وصف البيان الختامي للاستنتاجات المبدئية لخبراء بعثة صندوق النقد الدولي لمشاورات المادة الرابعة، الاقتصاد السعودي بالأسرع نمواً بين اقتصادات مجموعة دول العشرين في عام 2022، بنسبة نمو بلغت 8,7%.
هذا النمو وفق استنتاج البعثة كان مدفوعاً بقوة الإنتاج النفطي ونمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4,8%، بما في ذلك المشروعات العملاقة، هذا بالإضافة إلى المحركات الأساسية للنمو في قطاع تجارة الجملة والتجزئة وقطاعي البناء والنقل. وتشير تنبؤات البعثة إلى تجاوز النمو غير النفطي 5% في النصف الأول من عام 2023.
كما وقد تَمكن الاقتصاد من احتواء التضخم الذي عادت مستوياته الكلية إلى 2,7% رغم النمو الكبير وحالة من عدم اليقين الذي يخيم على الاقتصاد العالمي مؤثرا على الأوضاع المالية وأسعار النفط، ما يعني أن المملكة قد واصلت جهودها لبناء المزيد من الاحتياطيات الوقائية وتنويع الأنشطة الاقتصادية.
وقد ساهمت الإصلاحات المالية التي انتهجتها السعودية، إلى جانب المعايرة الدقيقة لبرامج الاستثمار، في تعزيز استدامة المالية العامة والمركز الخارجي، ما عزز من جهود المملكة الرامية إلى تحقيق نمو قوي وشامل وأكثر استدامة.
أشادت البعثة بجهود المملكة في خفض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته ليصل المعدل إلى 4.8%، (مقابل 9% خلال جائحة كوفيد)، وبزيادة مشاركة المرأة بنسبة بلغت 36% متجاوزة بذلك النسبة المستهدفة برؤية السعودية 2030 والتي حددت بنسبة 30%.
كما وأشاد خبراء الصندوق باستمرار تنفيذ أجندة الإصلاحات الهيكلية لرؤية السعودية 2030 نحو اقتصاد مستدام وأكثر إنتاجية، والتي شهدت تقدمًا ملحوظًا في مجال الرقمنة، والبيئة التنظيمية وبيئة الأعمال، وزيادة استثمارات القطاع الخاص.
وفيما يتعلق بأداء القطاع المصرفي، فقد أكدت بعثة الصندوق على أن الجهاز المصرفي لا يزال على مسار قوي. وتتسم نسبة كفاية رأس المال الإجمالية بأنها قوية، ومستوى الربحية مرتفع – تحركه هوامش الفوائد الصافية – ويتجاوز مستويات ما قبل الجائحة، كما أن نسبة القروض المتعثرة منخفضة وآخذة في التراجع. كما تم التأكيد على أنه لم تكن هناك تداعيات مباشرة تُذكر من انهيار بنك كريدي سويس والعديد من البنوك متوسطة الحجم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن أداء القطاع القوي يستند إلى الجهود المستمرة لتحديث الأطر التنظيمية والرقابية.
وأشارت البعثة إلى أن ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج من النفط، قد ساهما في تحسين أوضاع الحساب الجاري، حيث بلغ الفائض عام 2022 أعلى مستوياته خلال 10 أعوام. وسجل فائض إجمالي الناتج المحلي 13,6%، دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة مماثلة في مستويات الاحتياطيات الرسمية بسبب تراكم الكثير من الأصول في الخارج.
رحبت البعثة بتطبيق «مبادرة السعودية الخضراء» كمطلب ضروري لتحقيق هدف الانبعاثات الصافية في المملكة العربية السعودية، وكذلك رحبت بالخطط الجارية لزيادة مصادر الطاقة المتجددة بطاقة إنتاجية إضافية قدرها 2,1 غيغا واط بحلول عام 2024، وتوليد وفورات من خلال البرامج التي تهدف إلى تحقيق الكفاءة (ترشيد)، ونشر احتجاز الكربون، وتكنولوجيات الاستخدام والتخزين، ولجعل المملكة البلد الرائد في تصدير الهيدروجين على مستوى العالم.
هذه الجهود في مجال الطاقة المتوازنة من شأنها الحد من الانبعاثات بما يصل إلى 278 مليون طن سنويا بحلول عام 2030 ووصول المملكة إلى مستوى انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2060.
رغم نقاط القوة التي أشارت إليها بعثة الصندوق عن الاقتصاد السعودي، إلا أنها لم تغفل بعض المخاطر المرتبطة بجانب التطورات السلبية المتمثلة بتراجع أسعار النفط نتيجة تباطؤ النشاط العالمي أحد أهم المخاطر على المدى القصير، إلا أن مواصلة الطريق نحو تعزيز الاحتياطيات الوقائية ومواصلة توخي الحصافة المالية وضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط، سيخفف من المخاطر الناجمة عن تقلبات أسعار النفط.
برأيي أن الاستنتاجات المبدئية عن أداء الاقتصاد السعودي والمالية العامة للدولة، بما في ذلك سياسات الإصلاح، عادلة وتنم عن ادارك عميق لبعثة الصندوق ومتابعة جيدة لمستجدات الوضع الاقتصادي في المملكة وما تشهده المملكة من حزمة إصلاحات هيكلية جبارة للاقتصاد الوطني والمالية العامة للدولة.
* نقلاً عن صحيفة "الرياض".
