«بعض الديون لا يُمكن سدادها».. هكذا يقولون وصفًا لعطاء الأمهات لأبنائهن.. بحنان وجهد وكفاح؛ يصنعن شيئًا غاليًا لا تقوى سنوات العمر على رده.. رسالة جميلة يحوي مضمونها حُلمًا من أجل الأبناء.. وهكذا كانت والدة الطيار عبدالله بهي، التي ظهرت في مقطع فيديو حينما استقبلها ابنها ليقودها بالطائرة إلى رحلة الحج.. حُلم العمر تحقق في رحلة العمر.

مقطع الفيديو الذي حقق ملايين المشاهدات على مدار الساعات الماضية، كَشَف تفاصيله الابن «عبد الله» لـ«الدستور»، مضيفًا: والداي تعبا كثيرًا من أجلي لكي أصل إلى حُلمي وأصبح طيارًا.. تخرّجت عام 2012 في كلية الطيران، وكانت أمي تُخبرني كثيرًا بأمنيتها أن تراني طيارًا، وتُسافر معي في رحلة أقودها... بدأ الحلم يتحقق منذ عام حينما التحقت بشركة مصر للطيران.

«تحقق الحُلم أخيرًا يا أمي».. رحلتا العمر معًا في أمنيتين جمعهما القدر لـ«أم عبدالله».. حان الموعد لتُعانق الكعبة وتؤدي فريضة الحج، لكنها لم تعلم أن أمنيتها الثانوية ستُرافق الأولى في ساعة واحدة ذات يوم.. كان الابن يُخطط جيدًا أن يُضفي سعادة جديدة إلى قلب والدته.

حينما بدأت الأم تُجهز حالها للسفر إلى السعودية؛ كان ابنها الطيار يُجهز للمفاجأة لكي يكون قائد الرحلة التي تُقل والدته، لكنه أخفى عليها الأمر وأخبرها بأنه حاول أن يفعل دون جدوى، وسيكون على موعد مع رحلة أخرى متجهة إلى الكويت في هذا اليوم.

«في يوم السفر؛ رافقتُها إلى المطار، ولم يكن أحد يعلم بما خططت له، حتى أفراد أسرتي لا يعرفون.. انتهت أمي من أوراقها وودعتها كما لو أنني لن أراها سوى بعد عودتها من السعودية عقب أداء فريضة الحج.. تركتها ورَحلت، ثم توجهت نحو الطائرة المُسافرة إلى مدينة جدة من باب آخر»، يقول عبدالله، مضيفًا أنه صعد على متن الطائرة وأخبر طاقم الضيافة بأن والدته ستُسافر في الرحلة ذاتها.

الجميع تجهّز لاستقبال الركاب ووالدة الطيار.. كانت لحظات انتظار جميلة، ومشاعر خاصة ومميزة يعيشها الابن لتحقيق حلم والدته.. راقب عبدالله وصول حافلات الركاب إلى الطائرة.. كان يُحاول أن يشاهدهم دون أن يروه.. كانت الأمور تسير جيدًا لتكتمل المفاجأة.

عند الصعود على الطائرة؛ يُبرِز الركاب ورقة مُدوّن عليها أين سيجلسون.. هكذا فعلت والدة الطيار حينما قابلت المُضيفة على باب الطائرة، لكن إجابة أخرى تلقتها بظهور شخص مميز.. ابنها الذي أفنت عمرها من أجله يقف أمامها الآن بالزي الذي تمنّت أن تراهُ به يومًا.. حَمَلته في أحشائها قبل سنوات طويلة وأعدته ليكون نموذجًا نافعًا لوطنه.. ها هو الآن سيحملها إلى رحلة تتوق لها القلوب.. «تحقق الحُلم أخيرًا يا أمي».

الجميع كانوا يُتابعون ما يجري.. ابتسامة تُزين الوجوه فرحًا بهذا اللقاء.. بينما كان أحدهم يُوثق المشهد بكاميرا هاتف.. جَلَست الأم على مقعدها، وطارت الرحلة إلى السعودية، ثم عاد الابن برحلة أخرى إلى مصر، ونشر مقطع الفيديو على حسابه على «إنستجرام» ثم انطلق برحلة جديدة إلى أمستردام.. «لم أتخيل أن يُحقق الفيديو كل هذا الانتشار.. كان لدي 300 متابع فقط على حساب إنستجرام».

يُتابع الطيار الشاب مشاهدات مليونية حققها الفيديو الذي جمعه ووالدته على متن الطائرة، فيتذكر معها ما قدّماه من أجله ليُحقق حلمه.. «تعِبا كثيرًا من أجلي.. حاولت أن أُحقق حُلم تمنته أمي منذ سنوات طويلة»، يقول عبدالله.