التبادل التجارى المصرى الروسى ينتعش باعتماد الروبل والجنيه

بعد تنفيذ أول عملية شراء بين فرنسا والصين للغاز الطبيعي المُسال بإستخدام التسوية باليوان الصيني بدلاً من الدولار وسط تزايد قبول اليوان في السوق الدولية.. فإن هناك تقارير ترصد تخلى دول كبرى عن الدولار فى معاملاتها التجارية، بل وتلجأ وتتعاون من أجل تعزيز عملتها المحلية فى المعاملات التجارية الثنائية والجماعية .. وبات صناع السياسة في كثير من أنحاء العالم يتطلعون للتحرر من سيطرة الدولار، حيث أن الإرتباط بالعملة الأميركية يحرمهم من مزايا عديدة قد يحصلون عليها في حال تراجعت قيمة العملة المحلية .. وأشار تقرير لصحيفة ” الإيكونوميست / The Economis البريطانية، إلى أن إنهيار العملات يُعتبر حدثًا سلبيًا، لأنه يجعل الواردات أكثر كلفة، إلى جانب التسبب بتدهور مستوى معيشة الأفراد، وزيادة كلفة التجارة، منوهاً أن دول الاتحاد الأوروبي عندما أصدرت عملة الـ “اليورو”، كانت تأمل أن تحل محل الدولار في العالم، ولكن ذلك لم يحدث، إذ أن حجم الدفوعات التجارية التي تتم باليورو لا تزال تُعتبر أقل بكثير مقارنة بحجم تجارة دول الاتحاد الأوروبى، ورغم ذلك فإن خبراء الاقتصاد اعتبروا أن هذا الإشكال يحمل في طياته بذور الخلاص، لأن ارتفاع كُلفة الواردات الخارجية يدفع الدول نحو التوجه لإستهلاك الإنتاج المحلي، وبالتالي تشغيل مزيد من العمال وتنشيط الاقتصاد، إضافة إلى ذلك فإن تراجع قيمة العملة المحلية يعني أن الصادرات ستصبح أرخص بالنسبة للزبائن الآخرين، وهو أيضًا يُعزز الطلب على الإنتاج المحلي .. وهذه الوقائع الاقتصادية جعلت صنّاع السياسة في العالم يحلمون بالتخلص من سيطرة الدولار، ولكن هذا الأمر يبقى مُستبعدًا في المستقبل المنظور ..

من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه يتوجّب على أوروبا أن تقلل اعتمادها على الدولار الأميركي، خلال مقابلة مع صحيفة “بوليتيكو”، وإنه “يتعين على أوروبا تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، بما في ذلك تقليل الاعتماد على الدولار في التعاملات المالية”، وكانت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية قد نشرت في تقرير لها أنّ معظم دول العالم حالياً تتجه إلى التخلي عن الدولار، وأنّ واشنطن هي التي دفعت بنفسها إلى هذا الوضع من خلال استخدام عملتها كأداة للضغط السياسي، وكتب المحلل الفرنسي رينو جيرارد أنّ عملية نزع الدولار والتخلي عنه “لا رجوع فيها”، مشيراً إلى أن “دولاً كثيرة ترغب في التخلّص من الدولار من أجل حماية نفسها في المستقبل من أهواء البيت الأبيض”.

عملة ” بريكس ” الموحّدة

من ناحية أخرى تحدث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن فكرة عملة “بريكس” الموحّدة، مؤكداً ضرورة العمل على إقرارها، وأنّه لا يمكن الاعتماد على الآليات المالية للغرب، كونه جهة مستعدة دائماً للخداع في أيّ لحظة، من أجل تحقيق هدف عابر، واستطرد : إن حصّة العملات الوطنية في التسويات بين دول بريكس تتزايد بنشاط، لوجود مبادرات تؤكّد ضرورة العمل على إقرار عملة خاصة بالتجمع.

يُذكر أنّه سبق واقترح الرئيس البرازيلي، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، التفكير في إمكانية إقرار عملة موحدة لــ “ميركوسور”(السوق المشتركة لدول أمريكا اللاتينية) للاستفادة منها في الحسابات داخل هذه الرابطة .. من ناحية أخرى تجدد الأرجنتين والبرازيل مناقشاتهم لتشكيل عملة مشتركة مماثلة لليورو خاصة بالمعاملات المالية والتجارية، وإحياء خطة نوقشت في وقت سابق، وتواجه العديد من العقبات السياسية والاقتصادية .. في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز”، قال وزير الاقتصاد الأرجنتيني سيرجيو ماسا إن “البرازيل والأرجنتين ستدعون دولاً أخرى في أميركا اللاتينية للانضمام للعملة “.

الجهود المتصاعدة لإزالة الدولرة

هذا وتبحث البلدان عن طرق للإلتفاف على استخدام الدولار الأمريكي بشتى الطرق منها بيع أجزاء كبيرة من ديونها بالعملات المحلية، وبحسب صحيفة الـ “فايننشال تايمز”، قال زولتان بوزار الرئيس العالمي لاستراتيجية أسعار الفائدة قصيرة الأجل في بنك ” كريديت سويس” إن النظام النقدي يواجه تحديات بسبب الجهود المتصاعدة لإزالة الدولرة، والعملات الرقمية للبنوك المركزية، مؤكداً أن الولايات المتحدة كانت هي المُهيمن بلا منازع على العالم، وكانت العولمة هي النظام الاقتصادي السائد و الدولار هو العملة المفضلة عالمياً” .. لكن حالياً باتت الصين تكتب ” قواعد العالم الحالي “، ما سيخلق نوعاً جديداً من العولمة، من خلال مؤسسات مثل “مبادرة الحزام والطريق” ومجموعة “بريكس” ، ومنظمة “شنغهاي للتعاون”.

ورأت الصحيفة أنّ “الجغرافيا السياسية الحالية، تشكل مجموعة هائلة من التحديات للنظام العالمي الحالي، ما يعني أنه يتعين على المستثمرين أن يستعدوا لمخاطر جديدة”، وذكر التقرير أن “بكّين أقامت في السنوات السابقة علاقات خاصة مع موسكو وطهران، ما يًساعدها على توسيع مبادرة الحزام والطريق، وبالتحديد توسيع ممرات الشحن، كما أقامت بكين علاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وبالتالي عمّقت علاقتها مع منظمة أوبك+”.

من ناحية أخرى، قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إنه “يترقب انتكاسة للدولار غير مسبوقة منذ 200 عام”، وأضاف خلال كلمة له بمؤتمر عقب مثوله أمام محكمة مانهاتن : “الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها هي الدفاع بلا خوف عن أمتنا من أولئك الذين يسعون إلى تدميرها”.

حرب روسيا والصين على الدولار

و تحت عنوان : “حرب روسيا والصين على الدولار بدأت للتو”، ذكر موقع “ذا ناشيونال انترست” من خلال مقالاً لـ ” أكسل دي فيرنو” أن التحالف الصيني الروسي بات يُشكل تهديداً ملموساً لهيمنة واشنطن المالية، إذ يعمل على جذب الدول الأخرى إلى بديل يهدف لبناء نظام مالي مستقل عن سيطرة الولايات المتحدة .. فقد حافظ الدولار على مكانته مدفوعاً بالحاجة الاستهلاكية والاستثمارية للدول، ويعزى جزء كبير من هذا النجاح إلى دور الدولار كونه عملة احتياطية في العالم، في البلدان تستمر في دفع ثمن سلعها وأصولها والتزامات ديونها بالدولار، مما يتطلب من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم الاحتفاظ بكميات كبيرة من الدولار في احتياطاتها.

ومع ذلك، يحاول التحالف الصيني الروسي جذب الدول الأخرى إلى بديل يهدف إلى بناء نظام مالي مستقل تماماً عن سيطرة واشنطن، وتقويض هيمنتها المالية ، ومن الواضح أن الصين هي أكبر سبب للقلق الأميركي، لأنّها سعت بشكل فعال لتطوير اليوان الرقمي، ما يحد من الرقابة المالية الأمريكية، ويفيد التوسع غير المًقيد لمبادرة الحزام والطريق الصينية، لأن واشنطن لن تكون قادرة على تتبع المعاملات التي تتم بين بكين والدول النامية. ومن أجل تمويل مشاريع البنية التحتية في أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو الشرق الأوسط، ستطلب الصين من الدول الأجنبية سداد المدفوعات من خلال العملة الإلكترونية التي لا يمكن تعقبها، وبالفعل يهدد اليوان باستبدال الدولار في الأسواق الرئيسية التي قد يكون لها تأثير هائل على الدولار .

مصر .. وتنويع سلة العملات

هذا ويعد تحالف مصر مع مجموعة دول الـ “بريكس” ومنها لـ “بنك التنمية الجديد ” أحد التوجهات الاستراتيجية المصرية لاعتماد التعامل بالصفقات الدولية التجارية باستخدام العملات المحلية لدول المجموعة ، ويؤكد على ذلك استكمال حلقة التعاون مع دول المجموعة، جنباً إلى جنب التعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمات التمويل الأخرى .. من ناحية أخرى، وسع البنك المركزى الروسى، قائمة عملاته ضمن أسعار الصرف الرسمية مقابل الروبل، لتشمل الجنيه المصرى، فى خطوة أشاد بها العديد من الخبراء والمحللون، لمدى أهميتها في زيادة التبادل التجارى والاستثمار والسياحة وتقليل الاعتماد على الدولار .. فى الوقت الذى قام فيه البنك الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، ما تسبب في سحب المستثمرين أموالهم من الأسواق الناشئة للحصول على فائدة أعلى، وبالتالي أدى إلى صعوبة الحصول على الدولار ..

وعلق على عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الذى ثمن تلك الجهود المصرية واعتبرها أفكارًا خارج الصندوق كان يحتاجها الاقتصاد المصرى، مؤكداً أن إتاحة استيراد الكثير من السلع كالقمح بالجنيه المصرى، سيسهم فى تخفيف الضغط على الدولار، فضلاً عن مساهمته فى سرعة الإفراج عن البضائع بدلاً من انتظار تدبير الدولار اللازم لعملية الاستيراد.

وفى هذا السياق، قال الدكتور علاء عز، الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية، أن التعامل بالروبل الروسي، مقابل الجنيه سهل دخول الزيوت إلى مصر وهناك سلع غذائية أخرى أصبحت تدخل لمصر، بعد التعامل بالجنيه والروبل، مؤكدًا أن التعامل بالروبل منح مصر سعر أفضل ووفر على المستوردين الوقوف في طابور الدولار، والتعامل في حدود المتاح حالياً ويعتمد على حجم صادراتنا لروسيا، حيث تصدر مصر الحاصلات الزراعية والكيماويات إلى روسيا، مؤكداً أنه يتم التواصل مع الصين، ودول البريكسيت للتعامل بـ العملات المحلية، إلى جانب البرازيل والأرجنتين باعتبارهما أكبر مصدري الدواجن واللحوم والذرة والصويا في العالم، لأن هذه الآلية ستساعد على تنمية الصادرات بدون الضغط على الدولار.