضهم عن بعض, كما يميز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه, والجداء عن يساره (مت 25 : 31 – 33 ) .
والهدف من قيامة الناس من بين الأموات, ومثولهم أمام كرسي الرب الديان, وذلك لتحقيق, كل ما سبق وأشرنا إليه, في هذا الجانب أعلاه .
7- لا يفوتنا أن نذكر في موضوعنا هذا, بأن من تأثير القيامة العامة علي الناس, أنها تعالج الشكوك التي كان يروجها بعض الناس ضدها .
وتبرهن علي تعاليمهم الخاطئة, وادعاءاتهم الكاذبة, كما أنها تؤكد وتوضح المفهوم الحقيقي, والصحيح للقيامة.
ومن أمثلة هؤلاء الناس الصدوقيون وغيرهم , ممن ذكرهم لنا الكتاب والتاريخ ( مت 22 : 23 ), (مر 12 : 18 ), ( أع 23 : 18 ), ( 1كو 15 : 12 ), ( 2تي 2 : 17 – 19 ) .
كما أن حدوث القيامة العامة, أو قيامة الأجساد, تصحح الفهم الخاطئ للناس, لأن الصدوقيين وأمثالهم بالرغم من أنهم لا يؤمنون بالقيامة, إلا أنهم كانوا يدعون بأن من أهداف القيامة, الزواج بين البشر بعد القيامة .
وهذا المفهوم الخاطئ, لم يقبله السيد المسيح, بل صححه لهم, وقت أن سألوه عن المرأة , التي تزوجت بسبعة إخوة, الواحد بعد الآخر, فمن تكون زوجة له في القيامة ؟!(مت 22 : 23 – 28),(مر 12 : 18 – 23 ), (لو 20 : 27 – 33) .
فأجابهم قائلا : تضلون إذ لا تعرفون الكتب, ولا قوة الله .لأنه في القيامة, لا يزوجون ولا يتزوجون, بل يكونون كملائكة الله في السماء( مت 22 : 29 – 30 ) ,( مر 12: 24, 25 ), ( لو 20 : 34- 36 ) .
8- ختاما – يعد من أهم جوانب تأثير قيامة الأموات علي البشرية, هي لهدف المجازاة, أي لمكافأة البعض من الناس أو لدينونة البعض الآخر منهم .
فبلا شك في يوم الدينونة, الذي يلي يوم القيامة مباشرة, فيه يقف جميع الناس أمام كرسي المسيح, ليدانوا علي أعمالهم, المرضية وغير المرضية, وذلك علانية, واحدا بعد الآخر, كما يقول الكتاب :أنه لابد أننا جميعا, نظهر أمام كرسي المسيح, لينال كل واحد ما كان بالجسد, بحسب ما صنع, خيرا كان أم شرا (2كو 5 : 10) .
فبالتالي, الأبرار, يكافئهم الله علي برهم وفضائلهم, وذلك بخلاص أنفسهم, وإعطائهم ميراثا صالحا معه ومع ملائكته في ملكوت السماوات.
أما عن الخطاة غير التائبين والأشرار, يعاقبهم بالهلاك الأبدي في النار الأبدية, مع الشيطان وملائكته.
وكل هذا يتضح لنا, مما ورد في تعاليم الكتاب المقدس, وخاصة ما قاله دانيال النبي, في هذا الصدد :وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض, يستيقظون هؤلاء إلي الحياة الأبدية, وهؤلاء إلي العار للازدراء الأبدي) دا 12 : 2 ).
وتأكيدا علي أن من بين أهداف القيامة العامة دينونة البشر علي ما صدر منهم من أفعال مرضية لله, أو غير مرضية, وذلك بمكافأة الأبرار, أو بعقوبة غير التائبين والأشرار.
وهذا يتضح لنا,مما قاله الرب :فإنها تأتي ساعة, فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة, والذين عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة (يو 5 : 28, 29 ).
نطلب من الله, في هذا العيد المبارك, لكم جميعا, كل بركة وخير وتقدم, وكذلك لكنيستنا المقدسة, ولوطننا العزيز مصر, وللعالم أجمع.
وكل عام وجميعكم بخير ,
لإلهنا المجد الدائم إلي الأبد آمين .