مبادرة الرئيس تضمّنت تدابير لإنهاء الانقلابات ومواجهة تمدّد الإرهابيين: وصفــــة جزائريـــة لـعــلاج «أمـــراض» إفريقيـــــــــا

تضمنت المبادرة التي اقترحها رئيس الجمهورية لحل الأزمة في النيجر، حلولا لمعالجة مشاكل عويصة تعاني منها القارة الإفريقية، وبالأخص دول غرب و وسط إفريقيا، على غرار الانقلابات العسكرية التي تعيش على وقعها دول المنطقة في الفترة الأخيرة وكذا تمدّد التنظيمات الإرهابية في المناطق التي تخرج عن يد السلطات المركزية، حيث تسعى الجزائر لوضع آليات عملية لطي صفحة الانقلابات في القارة نهائيا، ومن جهة أخرى مواجهة تمدّد الأنشطة الإرهابية بمقاربة اجتماعية واقتصادية تضمن حلولا تنموية تجفف منابع الإرهاب الفكرية وتشل قدرته على التجنيد في الأوساط المجتمعية الفقيرة.

يؤكد متتبعون للشأن الإفريقي بأن المبادرة التي اقترحها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وعرض تفاصيلها وزير الخارجية، أحمد عطاف، خلال لقاء مع الصحافة أول أمس، تضمنت حلولا لمشاكل تعاني منها القارة الإفريقية تتقاطع مع الأزمة السياسية التي تعاني منها النيجر، والمتمثلة في الانقلابات العسكرية في دول غرب و وسط إفريقيا، وكذا مشاكل التمدد الإرهابي وتعاظم التهديدات التي تمثلها تلك التنظيمات الإرهابية، وصولا إلى مشاكل التنمية وتردي الوضع الاقتصادي وتبعاته الاجتماعية.
وأكد وزير الخارجية، أحمد عطاف، أن المبادرة التي اقترحها رئيس الجمهورية لحل الأزمة في النيجر، جاءت « في إطار رؤية تضمن احترام مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية، حيث تتأسس المبادرة الجزائرية على «تعزيز مبدأ عدم شرعية التغييرات غير الدستورية»، إذ قررت الجزائر أن «تبادر خلال القمة المقبلة للاتحاد الأفريقي بتقديم مقترحات من شأنها تعزيز هذا المبدأ وآليات تجسيده وتكريسه على أرض الواقع لوضع حد نهائي لعهد الانقلابات الذي طالما رهن استقرار العديد من بلدان القارة وحال دون تحقيق التنمية والتطور فيها».
وتأتي الخطوة كرد على توسع دائرة الانقلابات في إفريقيا، وأخرها كان الانقلاب عسكري في الغابون، حيث أعلنت مجموعة تضم عناصر الجيش والشرطة في بيان تلي عبر محطة «غابون 24» التلفزيونية من مقر الرئاسة، إلغاء نتائج الانتخابات وحل «كل مؤسسات الجمهورية» و«إنهاء النظام القائم»، وتم وضع الرئيس بونغو، الذي أعلن فوزه بولاية جديدة، قيد الإقامة الجبرية. وبعد ساعات من إعلان العسكريين الاستيلاء على السلطة، نزل المئات من المواطنين إلى شوارع عاصمة الغابون للاحتفال بإطاحة بونغو.
وإذا نجح هذا الانقلاب فإنه سيكون الثامن في غرب ووسط إفريقيا منذ 2020. وأدت انقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر إلى تقويض التقدم الديمقراطي في المنطقة في السنوات القليلة الماضية. و سبق انقلاب الغابون انقلاب النيجر ، هذا الشهر، قام أفراد من الحرس الرئاسي باحتجاز الرئيس محمد بازوم داخل قصره، وأعلنوا استيلاءهم على السلطة، وفي جانفي من العام الماضي 2022، أطاح جيش بوركينا فاسو الرئيس روك كابوري، واتهمه بالفشل في مواجهة الجماعات الإرهابية. وقاد الوضع الأمني المتردي إلى انقلاب ثانٍ في سبتمبر 2022، عندما استولى رئيس المجلس العسكري الحالي الكابتن إبراهيم تراوري على السلطة. كما عرفت كل من غينيا في سبتمبر من العام الماضي، وتشاد في إفريل 2021، ومالي في أوت 2020 انقلابات عسكرية أطاحت بالسلطات القائمة.
 مواجهة التمدّد الإرهابي في غرب إفريقيا و الساحل
ولعب الغضب حيال الأعمال الإرهابية التي تصاعدت وتيرتها في الفترة الأخيرة، دورا في حدوث انقلابات عسكرية في الدول الثلاث منذ 2020، لتكون النيجر الأخيرة التي تشهد انقلابا بسبب ما يقول القائمون به إنه «عجز في مواجهة المتطرفين»، وفي أخر عملية تم الإعلان عنها قُتل 17 جندياً نيجرياً في كمين نصبه مسلحون في جنوب غرب البلاد، وفق ما أعلنت الحكومة، وهو الهجوم الأكثر دموية منذ الانقلاب العسكري، ويعكس حجم التهديدات التي تعرفها المنطقة.
وأبدى وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، خلال ندوته الصحفية، قلقه من تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحل، وقال خلال الندوة الصحفية التي نشطها لعرض مبادرة حل الأزمة في النيجر، إن المجموعات الإرهابية تحولت إلى «جيوش إرهابية» تتمركز في منطقة الساحل وتستغل الفراغ الذي خلفه انسحاب السلطات المركزية من بعض المناطق في بوركينافاسو ومالي، محذرا أن السيناريو سيتكرر في النيجر في حال تعرضها لعملية عسكرية.
كما سجلت بوركينافاسو تفاقما في الوضع الأمني مع سقوط المزيد من الضحايا نتيجة العمليات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية، وقُتل أكثر من 16 ألف شخص بين مدنيين وجنود وعناصر شرطة في هجمات مسلحة، وفق تعداد لمنظمة غير حكومية، بينهم أكثر من خمسة آلاف هذا العام. كذلك، أدت هذه الهجمات إلى نزوح أكثر من مليوني شخص داخل البلاد، في واحدة من أسوأ أزمات النزوح الداخلي في إفريقيا.
بدورها تشهد مالي تطورات هي الأخطر منذ عدة أشهر، في ظلّ الانسحاب المرتقب لقوات حفظ السلام في مالي (مينوسما)، المفترض أن ينتهي في نهاية العام الحالي، وتزامن القرار مع صدور تقرير لخبراء أمميين، ذكر أن مسلحي تنظيم «داعش» ضاعفوا سيطرتهم على الأراضي التي يسيطرون عليها في مالي في أقل من عام، فيما يستفيد منافسوهم المرتبطون بتنظيم «القاعدة» من حالة الجمود والضعف الملحوظ للجماعات المسلحة التي وقعت اتفاق 2015.
كما حذر تقرير بريطاني، من استغلال الجماعات المسلحة الصراع في النيجر لزيادة نفوذها وتعزيز تجارتها في المخدرات والسلاح والبشر، واستخدامها النيجر ممراً باتجاه الدول الأفريقية الساحلية، لتمارس مهامها في القرصنة، وشن الهجمات على عدد من الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد يصل خطرها إلى دول أوروبية. وقد يزداد الأمر سوءاً إذا ما وصلت أيدي تلك الجماعات للأسلحة التي حصلت عليها النيجر من الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في وقت سابق.
الجزائر تتحرك لإطلاق مبادرة «التنمية في الساحل»  
وحذّر المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن من آثار اقتصادية كارثية لاندلاع الحرب المحتملة في النيجر، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، تعتمد على المعادن التي يصدرها البلد الأفريقي، وعلى رأسها اليورانيوم. ومن شأن أي صراع مسلح في النيجر أن يتسبب في توقف أو انقطاع الصادرات.
كما يؤكد الخبراء، بأن الكلفة الاجتماعية للتدخل العسكري في النيجر ستكون باهظة، حيث أن حوالي 28 بالمائة من سكان النيجر عاطلون عن العمل، في حين يعمل نحو نصف مليون شخص في شركات التعدين والمناجم؛ لذا فإن نشوب صراع مسلح سيزيد من معدلات الفقر والبطالة، ويتسبب في ارتفاع أسعار السلع وفقدانها، بالإضافة إلى أزمات صحية وإنفاق أقل على الصحة والتعليم، ونقص في الدواء والمعدات الطبية.ومن شأن الحرب المحتملة أيضاً أن تساهم في تعميق انعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني أكثر من 3 ملايين شخص من مواطني النيجر من نقص حاد في الغذاء، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم لأكثر من الضعف حال نشوب الحرب. وبالنظر إلى عدد سكان النيجر، البالغ قرابة 26 مليون نسمة، يقبع نصفهم تحت خط الفقر، فإن نشوب أية حرب واتساع رقعتها لتشمل دولاً إفريقية، سيولد أزمة إنسانية كبيرة وموجات نزوح كبيرة قد تضيف مزيداً من الأعباء الاقتصادية والأمنية على كل من دول شمال إفريقيا كالجزائر وتونس وليبيا.لذلك تعارض الجزائر أي عملية عسكرية، كما ترفض فتح أجوائها أمام أي هجوم يفتح أبواب الجحيم على المنطقة.
ولمواجهة مشاكل التنمية في الساحل، اقترحت الجزائر «الدعوة إلى تنظيم مؤتمر دولي حول التنمية في الساحل» بهدف «تشجيع المقاربة التنموية وحشد التمويلات اللازمة لتنفيذ برامج تنموية في هذه المنطقة التي هي أحوج ما تكون إلى البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن الاستقرار والأمن بصفة مستدامة». كما يشدد خبراء على ضرورة ضمان التوزيع العادل للأرباح بين الشركات الغربية العاملة في قطاع التعدين وحكومة النيجر، ما من شأنه أن يساهم في تعزيز قدرات البلاد مالياً، وتخفيض معدلات الفقر، والإنفاق بشكل أكبر على تطوير البنى التحتية، وتحسين قطاعات الصحة والتعليم. كما يتطلب تعزيز الديمقراطية وترسيخها في الحياة العامة، تطوير مفهوم التنمية الشاملة بدلاً من اللجوء للقوة العسكرية التي لن تساهم إلا بمزيد من التعقيد والنتائج الكارثية، ليس على النيجر فقط بل على إفريقيا برمتها.
ع سمير

تاريخ الخبر: 2023-08-31 00:24:32
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:31
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

سانشيز يتراجع عن قرار الاستقالة ويقرر البقاء في منصبه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:37
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 50%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:21
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

الشعباني: "سنواجه فريقا متمرسا في نهائي الكونفدرالية"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:27:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 15:26:13
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية