مكتبيون يسجلون حالة فتور

ماذا يقرأ الجزائريون صيفًا؟

يؤجل قراء مواعيدهم مع الكتب مرارا و تكرارا، خاصة خلال فترات الدراسة و أيام العمل الطويلة، ثم يأتي الصيف فيعيدون الوصل من جديد لينفتحوا على عوالم الأدب والرواية و مجالات الكتابة الأخرى، لأن طول أيام الفصل و هامش الراحة فيها، يتيح الفرصة لمعانقة الورق والانتشاء برائحته و عيش عزلة جميلة بين مئات الشخصيات و وسط زخم الأحداث و القصص، فهل يقرأ الجزائريون خلال الصيف فعلا، و ماذا يقرأون يا ترى؟ تساؤل حاولنا الإجابة عنه من خلال استطلاع قادنا إلى عدد من المكتبات و أبحرنا طيلة فترة إنجازه على أشرعة الواقع و مدونات القراءة الإلكترونية أيضا.

إينـــاس كبيــر

شملت جولتنا الميدانية عددا من المكتبات بقسنطينة، وقد كانت الملاحظة موحدة أينما حللنا، هدوء كبير و حركية ضعيفة، وقليلون جدا هم الأشخاص التي يقفون قبالة طاولات العرض و أمام الرفوف يتصفحون العناوين و يقرؤون الملخصات، وعندما سألنا مكتبيين عن الإقبال والمقروئية في الصيف كانت الأجوبة متقاربة.
فصل للأوفياء فقط
بحسب فيصل نويصر، مسير مكتبة نوميديا المتواجدة في شارع بلوزداد بوسط المدينة، فإن زيارة القراء للمكتبات في فصل الصيف تتضاءل بنسبة كبيرة و تبقى العناوين مفتوحة على احتمال دخول زبون أو خلو المكتبة من الحركة طيلة صبيحة أو يوم كامل، وأرجع سبب ذلك إلى التعب الذي يعاني منه الأشخاص طوال العام بسبب العمل والدراسة، و لهذا يفضلون  كما قال، اغتنام عطلة الصيف للسفر والراحة وتقليل النشاط الذهني  حتى يصلوا إلى مرحلة الصفاء التي كانوا بحاجة إليها طوال العام.
ونفى أن يكون السبب هو غلاء أسعار الكتب، إذ أخبرنا بأن المكتبات تضبط الأسعار بشكل متقارب  طوال العام، أما الزيادات فتقتصر على بعض العناوين الجديدة التي يكون ثمنها باهظا نوعا ما.
من جهته أوضح، عبد الحميد ربيعي مسير مكتبة بلوزداد، بأن فئة قليلة فقط من القراء تزور المكتبات في فصل الصيف، البعض شباب و الغالبية كهول بينهم أوفياء للكتاب ولا ينقطعون عنه طوال السنة.ويرى ربيعي، أن عادات الأشخاص تغيرت وأصبح اهتمامهم منصبا على نشاطات أخرى كالسفر والألعاب الإلكترونية فضلا عن مشاهدة الأفلام وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وعلق : « سابقا كان الكتاب هو الرفيق في العطلة أما الآن فقد تغيرت المعادلة وحلت محله وسائل ترفيه وتسلية أخرى فرضتها التكنولوجيا».
وعندما استفسرنا عن سبب امتناع المكتبات عن توفير عروض خاصة بالصيف لتشجيع المقروئية، علل ذلك بالغلاء الذي تعرفه سوق الكتب وقال إن الأسعار أصبحت تشكل عائقا أمام إطلاق عروض أو اقتراح تخفيضات من شأنها أن تعيد القارئ إلى أروقة المكتبات، بعدما أبعده  الغلاء ، وذكر محدثنا،  أن ثمن  بعض الروايات وصل إلى 1800دج   كما كشف بأنه جلب مؤخرا مجموعة من الروايات الخاصة بفصل الصيف لكنه لم يعرضها بعد نظرا لغلاء أسعارها إذ يفكر في منهجية لتسويقها خاصة وأن المكتبة  توفر  خدمة التوصيل كذلك.
 استعلمنا منه حجم الطلب على خدمات التوصيل و عمليات البيع عن بعد فقال إن الوضع لا يختلف عما تعرفه المكتبات من عزوف، وأن المقروئية ضعيفة في الاتجاهين،  وهو ما أكده لنا نصر الدين الشيكر، صاحب المتجر الإلكتروني  Kotob.dz ، فحتى خدمة التوصيل عجزت عن إصلاح الشرخ كما عبر، و السبب وراء العزوف عن اقتناء الكتب حتى خلال العطلة و طيلة أيام الصيف، مرتبط بكون غالبية القراء من المتمدرسين حسبه، والكتاب بالنسبة لهم يعيدهم إلى جهد الدراسة والتحضير للامتحانات، و لهذا يبتعدون عنه مع نهاية السنة الدراسية و يهتمون به أكثر طوالها.
وعلق المتحدث :  « أوراق الكتاب مربوطة بحالة الطقس «، و أضاف بأن العروض التخفيضات المغرية لم تعد قادرة على تحقيق الاستقطاب، حيث أوضح بأن متجره اقترح مع بداية الصيف عرضا يشمل « ثلاثة كتب بسعر 2000دج، مع تخفيض بقيمة 600دج»، ولكن الطلب كان ضعيفا جدا، وأضاف بأنهم يبيعون الكتاب هذه الأيام بسعر الشراء.
مدونات إلكترونية  تحرك أمواج القراءة  
تأثرت القراءة بالتكنولوجيا كثيرا، خصوصا فيما يتعلق بصناعة شهرة كتاب أو كاتب، فضلا عن أنها أوجدت نوعا جديدا من القراء وصفهم المكتبيون الذين تحدثنا إليهم بـ «القراء راكبي الموجة» أو القراء الذين يفتحون الكتاب بدافع  الفضول و مسايرة الحدث أو الموضة، خدمة للصورة الاجتماعية و بريستيج حمل كتاب شهير في مكان عام أو مشاركة الحديث عنه على مواقع التواصل الاجتماعي.
 وفي هذا السياق أفاد مسير مكتبة بلوزداد، بأن هذا التوجه الجديد دفعهم كناشطين في المجال، للاستعانة أحيانا بموقع أمازون لتوفير الكتب، من جهته قال نويصر مسير مكتبة نوميديا، بأن هذا التفكير أصبح يوجه القارئ نحو كل ماهو رائج و بالخصوص الروايات التي تصنع الضجة ويتم تداولها بكثرة على المدونات الإلكترونية أو من طرف صناع المحتوى المختصين في مراجعة الكتب.
 وأضاف بأن هذا التوجه الحديث في المقروئية، فرض عليهم متابعة الصفحات والمجموعات التي تضم عشاق الكتب من داخل و خارج الجزائر، حتى يتعرفوا على ما يبحث عنه الشباب و يطلعوا على العناوين الأكثر طلبا،  كما يعتمون بقراءة التعليقات لفهم عقلية القارئ الجديد.

كتاب الجيب يقاوم
وأوضح نويصر، بأن هذه الدراسة أو المتابعة بينت بأن هناك كتبا تحظى بالاهتمام على حساب أخرى، و أن عناوين التنمية البشرية والتحفيز صارت تتصدر قائمة الطلب، مثل كتابي « السماح بالرحيل» و «الأب الفقير والأب الغني»، و يوجد طلب على كتاب الجيب كذلك، إذ يفضل القراء حمله معهم خلال السفر و في وسائل المواصلات وفق ما قاله.
وأوضح المتحدث، بأنه يحرص طوال فصل الصيف على توفير الروايات الخفيفة ذات الأسلوب السهل، التي يفضلها القراء الشباب كونها أخف و أقل تطلبا من ناحية الجهد الذهني عكس الروايات الفلسفية، كما أشار أيضا، إلى وفرة الروايات البوليسية وبخاصة أعمال أغاثا كريسثي و سلسلة شارلوك هولمز، فضلا عن الروايات الرومانسية والروايات الكلاسيكية مثل أعمال الأديبين الفرنسيين جول فيرن وفيكتور هوغو، وقال إنه رغم تنوع و روعة الكلاسيكيات و غيرها من أعمال عمالقة الأدب عبر العالم، فإن المنافسة غير متكافئة مع كتب التنمية البشرية التي تحظى بكثير من الاهتمام خلال الصيف.
 سألناه عن السبب، فقال إن قراءه يعتبرون الفصل فرصة لتطوير أنفسهم وتعلم مختلف المهارات الاجتماعية، وذكر المتحدث عناوين رائجة مثل  كتاب « نظرية الفستق» و «سيكولوجية المال» و «عقدك النفسية سجنك الأبدي» بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن هناك روايات تحقق النجاح منذ مدة وهي روايات الرعب مثل العمل الشهير « أنتيخريستوس» لصاحبه أحمد خالد مصطفى، وأرض «زيكولا» بأجزائه الثلاثة وسلسلة «أبابيل»، فيما ينقص الطلب عن روايات الخيال العلمي. من جهة أخرى، قال ربيعي إن الروايات التي تحولت إلى أفلام تعرف طلبا هي الأخرى، وبخاصة سلسلة هاري بوتر وروايات ستيفن كينغ، كما تجذب الروايات باللغة الإنجليزية القراء الشباب.
أولياء يرعون الكتاب وقراء لا تعنيهم رمزية الفصول
وأخبرنا مسير مكتبة نوميديا، أن هناك أولياء مازالوا يحافظون على عادة مرافقة أطفالهم إلى المكتبات عند انتهاء السنة الدراسية، حتى يقربوهم من الكتاب ويحاولون تكريس ثقافة المطالعة لديهم، و كشف المتحدث، أن الكتب ما تزال تقدم كهدايا كذلك و بخاصة للأطفال، ولهذا توفر المكتبة كتبا لهذه الشريحة من المجتمع، تضم أنشطة فكرية تثري الثقافة العامة، كما يوجد حسبه إقبال على أدب الأطفال وذكر هنا سلسل « المغامرون الخمسة».تحدثنا خلال استطلاعنا إلى بعض زوار المكتبات و إلى مواطنين قابلناهم في الشارع أيضا، قالت شابة التقينا بها في مكتبة بلوزداد، بأنها لا تملك طقوسا خاصة بالقراءة، كما أن علاقتها بالكتب ليست فصلية بل تقرأ في كل وقت، وتحرص دائما على تحدي نفسها لزيادة معدل قراءاتها كلما سنحت لها الفرصة، مضيفة : «  حب القراءة لا يرتبط بالأيام أو الفصول بل بمدى حب الشخص للكتاب والعلاقة التي تجمعه به». وختمت بأنها تفضل قراءة الروايات وكتب التنمية البشرية.
كما أوضح لنا قراء آخرون، بأنهم يحتفلون خلال فصل الصيف بعودتهم إلى أجواء القراءة، عكس العرف الشائع وفكرة ارتباط الكتاب بشاعرية الشتاء ودفئه، فالقراءة الجادة لا تتأثر حسبهم، بالفصول.
وقالت قارئة أخرى، بأنها تتغلب على شح مرافق التسلية والترفيه في منطقتها بقراءة الكتب، فبقاؤها في المنزل يجعلها تستثمر وقتها في تغذية عقلها وتطوير ثقافتها، وقد شاركتها فتاة أخرى الرأي نفسه، مضيفة بأن درجة الحرارة المرتفعة تفرض عليها البقاء في المنزل، فتجدها تلجأ إلى الكتاب كأنيس ولذلك تختار العناوين بعناية. وحسب قراء آخرين استطلعنا آراءهم على منصات الواصل ومدونات القراءة الإلكترونية، فإن الصيف فرصة للعودة للكتاب حتى وإن لم تتجدد المكتبة بطبعة ورقية حديثة، وذلك لأن الهاتف بات يتيح فرصة تحميل الأعمال على اختلافها، مع ذلك يبقى الخروج إلى المكتبة و اختيار مجموعة جديدة لأيام الصيف متعة فريدة حتى لو كانت مكلفة قليلا ، أتضح من خلال النقاش، بأن هناك  كتاب عالميين يحظون بالإجماع أهمهم كافكا و ودان براون و تولستوي،  إلى جانب  «همنغوي و كايوسكي.

تاريخ الخبر: 2023-08-13 09:31:07
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية