في شهر ديسمبر من كل عام نحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، والذي تم تحديده وبدء الاحتفال به من قبل الأمم المتحدة في عام 1992م، بهدف التوعية بقضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وعاما بعد عام تطور منظور التعامل مع قضاياهم بعد أن كانت من منحي الاحتياج والحصول على الخدمات، إلى منحي الحقوق والمشاركة بفعالية في المجتمع.

وهناك الكثير من المؤسسات التي تعمل على قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، ولكن قليل منها يعود له الفضل في أن يكونوا رواد في دعمهم إيمانا بحقوقهم، وبأهمية التوعية ودور المجتمع في هذا الشأن.

“سيتي” البداية كانت احتياج الأسر للخدمات

ومن الجهات الرائدة في مجال ذوي الإعاقة مركز سيتي كاريتاس مصر للتدريب والتأهيل في مجال الإعاقة، والذي تم إنشائه في الثمانينات من القرن الماضي.

ويتميز مركز سيتي بأنه يهتم ليس فقط بالشخص ذو الإعاقة منذ سنوات عمره الأولي، لكن أيضا بأسرته وبالتوعية للأسر والمجتمع من حول الِخاص ذوي الإعاقة، في هذا التقرير نتعرف عن قرب عن عمل ودور مركز سيتي كاريتاس مصر خلال رحلة عمل بدأت منذ عقود.

إجلال شنودة- المديرة التنفيذية لمركز سيتي القاهرة، تحدثت إلى “وطني”وقالت:” كاريتاس مصر جمعية مصرية منبثقة من كاريتاس العالمية، أنشأت عام 1967 لمواجهة نزوج القاطنين في مناطق القناة بعد الحرب، وفى عام 1986 توجه مجموعة من أولياء الأمور إلى كاريتاس وطالبوها بالعمل في مجال ذوي الإعاقة، ومن هنا جاء الاحتياج لإنشاء مركز سيتي مصر كمعهد لتدريب العاملين في مجال ذوي الإعاقة وكان دوره فقط تقديم الدورات التدريبية للعاملين بمجال الإعاقة. ومن ضمن المؤسسين لسيتي: الدكتور نجيب خزام، وإحدى أولياء الأمور كان لديها بنتين لديهم إعاقة ذهنية” برناديت لابات”.وبعد فترة من نشاط مركز سيتي، أولياء الأمور طالبوا بأنهم يحضروا أبنائهم للتدريب والتأهيل والتعلم داخل سيتي، ومن هنا بدأ قسم خدمات مركز سيتي في العمل وأصبحت بعد ذلك خدمات لشباب ذوي الإعاقة، وبدأنا نعمل في محافظات أخرى ولا ننتظر أن يأتوا الينا في القاهرة.”

التأهيل المرتكز على المجتمع كان البداية

وأضافت إجلال شنودة قائلة:” التأهيل المرتكز على المجتمع، كان التوجه الأساسي لنا في العمل في السنوات الأولى لمركز سيتي و كان توجه من قبل منظمة الصحة العالمية آنذاك، وعملنا على التأهيل المرتكز على المجتمع بالمناطق العشوائية، وخلال السنوات القليلة الماضية اتبعنا نهج التنمية الدامجة ليتواكب مع استراتيجية التنمية المستدامة 2030 واصبح شعارنا في العمل هو “التنمية الدامجة المرتكزة على المجتمع” ، وخدمات الأسر تتنوع لأننا لدينا نهج يمكن الأسر لتصبح مصدر دعم مستمر في كل مراحل أبنائهم، حيث يمدهم بمعلومات عن الإعاقة وكيفية التدخل في برنامجه التأهيلي- وأن يعرفوا حقوقهم حتى يستطيعوا المطالبة بها، ويعرفوا يمكن أنيساعدوا أسر أخرى لم تحصل على الخدمات والحقوق، وبالفعل لدينا أسر بدأت تعمل خدمات في مناطق لم تكن فيها خدمات من قبل منها: منطقة إمبابة- ومناطق أخرى بمحافظة الجيزة ومحافظات الصعيد.”

العمل مع الأسر مبكرا

وأضافت:” التمكين الأسري يبدأ من أول ما الأسرة تعرف أن ابنها عنده إعاقة، وتساعد الأسرة في المراحل الأولى حتى تصل الأسرة لمرحلة التقبل والتعامل بصورة إيجابية، وتستطيع أن تكتشف مواطن القوة في ابنها. ويعتبر مركز سيتي من المراكز الرائدة في مجال التدخل المبكر في مصر، وقام بالتعاون مع دول عربية لتقديم تجارب التدخل المبكر والتأهيل لهم.

”

عملنا معهم قائمة بورتاج ليستطيع الأهالي والعاملين في مجال جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة استخدامها بعد التدرب عليها، كذلك قدمنا منهج التربية النفس حركية بالتعاون مع هيئة “الحماية” الفرنسية، وأصدقاء الأخت وجامعة القديس يوسف بلبنان.

كما أنشأ مركز سيتي برنامج للتأهيل المهني والتوظيف للإعاقة خاصة الذهنية، ونجح حتى الآن في توظيف مئات الشباب والشابات سواء في وظائف أو في مشروعات يقيموها بمساعدة أسرهم لتمكينهم اقتصاديا وضمان مستقبلهم. كذلك هناك قسم التوثيق والنشر بمركز سيتي، الذي يعمل على إصدار كتيبات ومطويات بلغة عربية مبسطة وتضم أفكار عملية لخدمة أولياء الأمور والأطفال والعاملين بالمجال.”

وأضافت شنودة:” بدأ سيتي مشروع بالتعاون مع هيئة اليونسكو عام 1998م ثم مع هيئة إنقاذ الطفولة البريطانية للدمج التعليمي بالمدارس النظامية، وعلى أثر ذلك تم استصدار أول قرار رسمي من قبل وزارة التربية والتعليم المصرية بالدمج في عام 2005م وعلى أثره تم إدماج الدمج بقانون رقم 10 لسنة 2018 ، وضمت اللائحة التنفيذية.

بما أن المشكلات التي تعوق الأسر تعود في نسبة كبيرة منها إلى النظرة المجتمعية السلبية للأشخاص ذوي الإعاقة، لذلك يقوم مركز سيتي بتقديم دورات تدريبية ولقاءات توعوية للأسر، ويتعاون مركز سيتي مع بعض الجهات لتنفيذ بعض الأنشطة التوعوية منها على سبيل المثال التعاون مع شركة الفطيم مصر، خلال الاحتفالات بالأيام الدولية المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، على سبيل المثال الاحتفال في شهر مارس باليوم الدولي لمتلازمة داون، وفي أبريل الأطفال التوحديين وفى شهر نوفمبر صعوبات التعلم..وهكذا.

أما عن أماكن تواجد مقرات مركز سيتي في مصر، قالت إجلال شنودة: بالنسبة لمقرات مركز سيتي بمحافظات الجمهورية، فهي 6 مقرات: اثنين منهم بالقاهرة الكبرى في شبرا ومصر الجديدة، ومقر بالعمرانية بالجيزة، ومقرين بمحافظة الإسكندرية، ومقر بمحافظة سوهاج، وهذه المقرات تخدم مختلف محافظات مصر.

أضافت شنودة قائلة:” مؤخرا بدأنا في مركز سيتي العمل على الدمج في الأنشطة الثقافية والفنية والترفيهية، خاص بعدما رصدناه من تغيير إيجابي وأنها فعالة جدا في تغيير نظرة المجتمع السلبية للأشخاص ذوي الإعاقة، ويحدث الدمج بشكل تلقائي من خلالها.

من خلال عملنا في تدريب أولياء الأمور على المناصرة، هناك بعض الأسر ممن شاركوا معنا، قاموا بإبداء آرائهم في قانون الأشخاص ذوي الإعاقة في جلسات بمجلس النواب قبل إقرار القانون.

كما نعمل أيضا في المنطقة العربية وتدريب الكوادر للعمل في مجال تدريب وتأهيل ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة، في عدة بلدان منها: البحرين، تونس، المغرب، قطر..إلخ.

وتمت دعوة مركز سيتي لتقديم استشارات محلية ودولية في مجال العمل الخاص بذوي الإعاقة.

ومن ضمن عملنا في التوعية تقديم التوعية للإعلاميين بالمصطلحات المغلوطة التي يجب تفاديها في التغطيات الإعلامية المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك الحال مع العاملين بالجهات التنفيذية والتأكيد على تحويل النظرة للأشخاص ذوي الإعاقة من الشفقة إلى النظرة الحقوقية.”

استطردت شنودة قائلة: “الإعاقة ليست مرضا، لأنهامستمرة وليس لها تدخل طبي لعلاجها، لكن يجب أن نعمل على التأهيل والتأكيد على دور المجتمع في إزالة العوائق.”

حول أهم المكتسبات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، قالت شنودة:” من أهم المكتسبات خلال السنوات الماضية، إصدار القانون رقم 10 لسنة 2018 لأنه وضع إطار تشريعي للحقوق والتزام للجهات التنفيذية، لتفعيل القانون هناك طريق طويل ومشوار لانزال في بدايته، بالرغم من مرور 5 سنوات على إقرار القانون إلا أن الأشخاص ذوي الإعاقة لا يزالوا يعانون وقدامهم طريق طويل حتى يتخلى المجتمع عن نظرة الشفقة وصولا للنظرة الحقوقية، وهذا الأمر يحتاج لوقت طويل وجهود لمناصرين لقضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.”

دمج الأشخاص ذوي الإعاقة بالمجتمع

الدكتورة مادلين صبري- المشرف العام على مركز سيتي كاريتاس مصر، تحدثت إلى وطني وقالت:” الهدف الأول والأخير لنا في عملنا في سيتي بمختلف فروعه، هو دمج الأشخاص ذوي الإعاقة داخل المجتمع، من خلال العمل مع الأطفال والشباب والأسر والأخوات، حيث نحاول دائما القيام بتوعية المجتمع بالقدرات والحقوق لذوي الإعاقة، ليتبنوا النظرة الإيجابية عنهم وحتى نصل لمجتمع دامج ويتقبل الاختلاف، كما نعمل مع مقدمي الخدمات ومؤسسات المجتمع المدني، سواء خدمات صحية أو اجتماعية ..إلخ، حتى يستطيعوا أن يدمجوا الأشخاص ذوي الإعاقة في الأنشطة والخدمات التي يعملون عليها. بالإضافة إلى العمل على مستوي الدعم الحكومي بالتعاون مع الوزارات المعنية والجهات التنفيذية، ونتشارك معا في طريق تفعيل القانون على أرض الواقع، فالقانون صدر منذ خمس سنوات لكن تفعيله على أرض الواقع يستغرق سنوات طويلة، وهناك احتياجات يجب أن تتحقق بالمجتمعات حتى يمكن تفعيل القانون.”

أضافت دكتورة مادلين صبرى:” نعمل مع الأسر منذ الأشهر الأولي لابنائهم من ذوي الإعاقة، وصولا معهم إلى مرحلة الشباب حيث تعمل على التدريب والتوعية والتأهيل وصولا إلى عمل الأشخاص ذوي الإعاقة، وعملنا يركز بشكل أساسي على أصحاب الإعاقات الذهنية، وكذلك هناك قسم للأشخاص متعددي الإعاقات.”

حول ذوي الإعاقة الذهنية وما تحقق لهم خلال 20 عاما مضت، قالت صبري: “هناك حراك كبير، خاصة مع وجود سياسات داعمة بالدولة لذوي الإعاقة، ووجود مبادرات مثل قادرون باختلاف مؤخرا، كل هذه المبادرات تعمل على الحراك والتغيير . ولكن نحتاج إلى المزيد من العمل على أرض الواقع على كافة المستويات، حيث

نحتاج لجهود أكثر تنظيما وتنسيق وتشبيك ما بين الوزارات والهيئات المعنية والمجتمع المدني، وكذلك رفع وعي العاملين بالجهات الحكومية على كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف الاعاقات، بالإضافة إلى الاحتياج لتطوير المنظومة الصحية فهي تحتاج إلى التطوير حتى يستطيعوا الحصول على الخدمات الطبية المطلوبة.”

“حياة كريمة”

أضافت الدكتورة مادلين صبري قائلة:” نعمل حاليا في مركز سيتي على التنسيق للعمل على قضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في قرى حياة كريمة لوصول الخدمات لذوي الإعاقة بهذه القرى بمحافظات الصعيد والوجه البحري.”