الكراهية تستشري.. وهذا هو السبب


مع ارتفاع أعداد اللاجئين والمهاجرين والنازحين حول العالم، تتصاعد معدلات الكراهية والازدراء والتنمر، وهو أمر لا يقتصر للأسف الشديد على الدول والمجتمعات الأقل تقدماً والأكثر فقراً، ولكنه يمتد أيضاً ليشمل دولاً ومجتمعات تحتل مقدمة قوائم التنمية البشرية والثراء والتعليم.وفي الآونة الأخيرة، لم يعد يمر يوم واحد من دون أن نقرأ خبراً أو نشاهد فيديو أو نعاين "بوستا" لأحدهم يستهدف مهاجراً أو لاجئاً، أو ينقل حادثة يتعرض خلالها مهاجرون ولاجئون لمطاردة أو توبيخ أو شكل من أشكال الاعتداء.

لا تقع هذه الحوادث في تركيا فقط ضد السائحين الخليجيين أو اللاجئين السوريين، ولا تحدث في قلب أوروبا فقط ضد المهاجرين واللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا، ولكنها تحدث في شتى البقاع.

مادة اعلانية

الكثير من حوادث الكراهية تحدث باطراد كذلك ضد أبناء الجنسية الواحدة، حينما يختلفون في النوع أو اللون أو الدين أو المذهب أو الطبقة الاجتماعية أو الانتماء الجغرافي، وهو أمر يجسد أعلى درجات التمييز، ويضرب التماسك الوطني والسلم الأهلي، ويطيح بكافة المواثيق والعهود الحقوقية الدولية، وينتهك الدساتير الوطنية.

والواقع أن جريمة الكراهية تنبع من إحساس زائف لدى مرتكبها بأنه أعلى وأفضل من الضحية، وهو إحساس تغذيه الثقافة السائدة وبعض الأخطاء الكارثية في عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية.

وعلى سبيل المثال، فإن الانتهاكات الحادة التي مارسها "السيد الأبيض" بحق "العبيد السود" في الولايات المتحدة زمن العبودية، لم تكن تقتصر على سلب الحق في الحياة، والتعذيب، والاعتداء الجسدي، والاستغلال الجنسي، والسجن، والسخرة فقط، لكنها كانت تمتد لتشمل بعداً ثقافياً محدداً؛ إذ كان بعض الأمريكيين يعتقدون أن "عقل العبد الأسود وروحه أقل ذكاء، وأقل شعوراً بالكرامة".

في المجتمعات المأزومة، والتي لم تطرق الحداثة أبوابها، يظل بعض السكان يعتقدون أنهم "أعلى" أو "أطهر" أو "أفضل" من سكان آخرين.يعتقد بعض سكان الريف أن سكان المدينة منحرفون، وأن نساءهم "منحلات مستباحات"، وفي المقابل يعتبر بعض سكان المدن أن الريفيين ليسوا سوى "أغبياء وسذج".

ينطبق هذا الأمر ذاته على أبناء البدو وأبناء الحضر، فكلا الجانبين يحمل للجانب الآخر الكثير من الصور والصفات التي تنال من السمعة وتحط من الكرامة، وهي صفات يتم استدعاؤها في أحوال النزاع وعند تضارب المصالح.يحب من يتورط في هذا التنميط المخل والمسيء أن يلصق الصفات المشينة بخصومه أو مغايريه، وليس أفضل من الصفات التي تنال من عفتهم وشرفهم، لكي تلحق العار بهم وتذلهم.

الإبداع في هذا الباب لا يتوقف أبداً، حتى في أوقات احتدام النزاع والأحداث المأساوية.

يذكرنا هذا بما جرى بين السنة والشيعة من خلاف مصطنع، وهو خلاف أخذ أطرافاً من الفريقين إلى حافة الجنون.يعاير الفريق الأول خصمه بـ "زواج المتعة"، ويعتبره "زنى"، فيما يعاير الفريق الثاني خصمه بـ "زواج المسيار" ويعتبره "زنى" أيضاً.

يؤسس الطرفان في هذه الحالة لخلافهما تاريخياً، فينسبان صفات مشينة إلى أطراف تاريخية، وهما يحرصان على أن تكون تلك الصفات ماسة بالطهارة والكرامة الشخصية، وليست متعلقة بالدور السياسي أو الرؤية والموقف.

تلك حالة ديماجوجية، تعرف أقصى درجات التعصب والحقد؛ وفيها ستعتقد أن خصمك/ منافسك/ مغايرك، ليس سوى "حيوان منعدم المروءة والشرف"، وستسعى إلى أن تعلن ذلك، لتلحق به العار.

سيمكن أيضاً أن تتطور تلك الحالة لتجعل منك مجرماً، فتقدم على قتل هذا "المغاير" كما يفعل بعض المنتمين إلى الإسلام، أو بعض مذاهبه، أو بعض المسيحيين، أو الهندوس، أو أتباع الديانات الأخرى ضد مغايريهم.

لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة، يستهدف بعض الهندوس المسلمين في الهند، ويجري هذا تحت ستار ديني، يدعمه الزعم بأن الهندوسي أكثر طهراً ومقبولية عند الإله من المسلم. وعندما تتجذر تلك الرؤية، تتحول إلى طوفان من الكراهية، ينعكس في ممارسات إجرامية.

يحدث هذا الأمر بالتفصيل ذاته، لكن "المسلم" يكون هو الجاني كما فعلت "داعش" مثلاً ضد أقليات دينية مثل الأيزيديين، حيث استلزم استعبادهم وقتلهم وسبي نسائهم أن يعتقد الجاني أنهم أقل منه طهراً وكرامة.

لا يمكن التقليل من الاعتبارات المادية والعملية التي تقود إلى وقوع جرائم الكراهية، خصوصاً عندما تكون الموارد محدودة والضغوط الاقتصادية كبيرة، لكن التفسير النفسي لتلك الجرائم يظل أكثر قدرة على سبر غورها، بالنظر إلى أن تضارب المصالح يمكن أن يُدار عادة من دون إظهار الكراهية أو تحويلها إلى أعمال عنف.

لا يوجد إنسان أدنى من آخر لأنه ولد في مكان ما، أو يحمل لون بشرة ما، أو يعمل في وظيفة ما، أو يعتقد اعتقاداً ما، ولكن يوجد إنسان قاتل ومتعصب وحقود، لا يعرف أن القيم محض اختيار، وأن الله، خلقنا جميعاً، وكرّمنا جميعاً، وهو الذي سيحاسبنا جميعاً يوم يحين الحساب.

*نقلاً عن "الوطن"

تاريخ الخبر: 2023-09-18 18:09:52
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 86%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية