عرّى التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، سوء تدبير الأحزاب بصفة عامة لماليتها وخاصة أحزاب الأغلبية الحكومية، سواء تعلق الأمر بعدم إرجاع مبالغ دعم أو عدم تبرير نفقات أجور الموظفين وكراء المقرات، مما يدعو للاستغراب والتساؤل: كيف يمكن لأحزاب فشلت في تدبير ميزانيها تسيير ميزانيات ضخمة لقطاعات وزارية مختلفة؟.
المحلل السياسي خالد البكاري، اعتبر أن “الاختلالات المالية للأحزاب السياسية، ترتبط في شقها الأول ببنية الأحزاب في حد ذاتها فيما يتعلق بالموارد البشرية خاصة “الأحزاب الإدارية” التي يراد لها أن تصبح أحزابا طبيعية”، مشيرا إلى أن “هذه الأحزاب استقطبت مجموعة من الأعيان والفاسدين والباحثين عن الترقي ولو بطرق غير مشروعة”.
وأضاف البكاري، في حديث لـ”الأيام 24″، أنه أمر طبيعي أن تشهد هذه الأحزاب التي خرجت من رحم الإدارة اختلالات مالية ومحاسباتية مادام أن أغلب الجماعات الترابية التي تسيرها عرفت اختلالات مالية، وبالتالي فعادي أن تكون هذه الاختلالات المالية موجودة داخل الأحزاب.
أما الشق الثاني المتعلق بأسباب هذه الاختلالات المالية، حسب البكاري، فهي عدم وجود أحزاب سياسية محترفة من ناحية التدبير الإداري والمالي لشؤونها، مبينا أنه “في بعض الأحيان لا يرتبط الأمر فقط بالذمة المالية للأفراد الذين ينتمون لهذه الأحزاب، بل تكون هذه الاختلالات ناجمة عن كون هذه الأحزاب تُدبر الجانب المالي والمحاسباتي بطرق تقليدية”.
وأشار البكاري، إلى أنه في بعض الأحيان تكون هناك مصاريف بالفعل قد تم صرفها في أنشطة الأحزاب السياسية، مستدركا: “لكن لا تُثبت عن طريق الفواتير ولا تُثبت بمستندات وإنما يتم التعامل مع الموردين ومع الذين قاموا بأنشطة تكوينية عبر معاملات شفهية”.
وبخصوص كيفية الرقي بالأداء المالي للأحزاب السياسية، قال المتحدث نفسه، إن “الأمر بسيط جدا، خصوصا بالنسبة للأحزاب الكبرى التي لها من الإمكانيات ما يمكنها من توظيف أشخاص يتكلفون بهذه الجوانب، مع العلم أنهم يتعاقدون مع محاسبين محلفين خلال فترة إقامة المؤتمرات أو ما شابه ذلك”.
وأفاد البكاري بأن السؤال المطروح، هو هل قادة الأحزاب ومكاتبها السياسية لها الإرادة لتقوم بهذا العمل وربح هذه الرهانات، على اعتبار أن هذا الأمر سيعزز شفافية الأحزاب السياسية في الجانب المالي، في حين أن العديد من الشؤون المالية داخل الأحزاب تطرح عليها عدة أسئلة.
هذا، وفضح تقرير أصدره المجلس الأعلى للحسابات بخصوص تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها، سوء تدبير أحزاب الأغلبية الحكومية لماليتها، خصوصا ما يتعلق منها بتبرير نفقات أجور الموظفين وكراء المقرات.
وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن حزب التجمع الوطني للأحرار لم يقدم تبريرا لنفقات صرف أجور مستخدمين، واكتفى بتقديم أوامر تحويل بالمبالغ التي تجاوزت مليوني درهم، عوض دعم صرفها بوثائق الإثبات، ولا سيما عقود العمل والعقود الملحقة في حالة التجديد أو التغيير.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقام، حسب التقرير، بصرف نفقات كراء مقرات جهوية دون أن يقدم بشأنها أي وثيقة إثبات قانونية معنونة باسم الحزب، حيث طالب المجلس الأعلى للحسابات حزب “البام”، بتقديم ما يفيد نفقات الكراء، تخص مقراته وأنشطته الحزبية ومعنونة باسمه.
كما نبه التقرير، إلى أن حزب الاستقلال، لم يدعم صرف أجور المستخدمين والذي تجاوز مبلغ المليون ونصف المليون درهم، بوثائق الإثبات، والتي تتعلق بعقود العمل وكذا محاضر الشروع في العمل، ناهيك عن أنه لم يبرر نفقات كراء المقرات، والتي تجاوزت مبلغ المليوني درهم، واكتفى بالإدلاء بوصولات الأداء دون إرفاقها بعقود الكراء المعنية.
وسجل التقرير، أن 18 حزبا لم تقم بعد بإرجاع مبالغ دعم تناهز 26,31 مليون درهم إلى الخزينة، تتعلق بمبالغ غير مستحقة (839.813,09 درهم)، أو لم يتم استعمالها أو استعملت لغير الغايات التي منحت من أجلها (7,58 مليون درهم)، أو نفقات لم يتم إثبات صرفها بوثائق الإثبات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ذات الصلة (17,90 مليون درهم).
