الرياض.. وعودة الروح إلى جامعة الدول العربية


حظيت القمة العربية الثانية والثلاثون في جدة باهتمام عربي وعالمي بالغ، ربما لم تحظ به أية قمة سابقة. إذ بالإضافة إلى أن القمة قد انعقدت في وقت بالغ الحساسية، حيث سبق القمة بشهر اشتعال الصراع الداخلي في السودان، وتدهور بالغ للوضع في فلسطين إثر الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة غير المبررة.

شهدت القمة أيضاً حدثين استثنائيين، وهما حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة، ليطوي رسمياً القطيعة العربية لسوريا التي دامت قرابة العشرة أعوام. والثاني حضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي القمة في سابقة خاصة.

مادة اعلانية

وكما جرت العادة في القمم العربية السابقة، فلا يمكننا الحكم بنجاح القمة من مجرد حسن التنظيم، وبلاغة المقررات التي قد جاءت حاسمة وشاملة وموضوعية أيضاً في إعلان جدة. لكننا يمكنا الحكم على نجاح قمة جدة، وأهميتها البالغة، وتداعياتها الخاصة، من زوايا وجوانب أخرى، تحسب للسعودية في المقام الأول.

ويتأتى نجاحات قمة جدة، ورسائلها القوية - التي سيأتي ذكرها - كانعكاس للدور المتصاعد اللافت للسعودية إقليمياً وعالمياً، ودبلوماسيتها النشطة الاستباقية، كأن آخر أوجه ذلك الوساطة السعودية القوية في السودان سعياً إلى هدنة تعقبها مباحثات حاسمة للحل. كما كانت للسعودية الأسبقية بجوار أشقاء لها في ملف إنهاء القطيعة العربية عن سوريا.

أوصلت قمة جدة بقيادة الرياض رسائل قوية على الصعيدين العربي والعالمي، ستشكل حجر الأساس لدور وروح عربية جديدة فاعلة وتعاونية وتضامنية، وزيادة في ثقل ودور الجامعة والدول العربية عالمياً. ولعل أولى وأهم هذه الرسائل هي عودة روح التضامن والتشاور العربي تحت مظلة جامعة الدول العربية التي قد أصابها فتور مزمن لسنوات.

إذ إن عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية بمساع سعودية حثيثة، والاتفاق - وفقاً لمقررات جدة - على حلحلة الأزمات الشائكة في المنطقة، لا سيما الأزمات اليمنية والسورية واللبنانية والسودانية، تحت مظلة الجامعة، تبعث روح الأمل والتفاؤل لدور أكبر وأقوى للجامعة، وكذلك للتضامن العربي في إطارها.

إذ إن عودة الروح إلى الجامعة، بما في ذلك ضرورة عودة سوريا إليها، ما هي إلا استجابة حكيمة واقعية لمقتضيات الواقع العالمي الذي بدأ يتغير بقوة بعد الحرب الأوكرانية، وأهم سمات هذا الواقع الجديد هي محورية التحالفات والتكتلات الإقليمية للتصدي لأزمات وتحديات لا حصر لها لن يتسنى لدولة بمفردها التصدي لها.

وقد أوصل حضور الرئيس الأسد، والرئيس الأوكراني للقمة، رسائل عدة واضحة للعالم، لا سيما للقوى الدولية الكبرى. ولعل أهمها على الإطلاق هو استقلالية القرار العربي وحيادية موقفه، خصوصاً في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية. إذ إن حضور الأسد من ناحية أغضب واشنطن بشدة، ومن ناحية أخرى قد أغضب حضور زيلينسكي موسكو، حتى وإن لم تعلن ذلك بشكل قوى. إذ طالما قد وجهت انتقادات حادة للدول العربية، وبالأخص للسعودية، تتمحور حول الدعم الضمني لموسكو.

وكانعكاس ذلك، قد بدا أن الدول العربية قد بدأت مرحلة جديدة في تاريخها تبحث فيها عن مصالحها، وتعلي فيها قيمة التضامن والتأخي، من دون الانجرار وراء تحالفات دولية واستقطابات أيديولوجية وأهواء شخصية. وتداعيات ذلك ستكون كثيرة وإيجابية بشأن أمن واستقرار المنطقة، والعمل العربي المشترك.

فعودة سوريا بالأخص إلى الجامعة ستفضى إلى تخفيف تدخلات القوى الإقليمية في المنطقة، لا سيما إسرائيل، وتحدث قدراً معقولاً من التوازن في العلاقات العربية - الإيرانية، وتحد من الإرهاب والتطرف.

وخلاصة القول إن العمل العربي المشترك والتضامن القوى داخل الجامعة كان دوماً يحتاج إلى قاطرة قوية تسحبه إلى الإمام، وتداوي سريعاً بوادر الخلافات بين أعضائه. وتمكنت السعودية خلال الأعوام القليلة الماضية من استئثار مكانة وقوة عربية وعالمية واسعة يتسنى لها من خلالها قيادة التضامن العربي في لحظة تاريخية فارقة.

* نقلا عن "القبس"

تاريخ الخبر: 2023-05-28 21:18:24
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 84%
الأهمية: 93%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم السبت

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 12:25:40
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية