“أرقام مخيفة”.. لماذا يعزف الشباب المغربي عن الزواج؟


 

 

فاطمة الزهراء الجلاد – صحافية متدربة

 

 

 

يشهد المغرب مثل العديد من البلدان في العالم العربي والإسلامي، ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة العزوبة في السنوات الأخيرة، بسبب عوامل عدة منها التحولات الاجتماعية والثقافية، والاقتصادية في المجتمع المغربي.

 

 

وبمناسبة اليوم العالمي للعزاب الذي يصادف الحادي عشر من نونبر، تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن العزوبية في المغرب بلغت نسبة 47.7 في المائة لدى الإناث، بينما بلغت عند الذكور نسبة 28.3 في المائة.

 

ونتيجة لهذا للتغير القيمي الذي طال قيمة الزواج عند الشباب المغربي، الذي لم يعد الزواج لحظة مهمة في مساره الحياتي، بخلاف الأجيال السابقة التي احتلت الأسرة مكانة رمزية ومادية مهمة لديها، كما كانت دائما واحدة من أهم المؤسسات الاجتماعية، غير أن التحولات التي طالت اليوم الأسرة والتغيير الذي لحق وظائفها أفضى إلى تحول تدريجي في موقف الشباب منها، مما أدى إلى تراجع قيمتها كمؤسسة ضامنة لكل الاحتياجات الأساسية لأفرادها (الإعالة، التربية، السكن، العمل، الزواج… إلخ).

 

 

العزوبة وضعف القوى العاملة

 

 

تفاعلا مع هذا الموضوع، قال إلياس بوزغاية، الخبير في العلاقات الأسرية، إن “ظاهرة العزوبة قضية عالمية لا تقتصر على المغرب فقط، وقد أصبحت تثير قلق بعض العلماء والسياسيين الذين يرون أن لها تأثيرا على المدى البعيد، حيث يقل مستوى الخصوبة في المجتمع مع ضعف الولادات”، معتبرا أن “هذا يؤثر على الهرم السكاني، فيأتي وقت ترتفع فيه نسبة الشيخوخة ويجد فيه الأشخاص الذين عزفوا عن الزواج أنفسهم بدون أبناء عندما يكبرون”.

 

 

وأضاف بوزغاية في حديثه لـ “الأيام 24”، أنه “على مدى 30 أو 40 سنة، يمكن أن يشهد العالم عامة والمغرب خاصة ارتفاعا كبيرا في نسبة العنوسة، وبالتالي هذا الأخير قد يساهم في ضعف القوى العاملة في المجتمع وهي الشباب”.

 

 

وأرجع الخبير في العلاقات الأسرية، الأسباب التي تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج أساسا إلى “العامل الاقتصادي (ارتفاع الأسعار والبطالة) الذي يعد السبب الرئيس في عدم الزواج، باعتباره هاجسا أصبح يؤرق بال الأسر التي تريد أن ترى أبنائها قادرين على تكوين أسر، بالإضافة إلى تحولات المجتمع الاجتماعية والقيمية التي كان لها إسهام كبير في ذلك، بحيث إن ولوج المرأة لسوق الشغل أدى إلى خلق مطالب أكبر من ذي قبل”.

 

 

وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد بوزغاية، أن “هناك فئة أخرى من الشباب رغم قدرتهم على الزواج إلا أنهم يفكرون في البقاء عزابا نظرا للمخاوف التي تصاحب هذا الالتزام، وعلى اعتبار أن العامل الديني لم يعد يؤثر على الشباب في اتجاه تشجيعهم على اتخاذ هذه الخطوة، وبالتالي فالحلول ينبغي أن تراعي كل جوانب المشكل لحله بشكل شامل”.

 

العزوف عن الزواج ظاهرة عالمية

 

 

من جهته، يرى صلاح الدين العريني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في حديثه لـ”الأيام 24″، أنه “في العقدين الأخيرين، بدأ يفتقد الزواج جاذبيته أكثر فأكثر في صفوف الشباب المغربي”، معتبرا أن “هذه ظاهرة لا تخص المجتمع المغربي فقط، بل تكاد تكون ظاهرة عالمية؛ حيث تشهد اليوم المجتمعات الغربية بروز ما يسمى بـ”الزواج المدني” غير المسجل رسمياً لدى السلطات، باعتباره أحد أشكال الزواج الأكثر شيوعا في الوقت الحالي، ومبدأ هذا الشكل من الزواج هو التعايش الطوعي بين رجل وامرأة دون أي التزامات متبادلة”.

 

وارتباطا بالسياق المغربي، أشار العريني إلى أن “المجتمع المغربي اليوم يشهد انتقالات بنيوية على المستوى القيمي والجنساني والاجتماعي والاقتصادي”.

 

وأوضح المتحدث أن “هذه الانتقالات كان لها وقع كبير على قيمة مؤسسة الأسرة والزواج، حيث لم يعد هذا الأخير يدخل ضمن أولى أولويات الشباب، بل ربما أصبح يأتي بعد أولويات أخرى كالدراسة، والعمل، والسكن، والهجرة، ولعل هذا ما يؤشر على تزايد الشباب الذين لا يرغبون في الزواج؛ حيث يمكن الافتراض أن عزوف الشباب عن الزواج يرجع في المقام الأول إلى تغيير القيم في المجتمع المغربي، وظهور مواقف اجتماعية جديدة تجاه الزواج والأسرة، أصبحت تؤثر على موقف الشباب من الروابط الزوجية والأسرية”.

 

 

العامل الاقتصادي وازع أساسي في منظومة الزواج

 

فضلا عن تغير العلاقات الاقتصادية التي حدثت في العقود الثلاثة الأخيرة، وأدت إلى تشوهات كبيرة في العلاقات الأسرية والزوجية، يعتبر الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، أنه “من بين أبرز السمات التي أدت إلى تراجع منسوب الإقبال على الزواج في مقابل تزايد معدلات سن الزواج وارتفاع منسوب الطلاق والتفكك الأسري، هو العامل الاقتصادي بحد ذاته الذي أصبح يشكل عائق لدى الشباب المغربي، مما يؤشر على وجود أزمة أسرة تشكل اليوم تهديدا حقيقيا للمجتمع، الذي أصبح يشهد تفككا تدريجيا لنموذج الأسرة الأبوية، لصالح تنامي أشكال جديدة من العلاقات الجنسانية والزواجية والأسرية”.

 

ولعل ما يزيد من منسوب القلق بشأن حاضر ومستقبل الأسرة المغربية، يرى العريني، هو “الاهتمام غير الكافي للدولة والمجتمع بظاهرة العزوف عن الزواج، الأمر الذي يرفع من منسوب التراجع في المنظومة الأسرية، إذ تعد سياسة الدولة في هذا المجال غير فعالة، نظراً لافتقارها إلى سياسة ديموغرافية واضحة لقضايا الأسرة والزواج والشباب بصفة عامة”.

 

 

عوامل مفسرة لظاهرة العزوبة

 

 

يمكن افتراض مجموعة من الأسباب الأخرى المفسرة لظاهرة العزوف عن الزواج باعتبارها ظاهرة اجتماعية ترتبط بجملة من المحددات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والجنسانية والقيمية التي يصعب حصرها، والتي تحدث عنها الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا خلال حديثه لـ”الأيام 24″، محددا إياها في مايلي:

 

 

الاستقلالية والحرية

وهي أحد الأسباب الرئيسية التي يمكن أن تؤدي إلى عدم الرغبة في الزواج والرغبة في الحفاظ على الاستقلال الشخصي والحرية، إذ يخشى بعض الشباب من أن الزواج قد يحد من فرصهم ومواردهم المتعلقة بمصالحهم واختياراتهم في الحياة.

 

الخوف من الالتزام

يمكن أن يكون الخوف من الالتزام أحد الأسباب الرئيسية لعدم الرغبة في الزواج، إذ يخشى بعض الشباب أن يتطلب الزواج منهم تغيير نمط حياتهم والتزاماتهم المالية ومسؤوليتهم تجاه الزوج(ة)، بحيث يمكن أن يسبب هذا الخوف القلق وعدم الرغبة في الزواج، التي قد تصل إلى” فوبيا الزواج”.

 

التجارب والملاحظات

التجارب الفاشلة في العلاقات أو ملاحظات معاناة الآخرين بسبب الزواج يمكن أن تسبب عدم الرغبة في الزواج، وقد يخاف الناس من تكرار الأخطاء بسبب ضعفهم العاطفي أو المالي المتعلق بالزواج.

 

تغيير أدوار وتوقعات المجتمع

يمكن أن تؤدي الأدوار والتوقعات التقليدية المرتبطة بالزواج إلى عدم الرغبة في الزواج، إذ يشعر الشباب المغربي بضغط كبير من المجتمع، ويتوقعون منهم أداء أدوار ومعايير معينة لا يريدونها أو لا يستطيعون الوفاء بها.

 

العلاقات الجنسية

العلاقات الجنسية قبل الزواج والعلاقات الرضائية يمكن أن تدفع الشباب إلى تأخير أو الاستغناء عن الزواج، حيث يفضل بعض الشباب اختيار علاقة أكثر مرونة وأقل تقييدا على أساس الموافقة المتبادلة، بدون رباط زواج رسمي.

 

العوامل الاقتصادية

مثل البطالة أو عدم الاستقرار المالي أو الديون أو الدخل المنخفض، يمكن أن تسبب عدم الرغبة في الزواج، إذ قد يعتقد بعض الشباب أن الزواج قد ينطوي على نفقات جديدة والتزامات مالية مكلفة أكثر لا يمكنهم تحملها.

 

من المهم أن يعمل المجتمع المغربي على توفير فرص اقتصادية أفضل للشباب وتعزيز التوعية بأهمية الاستقرار في المنظومة الأسرية، إذ يمكن أن تلعب الحملات التوعوية والبرامج التعليمية دورًا في تشجيع الزواج وتقوية الأسر.

 

في النهاية، يمكن القول إن ارتفاع نسبة العزوبة في المغرب تحد كبير يستدعي المزيد من البحث والتفكير، بحيث يمكن التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني من أجل تقديم حل مستدام لهذه القضية، بما يسهم في تعزيز الاستقرار والتنمية بالبلاد.

 

تاريخ الخبر: 2023-11-14 18:10:22
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 74%
الأهمية: 84%

آخر الأخبار حول العالم

هكذا كانت ردة فعل عائلة الدكتور التازي بعد النطق بالحكم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:03
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 68%

فرحة عارمة لابن الطبيب التازي بعد الإعلان عن مغادرة والده للسجن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:00
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 62%

فرحة عارمة لابن الطبيب التازي بعد الإعلان عن مغادرة والده للسجن

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:25:52
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 61%

هكذا كانت ردة فعل عائلة الدكتور التازي بعد النطق بالحكم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 03:26:08
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية